أما أخلاق الدعاة وصفاتهم التي
ينبغي أن يكونوا عليها، فقد أوضحها الله جل وعلا في آيات كثيرة، في أماكن
متعددة من كتابه الكريم.
(أولا) منها: الإخلاص، فيجب على الداعية أن يكون مخلصا لله عز وجل، لا
يريد رياء ولا سمعة، ولا ثناء الناس ولا حمدهم، إنما يدعو إلى الله يريد
وجهه عز وجل، كما قال سبحانه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى
اللَّهِ) وقال عز وجل: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى
اللَّهِ) فعليك أن تخلص لله عز وجل، هذا أهم الأخلاق، هذا أعظم الصفات أن
تكون في دعوتك تريد وجه الله والدار الآخرة.
(ثانيا) أن تكون على بينة في دعوتك أي على علم، لا تكن جاهلا بما تدعو
إليه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ).
فلا بد من العلم، فالعلم فريضة، فإياك أن تدعو على جهالة، وإياك أن تتكلم
فيما لا تعلم، فالجاهل يهدم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، فاتق الله يا عبد
الله، إياك أن تقول على الله بغير علم، لا تدعو إلى شيء إلا بعد العلم
به، والبصيرة بما قاله الله ورسوله، فلا بد من بصيرة وهي العلم، فعلى
طالب العلم وعلى الداعية، أن يتبصر فيما يدعو إليه، وأن ينظر فيما يدعو
إليه ودليله، فإن ظهر له الحق وعرفه دعا إلى ذلك، سواء كان ذلك فعلا أو
تركا، فيدعو إلى الفعل إذا كان طاعة لله ورسوله، ويدعو إلى ترك ما نهى
الله عنه ورسوله على بينة وبصيرة. .
(ثالثا) من الأخلاق التي ينبغي لك أن تكون عليها أيها الداعية، أن تكون
حليما في دعوتك، رفيقا فيها، متحملا صبورا، كما فعل الرسل عليهم الصلاة
والسلام، إياك والعجلة، إياك والعنف والشدة، عليك بالصبر، عليك بالحلم،
عليك بالرفق في دعوتك، وقد سبق لك بعض الدليل على ذلك كقوله جل وعلا:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقوله سبحانه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ
مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) الآية وقوله جل وعلا في قصة موسى وهارون:
(فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) وفي
الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" اللهم من ولي من أمر أمتي
شيئا فرفق بهم فارفق به ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه "
خرجه مسلم في الصحيح، فعليك يا عبد الله أن ترفق في دعوتك، ولا تشق على
الناس، ولا تنفرهم من الدين، ولا تنفرهم بغلظتك ولا بجهلك، ولا بأسلوبك
العنيف المؤذي الضار، عليك أن تكون حليما صبورا، سلس القياد لين الكلام،
طيب الكلام حتى تؤثر في قلب أخيك، وحتى تؤثر في قلب المدعو، وحتى يأنس
لدعوتك ويلين لها، ويتأثر بها، ويثني عليك بها ويشكرك عليها، أما العنف
فهو منفر لا مقرب، ومفرق لا جامع..
ومن الأخلاق والأوصاف التي ينبغي بل يجب أن يكون عليها الداعية، العمل
بدعوته، وأن يكون قدوة صالحة فيما يدعو إليه، ليس من يدعو إلى شيء ثم
يتركه، أو ينهى عنه ثم يرتكبه، هذه حال الخاسرين نعوذ بالله من ذلك، أما
المؤمنون الرابحون فهم دعاة الحق يعملون به وينشطون فيه ويسارعون إليه،
ويبتعدون عما ينهون عنه، قال الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ
اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) وقال سبحانه موبخا اليهود
على أمرهم الناس بالبر ونسيان أنفسهم: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ
بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ
أَفَلا تَعْقِلُونَ)
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يؤتى بالرجل يوم القيامة
فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى،
فيجتمع عليه أهل النار فيقولون له يا فلان ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى
عن المنكر فيقول بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر
وآتيه " هذه حال من دعا إلى الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم خالف
قوله فعله وفعله قوله، نعوذ بالله من ذلك .
فمن أهم الأخلاق ومن أعظمها في حق الداعية، أن يعمل بما يدعو إليه، وأن
ينتهي عما ينهى عنه، وأن يكون ذا خلق فاضل، وسيرة حميدة، وصبر ومصابرة،
وإخلاص في دعوته، واجتهاد فيما يوصل الخير إلى الناس، وفيما يبعدهم من
الباطل، ومع ذلك يدعو لهم بالهداية، هذا من الأخلاق الفاضلة، أن يدعو لهم
بالهداية ويقول للمدعو هداك الله، وفقك الله لقبول الحق، أعانك الله على
قبول الحق، تدعوه وترشده وتصبر على الأذى، ومع ذلك تدعو له بالهداية، قال
النبي عليه الصلاة والسلام لما قيل عن (دوس) إنهم عصوا، قال: " اللهم اهد
دوسا وأت بهم " . تدعو له بالهداية والتوفيق لقبول الحق، وتصبر وتصابر في
ذلك، ولا تقنط ولا تيأس ولا تقل إلا خيرا، لا تعنف ولا تقل كلاما سيئا
ينفر من الحق، ولكن من ظلم وتعدى له شأن آخر، كما قال الله جل وعلا:
(وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)
فالظالم الذي يقابل الدعوة بالشر والعناد والأذى، له حكم آخر، في الإمكان
تأديبه على ذلك بالسجن أو غيره، ويكون تأديبه على ذلك على حسب مراتب
الظلم، لكن ما دام كافا عن الأذى، فعليك أن تصبر عليه، وتحتسب وتجادله
بالتي هي أحسن، وتصفح عما يتعلق بشخصك من بعض الأذى، كما صبر الرسل
وأتباعهم بإحسان.
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعا لحسن الدعوة إليه، وأن يصلح قلوبنا
وأعمالنا، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه، والثبات عليه، ويجعلنا من
الهداة المهتدين، والصالحين المصلحين، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله
وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان
إلى يوم الدين.