السنة كلها تشريع موسى شاهين لاشين
الكتاب: السُنَّةُ كُلُّهَا تَشْرِيعٌ السُنَّةُ
كُلُّهَا تَشْرِيعٌ
(1/) التقى
فارسان، فكانت بينهما لوحة معلقة، بيضاء من جهة أحدهما، سوداء من جهة
الآخر، قال الأول: ما أجمل هذه اللوحة البيضاء؟، قال الثاني: إنها سوداء،
وتجادلا حتى كَادَا يَقْتَتِلاَنِ، وأدركهما فارس ثالث، يعلم حقيقة
اللوحة، فقال لهما: لا عليكما. تبادلا المواقع. فتبادلا، فوجد كل منهما
أنَّ صاحبه كان على صواب.
(1/53) طَلَبًا
غير جازم، يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه، فيقال مثلا: ركعتان قبل صلاة
الصبح سُنَّةٌ وركعتا تحية المسجد سُنَّةٌ، وهذا المعنى هو المراد من قول
ابن عباس: «لَيْسَ بِسُنَّةٍ» فيما رواه الامام أحمد في " مسنده " عن أبي
الطفيل. قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: «يَزْعُمُ قَوْمُكَ أنَّ رسول
الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ بِالْبَيْتِ، وأنَّ
ذلك سُنَّةٌ؟». فَقَالَ: «صَدَقُوا، وَكَذَبُوا». قلتُ: «مَا صَدَقُوا؟
وَمَا كَذَبُوا؟». قال: «صَدَقُوا. رَمَلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَيْتِ، وَكَذَبُوا. لَيْسَ بسُنَّةٍ، إِنَّ
قُرَيْشًا قَالَتْ: دَعُوا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ - زَمَنَ
الْحُدَيْبِيَةِ - حَتَّى يَمُوتُوا مَوْتَ النَّغَفِ (*)، فَلَمَّا
صَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَقْدِمُوا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ،
وَيُقِيمُوا بِمَكَّةَ ثَلاثًةَ أَيَّامٍ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ [قُعَيْقِعَانَ]
( ... )، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«ارْمُلُوا بِالْبَيْتِ ثَلاثًا» (**) وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ. قلتُ: ويزعم
قومك أنه طاف بين الصفا والمروة على بعير؟ وأنَّ ذلك سُنَّةٌ؟ فقال:
صدقوا، وكذبوا، فقلت: وما صدقوا؟ وما كذبوا؟ فقال: صدقوا قد طاف بين
الصفا والمروة على بعير، وكذبوا ليس بسُنَّة، كانوا لا يدفعون عن رسول
الله ولا يصرفون عنه، فطاف على بعير، ليسمعوا كلامه، ولا تناله أيديهم.
قلت: ويزعم قومك أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
سعى بين الصفا والمروة، وأنَّ ذلك سُنَّة؟ قال: صدقوا .. الحديث (6).
(1/54) شُبْهَةٌ
عند البعض فِي أنَّ الإباحة حُكْمٌ شَرْعِىٌّ، والدارس لأصول الفقه يعلم
من أئمته أَنَّ الإباحة حكم شرعي.
(1/55) فإذن،
إِبَاحَةُ الْمُبَاحِ مَثَلاً لاَ تُوجِبُ دُخُولَهُ بِإِطْلاَقٍ تَحْتَ
اخْتِيَارِ المُكَلَّفِ، إِلاَّ مِنْ حَيْثُ كَانَ قَضَاءً مِنَ
الشَّارِعِ، وَإِذْ ذَاكَ يَكُونُ اخْتِيَارُهُ تَابِعًا لِوَضْعِ
الشَّارِعِ، وَغَرَضُهُ مَأْخُوذًا مِنْ تَحْتِ الإِذْنِ الشَّرْعِيِّ»
(11).
(1/56) مَوْضُوعُ
بَحْثِنَا) فَقَدْ ذَهَبَ طَوَائِفٌ مِنْ حَشْوِيَّةِ الفُقَهَاءِ إِلَى
أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الوُجُوبِ، عُزِيَ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ سُرَيْجٍ
... أَمَّا الوَاقِفِيَّةُ فَيُطْرَدُونَ [مَذَاهِبَهُمْ] فِي الوَقْفِ
[فِي هَذِهِ الصُّوَرَةِ أَظْهَرُ]، وَأَمَّا أَصْحَابُ النَّدْبِ فَقَدْ
يَصِيرُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ رَدِيءٌ مُزَيَّفٌ».
(1/57) عَامًّا
لِسَائِرِ أَفْرَادِ الأُمَّةِ - وَهَذَا هُوَ الأَصْلُ - أَمْ أَثْبَتَ
حُكْمًا خَاصًّا بِهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ خَاصًّا
بِبَعْضِ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - وَسَوَاءٌ أَكَانَ
فِعْلُهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِبِلَّيًّا أَمْ كَانَ
غَيْرَ جِبِلِّيٍّ، فَمَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَصْدُرُ عَنْهُ -
صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلاَّ وَيُثَبِِتُ حُكْمًا
شَرْعِيًّا، يَجِبُ اعْتِقَادُ ثُبُوتِهِ، بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ
كَوْنِهِ إِيجَابًا أَوْ نَدْبًا أَوْ تَحْرِيمًا أَوْ كَرَاهَةً أَوْ
إِبَاحَةً، وَبِقَطْعِ النَّظَرِ أَيْضًا عَنْ كَوْنِهِ عَامًّا
لِجَمِيعِ الأُمَّةِ، أَوْ خَاصًّا بِالبَعْضِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ
ذَلِكَ البَعْضُ، وَبِقَطْعِ النَّظَرِ كَذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ
مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ طَبِيعِيٍّ جِبِلِّيٍّ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ
سَائِرِ الأَفْعَالِ الاخْتِيَارِيَّةِ المُخْتَلِفَةِ» (19).
(1/58)
المَوَاقِعِ الحَرْبِيَّةِ، وَتَنْظِيمِ الصُّفُوفِ فِي المَوْقَِعَةِ
الوَاحِدَةِ، وَالكُمُونِ وَالفَرِّ، وَاخْتِيَارِ أَمَاكِنَ النُّزُولِ،
وَمَا إِلَى ذَلِكَ مِمَّا يَعْتَمِدُ عَلَى وَحْيٍ الظُّرُوفِ
وَالدُّرْبَةِ الخَاصَّةِ.
(1/59) ويقول
القرآن الكريم في وصف النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
{يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ
لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ} (27) فكيف
ينفي عنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشريع الحل والحرمة في
المأكول والمشروب؟ ونسوق هنا بعض آداب الأكل والشرب الواردة في الصحيح
وبعضها واجب، وبعضها مندوب، وَبَعْضُهَا مُحَرَّمٌ، وبعضها مكروه، ليتبين
الخطأ الواضح في نفي التشريع عنها.
(1/60) وَأَمَرَ
- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتغطية أواني الطعام والشراب،
فقال: «أَطْفِئُوا المَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا
الأَبْوَابَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ
وَالشَّرَابَ» (38) أي غطوه.
(1/61) وَرَهْنٍ
وَإِجَارَةٍ وَقِرَاضٍ وَلُقَطَةٍ وَسَلَمٍ ... » الخ (43).
(1/62) التشريعي
في السُنَّةِ النبوية) نشر في " مجلة بحوث السنة والسيرة " بجامعة قطر -
العدد الثالث 1988 م.
(1/63) فهو يتزوج
فوق الأربع، وَيُحَرِّمُ عَلَى الأُمَّةِ الاقتداء به في ذلك التشريع
الخاص به.
(1/64) الترك.
(1/65)
المشروعية، أي على ما هو أكثر من الإباحة، تدل على الاستحباب أو الإرشاد
في الأمر، وعلى الكراهية في النهي، وقد تدل على الإيجاب في الأمر، أو
التحريم في النهي، تَبَعًا للقرائن. (55).
(1/66)
بِنَفْسِهِ.
(1/67) بالإباحة
نوع من العام، كما حدث في استثناء الإذخر من شجر الحرم فأبيح قطعه
وَحَرَّمَ قطع غيره، وقد يكون التشريع قَاصِرًا على زمن دون غيره، كما
حدث في ادخار لحم الأضحية حيث قال: - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
في عام: «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ
وَبَقِيَ فِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» فَلَمَّا كَانَ العَامُ
المُقْبِلُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا
[عَامَ] المَاضِي؟ قَالَ: «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ
[ذَلِكَ] العَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا
فِيهَا» (62).
(1/68) أمروا به
لقال: تشريع يثاب على فعله ويعاقب على تركه، فغايته أنه تشريع غير عام
وغير دائم لكنه تشريع. فما جاء في حديث ابن عباس من أفعاله - صَلََّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كله شرع وتشريع.
(1/69)
وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الجِبِلِيَّةِ
قَرِينَةً عَلَىَ أَنَّ الفِعْلَ يُفِيدُ الإِبَاحَةَ، لاَ الوُجُوبَ
وَلاَ النَّدْبَ» (16). (*).
(1/70) عَلَيْهِ
مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}
(67)
(1/71) والضحك
مثلاً مبادئه التبسم، فإن انبسط الوجه حتى بدت الأسنان من السرور فهو
الضحك، فإن كان بصوت بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة، وَلَمْ يُسْمَعْ
رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقًهْقِهُ أبدًا،
وَأَكْثَرُ مَا رُؤِيَ يَبْتَسِمُ، تَعَجُّبًا، أَوْ إِعْجَابًا، أَوْ
مُلاَطَفَةً، وَقَلَّمَا ضحك حتى بدت نواجذه، أي أضراسه.
(1/72) إنسان
مراقب من الله، محاسب على ما يفعل، مِصْدَاقًا لقوله تعالى: {مَا
يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (71).
(1/73) مرضي عنه
- وكل من طرفي المباح مرضي عنه - ويستحيل أن يفعل الرَّسُولُ - صَلََّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلاً لاَ يَرْضَى عَنْهُ اللهُ، ثم يتركه
اللهُ دون توجيه لما يرضيه، وبعبارة أخرى: كل فعل من أفعاله - صَلََّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إما أن يكون مُوَافِقًا لِمَا شَرَّعَهُ
اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ إِبَاحَةً
وَحِينَئِذٍ ينزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وَيُقِرُّهُ صَرَاحَةً،
أو يسكت عنه، فيكون إِقْرَارًا سُكُوتِيًا، ويكون شَرْعًا للمسلمين، حيث
لم يعدل هذا الحكم حتى لحق الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بربه، لأنه تعالى أمرهم أن يقتدوا به - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- في أفعاله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ
كَثِيرًا} (75).
(1/74) بِأَرْضِ
قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ». قال خالد بن الوليد: فَاجْتَزَرْتُهُ
فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَنْظُرُ إِلَيَّ (79). هكذا كان الصحابة يعلمون أن أكله - صَلََّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشريع، ويخافون من امتناعه - صَلََّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أكل شيء أن يكون مَمْنُوعًا وَحَرَامًا، ولا
يتصور مسلم أنهم يُسَوُّونَ بين أكل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لطعام وأكل غيره من الصحابة لهذا الطعام، وما ذلك إلا
لإيمانهم بأن فعل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشريع،
وكان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَكِّدُ لَهُمْ
هذا المعنى، فحين يحكم لهم بالقول بِحِلِّ شَيْءٍ كَانَ يُؤَكِّدُ هَذَا
التَّحْلِيلَ اللفظي بالتحليل العملي فيسألهم أن يشركوه في أكل ما يسألون
عن أكله فبعد أن أَحَلَّ لهم أكل الحمار الوحشي، وَقَالَ لَهُمْ:
«كُلُوهُ، هُوَ حَلاَلٌ»، قَالَ لَهُمْ: «هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟»
فَنَاوَلُوهُ العَضُدَ فَأَكَلَهَا (80). وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لَهُمْ:
«كُلُوا وَأَطْعِمُونِي». قال بعض العلماء؛ طلب النَّبِيُّ - صَلََّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأكل تَطْيِيبًا لقلب من أكل وبيانًا
للجواز بالقول والفعل لإزالة الشُبْهَةِ (81). إن الذين ينفون التشريع عن
فعل النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأكل والشرب
يُسَوُّونَ بَيْنَ أَكْلِ مُحَمَّدٍ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَبَيْنَ أَكْلِ أَبِي جَهْلٍ وَأَبِي لَهَبٍ، فالكل عندهم صادر عن
الجبلة والعادة والطبيعة البشرية. وما هكذا يفهم الإسلام.
(1/75) - صَلََّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتناوله، فيضع فَاهُ على موضع فَمِهَا حين
شربت، فيشرب من مكان شُرْبِهَا وتنهش من قطعة اللحم، وهي حائض، فيتناولها
منها، وينهش من المكان الذي نهشت منه، ويضع فمه على موضع فمها، ويتكئ في
حجرها، وهي حائض، فيقرأ القرآن (87).
(1/76) فكان -
صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتجوز من اللباس والبسطة ويتوسع في
اللباس فلا يضيق، ولا يقتصر على صنف بعينه، فلبس الثياب السود والخضر
والبيض والحمر وذات الخطوط وذات الأعلام والسادة، وقال: «كُلُوا
وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ
مَخِيلَةٍ» (93).
(1/77) فقد كلف
الحالف وألزم بأحد أمور ثلاثة، هو مختار بينها، يباح له أن يقوم بأي
منها.
(1/78) ويقول:
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا} (98).
(1/79) قال
الحافظ ابن حجر: «وَالاسْتِدْلاَلُ بِهَذَا لِلْحِلِّ إِنَّمَا يَتِمُّ
فِيمَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (106).
(1/80)
مِصْدَاقًا لِقَوْلِهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ
هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ [لَهُ] عِنْدَهُ
حَسَنَةً كَامِلَةً» (109).
(1/81) الاشتغال
به في ذاته انصراف عن الحرام، ولو كان الدافع إليه قضاء المتعة واللذة
والشهوة البشرية.
(1/82) فريق يفرط
في بعض أقوال الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويخرجها من
التشريع نِهَائِيًا، ويعتبرها وليدة الطبيعة والجبلة والعادة المحضة، ولا
علاقة لها بالرسالة، ويستوي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - في فعلها بأي رجل ولو كان كافرًا، فهي لا تخضع لوحي، ولا
يحرسها وحي، ولا يؤخذ منها حكم شرعي.
(1/83) للصلاة،
أفلا يشرع على لسان نَبِيِّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعق
الأصابع؟ أليس لعق الأصابع في هذه الحالة أرقى عمل إنساني يحصل أكبر قدر
ممكن من النظافة؟.
(1/84) بِنِطَعٍ
- بِسَاطٌ مِنْ جِلْدٍ -، فَبَسَطَهُ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ
أَزْوَادِهِمْ. قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ.
قَالَ: وَيَجِيءُ الآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ. قَالَ: وَيَجِيءُ الآخَرُ
بِكَسْرَةٍ ... قَالَ: وَجَاءَ ذُو النَّوَاةِ بِنَوَاهُ. قِيلَ لَهُ:
وَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ بِالنَّوَى؟ قَالَ: كَانُوا يَمُصُّونَهُ
وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ... » (120).
(1/85) الصلصة،
وَالْتَفَّ المَدْعُوُّونَ حولها، وَسُلِّمَتْ لي ملعقة على مَضَضٍ من
الدَّاعِي، وبدأنا نأكل، من حولي يأخذ القبضة من الأرز تعدل ملعقتين، يظل
يقبضها ويبسطها حتى يعجنها، ثم يغمس قبضته بما فيها في طبق الصلصة، ثم
يلقيها في فمه، مُبَلِّلاً شعر لحيته الطويلة، وَأَغْمَضْتُ عَيْنَيَّ
عَنْهُمْ إِذْ أَحْسَسْتُ بالغثيان، لكنهم بدأوا يقطعون اللحم بهذه
الأيدي وَيُقَدِّمُونَهَا لي لآكُلَهَا، وبكل إصرارٍ اضطررتُ لوضع قطعة
في فمي، وكأني أدخل أصابعهم، وليس قطعة اللحم، وَتَحَرَّكَتْ أَمعائي،
وتمالكت نفسي وأمسكت التقلب في معدتي حتى وصلت بيتي، فأفرغت ما فيها
ولازمتُ الفراش أَيَّامًا يعلم الله آثارها على مستقبل حياتي
الصِحِيَّةِ.
(1/86) هَذَا مَا
يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ؟ وَرَأَى رَجُلاً آخَرَ وَعَلْيِهِ ثِيَابٌ
وَسِخَةٌ، فَقَالَ أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ
ثَوْبَهُ» (130).
(1/87)
|
|