السنة والتشريع موسى شاهين لاشين
الكتاب: السنة والتشريع ـ[السنة
والتشريع]ـ
(/) بسم الله
الرحمن الرحيم
(1/3) في
السُنَّة بغير علم قد رضع لبناً غير ألبانها، وفطم عن ثدي غير ثدي أمها،
سواء أدرك ذلك أم لم يدرك، وسواء استهدف مطعماً دنيوياً من منصب أو جاه
أو شهرة أم لم يستهدف.
(1/4) الأحكام
منها، وهم يفتقدون وسائل الفهم الصحيح المبني على قواعد الشريعة وأصولها.
(1/5) " لا.
أبداً». قلتُ: " فإنَّ طب الروح والدين لا يقل عن الجسد. فحق الفتوى في
الدين لعلماء أفنوا حياتهم في علومه وفي دراسة دقائقه وأسراره.
(1/6) وأصبح
التفسير وعلوم القرآن قسماً يتخصَّصُ فيه طالب غير الطالب الذي يتخصَّصُ
في قسم الحديث وعلومه، وأصبحنا في كل تخصُّص نقرأ كتب الأوائل ونحاول
استيعابها. وهيهات ... وإنما يعرف الفضل من الناس ذوُوهُ.
(1/7) فيه، فكان
يتحرَّى أنْ ينيخ ناقته في المكان الذي أناخ فيه رسول الله - صَلََّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناقته.
(1/8) 7 - وعلم
شرح الحديث تحليلياً أو موضوعياً ويهتم بشرح المفردات واستنباط الأحكام،
أو بجمع أحاديث الموضوع الواحد وشرحها.
(1/9) الشعبة
(أبو رية) في كتابه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فيتَّهمه
بالكذب والاختلاق والافتراء على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وأبو هريرة أكثر الصحابة رواية عن رسول الله - صَلََّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو ثاني المكثرين من الصحابة، وهو من أوثق
المُحدِّثين عند أهل الحديث، فطعنه وإصابته في المقتل طعن لمن هو مثله أو
دونه.
(1/10) بعنوان: "
لا تصدّقوا ما في البخاري من أكاذيب الإسراء والمعراج " يستبعد أو يكذب
ما جاء بشأن (البراق)، وصلاة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بالأنبياء، وعروجه إلى السماء، وتردُّده بين موسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ
- وبين ربه، ويبني تكذيبه على الاستبعاد العقلي. وهذا القول منشور في
كتاب من كتبه.
(1/11) الرسول -
صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولو أدى إلى حكم غير الحكم الذي حكم
به.
(1/12) فالباحث
لا يعتدُّ في المعاملات إلاَّ بالقرآن الكريم، ولا يعتدُّ بالأحاديث
النبوية فيها، ويكثر من التصريح بذلك، وبدون أدنى غموض، فهو يقول في صفحة
«35»: «إنَّ المكلفين يعرفون مصالحهم ويدبِّرونها فيما لم يأت به دليل
خاص من الكتاب، وهم أعلم بشؤون دنياهم».
(1/13) الخامسة:
يُقَرِّرُ عدم وجوب اتباع الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
في المعاملات، لأنه قد يخطئ فيقول في صفحة «72»: «إنَّ الرسول قد يرى
الرأي في أمور الدنيا والأمر بخلافه، فلا يجب اتباعه».
(1/14) - صَلََّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السطر الواحد، ولا تكاد تجد كتاب حديث
أغفل الصلاة على النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرة، وكيف
يغفلها الكاتب وهو يحصل لنفسه بكتابتها عشر صلوات من الله، والصلاة من
الله رحمة، ويحصل لنفسه أيضاً بقراءة القارئ لها عشر رحمات أخرى؟
(1/15) نحن لا
نُشكِّكُ في إيمان الباحث ولا في حُبِّهِ وتقديسه للنبي - صَلََّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا نظنه قصد ترك الصلاة والتسليم للتقليل من
قدسية أوامره - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والاسترخاء في طاعته
والاقتداء به، ولكن خطورة البحث وما يدعو إليه يجعل هذا السلوك محل نظر
وتعقيب، ويجعل اعتذاره عن ذلك بأي عذر اعتذاراً غير مقبول.
(1/16)
الشبهات:
(1/17) اجتهاد
الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(1/18) ينبغي.
كما في قوله تعالى عن أسارى بدر: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ
أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا
وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1).
(1/19) وأنَّ
اجتهاد محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ وافق حُكم الله
فهو حُكم الله على لسان نبيه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنْ
لم يوافق حُكم الله عدله إلى حكمه - جَلَّ شَأْنُهُ -. وإذن تصبح الأحكام
الدينية التي حكم بها محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحكام
الله في النهاية. وقبل لقائه الرفيق الأعلى - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
(1/20) المسلمين،
حتى يشمل الضعفاء والمرضى والأطفال والنساء، وإنما كان المقصود خصوص
المقاتلين الذين عادوا من غزو الخندق.
(1/21) على الحكم
ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ومصالح كلها، وحكمة
كلها.
(1/22) هل حديث:
«أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، السَّمَكُ وَالْجَرَادُ
وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ»، وحديث: «أُكِلَ الضَّبُّ عَلَى مِائِدَةِ
رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» سُنَّة غير تشريعة؟
(1/23) وإن قصدوا
ما هو مطلوب على وجه الوجوب أو الندب، وما هو منهي عنه على وجه الحرمة أو
الكراهة فهو غير مُسَلَّم. ومثل ذلك يقال في النوم واللبس وكل ما هو خاص
بالحاجة والطبيعة البشرية كما يقولون، حتى قضاء الشهوة مع الزوجة له
قواعده وأصوله وحدوده المشروعة.
(1/24) أُحِلْنَا
بتمامها على القياس، وهو إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه لجامع بينهما».
(1/25) وهو -
صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمر أبا هريرة أن يُبَشِّرَ الناس
أنَّ مَنْ قال: لا إله إلاَّ الله دخل الجنة، فيقول له عمر: لا. يا رسول
الله. إذن يتَّكِلُوا. فلا يُبَشِّر أبو هريرة فيقول - صَلََّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا يبشر.
(1/26) ليقول:
إنَّ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجتهد، وكان يراعي
مصلحة قومه، وكان يخطئ ويرُدُّهُ أصحابُهُ، فحكمُهُ في المعاملات والبيع
والشراء والقراض وغيرهما غير ملزم، إذْ لم يكن عن وحي، ولم يكن يسانده
وحي، فلنا أنْ نُراعي مصلحة شعبنا وأُمَّتِنا فنجتهد كما اجتهد، ونُراعِي
مصلحة أُمَّتِنَا كما راعى مصلحة شعبه، ولو أدَّى ذلك إلى اتخاذ قرار غير
قراره وحُكم غير حُكُمِهِ.
(1/27)
المعاملات
حلال وحرام وتشريع من لله:
(1/28) أنا لا
أفهم المعاملات إلاَّ أنها تحليل أو تحريم، واجبة أو مندوبة أو مباحة، أو
مُحرَّمة أو مكروهة، ولها أو عليها ثواب أو عقاب حتى معاملة الرجل لزوجه
وقضاء مأربه منها يحكمها الحلال والحرام: «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ
صَدَقَةٌ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، يَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ
وَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟». الحديث أخرجه مسلم في كتاب الزكاة.
(1/29) يخرج -
صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويقول: «أَيْنَ الْمُتَأَلِّى عَلَى
اللَّهِ ألاَّ يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟». فيقول الدائن: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَنَا فَلَهُ أَىُّ ذَلِكَ أَحَبَّ (1).
(1/30) بعد ذلك:
إنَّ المعاملات لا شأن لها بالوحي مباشراً أو سُكوتياً أو إقرارياً؟
(1/31) دِينِكُمْ
فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ فَإِنَّمَا
أَنَا بَشَرٌ».
(1/32) المكروه،
ومنها المندوب، ومنها المباح، فبعض المأكولات محرَّمٌ، وبعض المشروبات
محرَّمٌ، والنوم قد يكون ممنوعاً شرعاً، كالنوم عن الصلاة، أو نوم السائق
الذي يعرِّضُ حياته وحياة الراكبين معه للخطر، والفراش واللباس قد يكون
مُحرّماً لاستعمال الأقمشة المُحرَّمة فيه.
(1/33) بشؤون
دنياه في الأمور المباحة، له أنْ يشتري سيارة أو أنْ يشتري بيتاً، وله أن
يبيع حديقة أو أنْ يبيع عمارة من ملكه ما دام ذلك مباحاً شرعاً.
(1/34) الرسول -
صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا من مؤهلاته أنْ يكون ماهراً
فيها، ولا خبيراً بدقائقها، ولا يضيره أنه ليس عالماً بالذرةولا بطبقات
الأرض، ولا بتفاعل الكيمياويات، ولا ينقل الصور والأصوات عبر الآلات،
ومثل ذلك أمور الطب وفنون الحرب.
(1/35) فَمَنْ
شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي
إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} (1) فالخطاب هنا لجنود طالوت
لا يتعداهم إلى غيرهم. وقد يراد بالتكليف غيرهم معهم، كقوله تعالى:
(1/36) بشؤون
دنياكم هذه التي تباشرونها، والتي لم تنجح فيها مشورتي، أعلم مني ومن
مثلي، فالحديث على هذا واقعة عين أو واقعة حال، لا يستدل بها على غيرها
أصلاً.
(1/37) غيركم
والكلام على قاعدة: مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أحاداً، تقول:
أعطيت الطلاب كتباً على معنى أعطيت كل طالب كتاباً، فيصبح المعنى كل واحد
أعلم من غيره بشؤون ومصالح نفسه، وهذا الاحتمال إنْ صحَّ في المباحات لا
يصح في الواجبات والمُحرَّمات، فالشرع وحده هو الذي حدَّدها على أنها
المصلحة، بناء على سبق علم الله الذي خلق ثم إنَّ هذا الاحتمال لا يتناسب
مع قصة الحديث.
(1/38) وحدَّدَ
فيها: كتابة الدين، ومواصفات الكاتب وواجباته، وحق الدَيْنِ في الإملاء،
وإملاء وليِّهِ في حالة عدم صلاحيته، وصفات الشهود، وشروطهم، وواجباتهم،
وقال: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} (1) ليس من المعقول أنَّ الله
الذي اهتم بالدَّيْنِ هذا الاهتمام يترك البيع والشراء وتفصيل الربا
والرهن والشركة وغيرها من المعاملات دون تشريع.
(1/39) الثانية:
أن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدخل في المفضّل عليه
«أَعْلَمُ» دخولاً أولياً، أي أنتم أعلم مني.
(1/40) ولا: لِمَ
تختارون وقت كذا الزراعة كذا؟ ولا شيئاً من ذلك لأنه قال لهم عنه:
«أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِشُؤُونِ دُنْيَاكُمْ».
(1/41) فماذا فهم
الصحابة من حديث «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِشُؤُونِ دُنْيَاكُمْ»؟
(1/42) وإذا
اجتمعت الأُمَّة في عصورها المختلفة أربعة عشر قرناً على أنَّ المعاملات
لا تدخل في هذا الحديث.
(1/43) «إِذَا
قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا
الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ
ذَبِيحَتَهُ» (1).
(1/44) يسلم به:
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (1).
(1/45) شيصاً
جعلها غير مطمع، وصرف الله بذلك هجوم الكافرين حتى يستعدَّ المؤمنون؟
(1/46) - صَلََّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يرد إلينا ردة أحد بسببها، بل لم يرد
عتاب أحد منهم لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها
رغم خسارتها، مما يشهد لهم بالإيمان الصادق المتين. والله أعلم بحكمته.
(1/47) والنتيجة
لكل ذلك ما صرَّحَ به صفحة «46» بقوله: «فما دام الرسول كان يجتهد، وعلم
ذلك منه الصحابة، وكانوا يراجعونه أحياناً، ويُبدون رأياً آخر، وكان -
عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - يتقبَّلُ بصدر رحب هذا الرأي الآخر،
ويأخذ به، وما دام اجتهاده كان قائماً على القواعد الموجودة حتى الآن،
وهادفاً إلى تحقيق المصلحة التي يراها في واقع الناس حوله. وما دام هذا
الاجتهاد قد شمل الكثير من أنواع المعاملات في زمنه على ضوء الظروف التي
كانت سائدة في أيامه. أفلا يجوز لمن يأتي بعده من أيام الصحابة وحتى الآن
أنْ يُدْلي في الموضوع باجتهاده أيضا؟ ولو أدَّى اجتهاده إلى غير ما
قرَّر الرسول باجتهاده؟».
(1/48) 4 - وذكر
منه حديث أنَّ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أبا
هريرة أنْ يُبَشِّرَ الناسَ أنَّ من قال لا إله إلاَّ الله دخل الجنة،
فقابله عمر فمنعه من التبشير وطلب من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ألاَّ يفعل فقبل رأي عمر.
(1/49) ووحي في
الحقيقة لكنا نقول: ليكن اجتهاداً منه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حين أمر بالتبشير، وحين أمر بكسر القدور، وحين نهى عن قطع
شجرالحرم، لكن ما المانع:
(1/50) لم يكن لي
أنْ أهيجه ولا أحركه حتى أتى بأربعة شهداء؟ فوالله إني لا آتي بهم حتى
يقضي حاجته.
(1/51) كان
باجتهاد، أين شرع الله في قطع شجر الحرم؟ وفي غسل القدور؟ ما حكم من يقطع
شجر الحرم؟ وما حكم من يأكل في هذه القدور بعد غسلها؟ لا يملك الباحث
إلاَّ أنْ يقول: قطع شجر الحرم حرام إلاَّ الإذخر، ويُعذَبُ فاعله بالنار
يوم القيامة، الأكل في القدور بعد غسلها حلال، لا يأثم الآكل ولا يعاقب
يوم القيامة.
(1/52) من
الأحاديث التي وردت في شؤون الطب إنما هي من الأمور الدنيوية العلمية
التي لم يبعث الرسول لبيانها وتبلغيها للناس، وإنما كانت مجرد معارف
دنيوية متناقلة، إما عن تجربة لهم، وإما عن أقوال عرفوها عمَّن قيل عنهم
في ذلك الزمن: إنهم أطباء ... وليس شيء من ذلك عن وحي من الله».
(1/53) الرسول -
صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمر أمَّتَهُ بغمسها كلها؟ وقد
أمرهم أن يطيعوه، وقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ
اللَّهَ}؟ (1).
(1/54) دفعه،
والأمر بالغمس أمر إرشاد، كقولنا: إذا أعجبك الطعام فَكُلْ، أمر يَكِلُ
للمأمور حريته واختياره، لا أمر إيجاب يأثم تاركه، إذْ لم يقل بذلك أحد.
(1/55) بالسعودية
دُعِيتُ إلى عشاء في حفل كبير مع بعض القوم، فلم أجد أمامي سوى كومة من
الجراد المسلوق، فلم أستطع أنْ أمدَّ يدي، بل لم أستطع الإمساك بأمعائي
التي ثارت ونفرت، والقوم يلتهمون بشغف وحماس، فقيل لي: ألم يقل رسول الله
- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ
وَدَمَانِ: السَمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبْدُ وَالطِّحَالُ» (1)؟ قلتُ:
بلى. ولكنه ليس بأرض قومي فنفسي تعافه.
(1/56) فما أكثر
ما نأكل من الأطعمة التي وقف عليها كل يوم من حيث لا ندري، أو من حيث
ندري ونكتفي بطرده، فالتأفف والتقزُّزُ أو القبول يرتبط بالعادة والإلف.
(1/57) إنَّ الذي
شرع لنا واباح شرب ما وقعت فيه الذبابة هو خالقنا وخالق الذبابة، وقد
جنَّدَ في أجسامنا جيشاً بل جيوشاً من جنوده لمقاومة ما خلق من حولنا من
جراثيم، ليس لمقاومة جراثيم الذباب فحسب، بل لمقاومة ملايين الجراثيم
التي تدخل الجسم يومياً عن طريق المأكولات والمشروبات والملموسات، وحتى
عن طريق الهوء الذي نعيش فيه.
(1/58) كذبه
واختلاقه على الله؛ لأنَّ الصحابة والأمَّة في أربعة عشر قرناً تحمله على
أنه من الله. وحاشاهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يكذب على
الله.
(1/59) نعم لم
يَرُدَّ الباحث الحديث، ولم يقبل ردًَّهُ عن طريق الشك في الإسناد، بل
نزَّهَ الرُواة عن الخطأ، ولم يقبل أنْ يُؤَوَّلَ الحديث ويوجِّهه ببعض
التوجيهات التي وجهه بها بعض العلماء، ولم يقبل أنْ يجعل الحديث من
التشابه الذي لم يصل إليه علمه فيتوقَّف، ما دام الرسول - صَلََّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد نطق به.
(1/60) يعملوا
به، وقصده من ذلك أنَّ له سوابق في مخالفة الرسول - صَلََّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وردَّ أحاديثه، فإذا ردَّ على حديث أو لم يعمل به
ردَّ الباحث أحاديث المعاملات ولم يعمل بها. وقد ذكر الباحث ثلاث حوادث.
(1/61) المساجد
مُرَخِّصاً به إلى اليوم بشرط إِذْنِ الزوج والأمن من الفتنة والالتزام
بحدود الشريعة، وكان بعض الصحابة يأذنون لأزواجهم بالخروج إلى المساجد،
وبعضهم لا يأذنون، كل يقدِّرُ الظروف والأخطار، وقد فهموا أنَّ الأمر
لرفع الحظر والإرشاد وليس للوجوب، فالذي يأذن بشروطه لا يكون مخالفاً،
والذي لا يأذن لفقد الشروط لا يكون مخالفاً.
(1/62) وسئل عن
الإبل الضالة يجدها المسلم. أيلتقطها أم يتركها؟ وكانت الإبل في تلك
الأيام آمنة مأمونة، لا يقدر عليها الذئب، وهي قادرة على المشي الطويل
دون تعب، فقد وهبها الله خُفاً لا يغوص في الرمال، حتى سميت سفينة
الصحراء، وهي صابرة على العطش حتى تجد الماء، وهي ترعى العشب الصغير
وفروع الشجر العالي، والناس أمناء، لا يمد أحدهم يده على مال غيره، أمام
هذه الظروف قال له: «دَعْهَا؛ فَإِنَّ مَعَهَا وَحِذَاءَهَا
وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا
صَاحِبها».
(1/63) وعمر،
فلما كان عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - تغيَّر حال المدينة، والباحث
نفسه يعترف بذلك فيقول صفحة «50»: «حتى جاء عهد عثمان - رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ - وحال المدينة والصحراء حولها والطرق إليها قد تغيَّرت، ولم تعد
شبه منعزلة، وتغيَّر حال الأمن الذي كان من قبل، بوجود الأغراب النازحين
القادمين للمدينة الذين يجوبون الصحراء منها وإليها، حينئذ رأى عثمان
تغيُّرَ الحال، وأنَّ الجِمالَ التي كانت آمنة من قبل، وترعى الصحراء
أصبحت معرَّضة للخطر، يمكن لأي غريب راجع لبلده من المدينة مثلاً أنْ
يسُوقها أمامه، ويبيعها في بلد آخر، في الشام أو العراق أو مصر، ولذلك
رأى الخليفة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ووافقه عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ - التقطها حفظاً لها ولمال صاحبها».
(1/64) الحادثة
الثالثة شبيهة بالثانية: إلى حد كبير، وهي تضمين الصناع، على معنى أنَّ
الصانع الذي يأخذ القماش مثلاً لتصنيعه إذا تلف عنده، هل يضمن؟ أو لا
يضمن؟
(1/65) الصنف
الخامس: ادعاؤه أنَّ التابعين خالفوا حديث الرسول - صَلََّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعملوا باجتهادهم في التسعير.
(1/66) لأقوال
الصحابة والتابعين والأئمة ومن جاء بعدهم من فقهاء المذاهب».
(1/67) مخالف لما
حكم به محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتنازل الله عن حكمه
الذي يرضاه وأقرَّ حكم محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا
غير معقول ولا مقبول عند المسلمين.
(1/68) مراجعة
وشكوى انتهت بجواز المناجاة بدون صدقة، ومراجعة وشكوى انتهت بجواز بيع
العرايا، والمهم كما قلنا ونقول: أين شرع الله في بيع العرايا؟
(1/69) باجتهاده
أيضاً؟ ولو أدى اجتهاده إلى غير ما قرَّرَهُ الرسول باجتهاده؟».
(1/70) العشاء،
وليس للمسلمين أن يأكلوا أو يباشروا ما بين العشاء والفجر، فكانت فترة
الفطور المباحة قصيرة، من المغرب حتى العشاء، وكان في ذلك حرج شديد وشكوى
وتململ، فأنزل الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ
الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ
لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ
فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا
مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ
ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1).
(1/71) أعجب لذلك
ويعجب المسلمون، لفرق بديهي، هو أنَّ جبريل كان ينزل بعد اجتهاد محمد -
صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلو لم يكن ما قرَّرهُ محمد -
صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكم الله لَعَدَّلَهُ، فحيث لم
يُعَدِّلْهُ أصبح اجتهاده تشريعاً من الله، ثم إنَّ الله تعالى أمرنا
بطاعة محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والأخذ عنه: {وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1).
(1/72) إلى أنَّ
الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن محروساً بوحي في
المعاملات، لا بوحي مباشر، ولا بوحي سكوتي، ولا بوحي إقراري، كما ذكر ذلك
في كتابه في صفحة «26» وهذه هي السقطة التي يُرَدِّدُها المُبَشِّرُون
والمستشرقون وأعداء الإسلام.
(1/73) إِلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا
أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»
(1).
(1/74) طبع
بمطابع روز اليوسف
(1/79)
|
|