السنة ومكانتها من التشريع لعبد الحليم محمود
الكتاب: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي السنة
ومكانتها في التشريع الإسلامي
(1/1) السُنَّة
ومكانتها في التشريع الإسلامي
(1/2) من مراجع
الكتاب:
(1/3)
مُقَدِّمَةٌ:
(1/5) تقدير
الكتاب في صورة أعمق: حيث عرفوا الظروف والملابسات، ولأن ذلك يقرِّبُهُم
من جو الكاتب النفسي، ويدخلهم، نوعاً ما، في محيطه الخاص، فتكون بينهم
وبينه - على البعد - بعض أسباب الألفة. ومن أجل توضيح ذلك أكتب هذه
المقدمة:
(1/6) «إنَّمَا
أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ».
(1/7) وكانوا
صادقين، لقد كان الصدق دينهم وفطرتهم. وكانوا صابرين على الحياة، وصابرين
على العمل: لقد أقاموا نهارهم، وأسهروا ليلهم عملاً على مرضاة الله
ورسوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(1/8) لقد ربت
السُنَّة رجالاً، وخصائصها التي ربت بها الرجال موجودة فيها، لأنها من
طبيعتها ومن ذاتها. ولقد شاهدت الإنسانية واعترفت بسمو هؤلاء الرجال،
وأولتهم ثقتها وتقديرها.
(1/9) النظم
التي ينبغي أنْ تسود المجتمع الإنساني، وعن الأوضاع التي يجب أنْ تستقيم.
(1/10) لقد أحب
الله للإنسانية مثالاً أخلاقياً كريماً رسمه سبحانه في القرآن الكريم
قولاً، فكان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصورة
التطبيقية الكاملة للرسم الإلهي، وكان بذلك الإنسان الكامل.
(1/11) الفَصْلُ
الأَوَّلُ: الرَّسُولُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّتُهُ
الشَّرِيفَةُ:
(1/13) يحاول
سيدنا عيسى أن يُبشِّر بدعوته خارج فلسطين، ولم يحاول أنْ يجاهد من
أجلها.
(1/14) الخلق
الكريم في حده الأدنى، ثم لا يقتصر على ذلك، إنما يرسم القمم من مكارم
الأخلاق، ويوجِّهُ إلى السنام منها، ويقود إلى المشارف العليا من درجات
المقرَّبين.
(1/15) وجد بعد،
وكانت بذلك مكارم الأخلاق ناقصة، كان ينقصها أكمل صفة لمكارم الأخلاق وهي
إسلام الوجه لله إسلاماً تاماً. إنَّ الكائنات لم تكن قد وصلت - لا في
نبي مرسل، ولا في ملك مقرب - إلى الذروة من إسلام الوجه لله، والذروة من
إسلام الوجه لله، أو أول المسلمين - والتعبيران سواء - إنما هو الذروة من
مكارم الأخلاق.
(1/16) {وَمَنْ
يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (1).
(1/17) من مكانة
الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند ربه:
(1/18) وعلى نور
من ربه، ولذلك فإنَّ: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}
(1).
(1/19) سننه -
صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ - التي سنَّها، لينال الإنسان بها
محبَّةَ الله، سبحانه.
(1/20) فتقولوا:
يا محمد، ولا بكنيته فتقولوا: يا أبا القاسم، بل نادوه وخاطبوه بالتعظيم
والتكريم، والتوقير بأنْ تقولوا: يا رسول الله، يا نبي الله، يا إمام
المرسلين، يا رسول رب العالمين، يا خاتم النبيِّين وغير ذلك ...
(1/21) {إِنَّ
الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ
الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ
وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} (1).
(1/22) فتداركوه
حتى يتوب الله عليكم، وأثبتوا حسن نيَّتكم، وصفاء سريرتكم، بأنْ تقيموا
الصلاة على الوجه الأكمل، وتؤتوا الزكاة طيبة بها نفوسكم، وتطيعوا الله
ورسوله في الصغير والكبير، وما من ريب في أنَّ الله، سبحانه: خبير بكل ما
تعملون.
(1/23) قَضَى
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ
أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً
مُبِينًا} (1).
(1/24) ويجعل
بيعته - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ - بيعة لله، فيقول سبحانه:
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ
اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى
نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ
أَجْرًا عَظِيمًا} (1).
(1/25) «تَرَكْتُ
فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ
اللهِ وَسُنَّتِي».
(1/26) للإسلام
باعتباره تشريعًا، والمصدر الثاني للإسلام باعتباره أخلاقًا.
(1/27) والرسول -
صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبين للناس ما نزل إليهم بسلوكه،
وبقوله، وبإقراراته، يقول - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ -:
«مَا تَرَكْتُ شَيْئاً مِمَّا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ إِلاَّ وَقَدْ
أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئًا - مِمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ
عَنْهُ - إِلاَّ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ».
(1/28) ويبين
رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مناسك الحج: أركانه،
وواجباته، وَسُنَّتَهُ. يقول: «خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ».
(1/29) مَكَانَةُ
السُنَّةِ مِنَ التَشْرِيعِ:
(1/30) فجعل
سيدنا عمر السُنَّةَ مصدرًا من مصادر التشريع.
(1/31) عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَأَخْبَرَهُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ -
صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّاعُونِ وَأَنَّهُ قَالَ:
«إِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا
مِنْهُ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ».
(1/32) بِهِ،
أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لاَ [نَدْرِي]، مَا وَجَدْنَا فِي
كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ».
(1/33) «يَا
أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ».
فَقَالَ: «وَمَا لِي لا َأَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ» فَقَالَتْ
المَرْأَةُ: «لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيْ المُصْحَفِ، فَمَا
وَجَدْتُهُ»، فقال: «لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ،
أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ
عَنْهُ فَانْتَهُوا}؟ (1) قَالَتْ: «بَلَى»، قَالَ: «فَإِنَّهُ قَدْ
نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
(1/34) الفَصْلُ
الثَّانِي: تَدْوِينُ السُنَّةِ:
(1/35) النبوي،
حينما يتلونهما، في أول العهد بالإسلام، ممتزجين لا تمييز بينهما.
(1/36)
تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ
يَعْدِلُونَ.
(1/37) {نَزَلَ
بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ،
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (1). ليست بحاجة إلى شرح أو تفسير.
(1/38) المكية:
موضوعات غيبية، والموضوعات الغيبية دقيقة وغاية في الدقة، فهل إذا تحدث
الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(1/39) لقد بدأ
التشريع الإلهي ينظم حياة الفرد: عبادة ومعاملة: حياته مع نفسه، وحياته
مع أُمَّتِهِ، وحياته مع الله تعالى.
(1/40)
والجاهلية، وبين توجيه الوجه للذي فطر السموات والأرض وتوجيهه للأصنام أو
الشهوات أو اللهو، ولم يكن هناك من خوف على خلط أسلوب القرآن الكريم
بغيره.
(1/41) بِقَتِيلٍ
مِنْهُمْ قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ، فَقَالَ: «إِنَّ
اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ القَتْلَ، أَوِ الفِيلَ» - شَكَّ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالمُؤْمِنِينَ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ
لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ بَعْدِي، أَلاَ وَإِنَّهَا
حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلاَ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ
حَرَامٌ، لاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ
تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ، فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ
بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ
أَهْلُ القَتِيلِ ". فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ فَقَالَ:
اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «اكْتُبُوا لأَبِي فُلاَنٍ».
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: إِلاَّ الإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلاَّ الإِذْخِرَ، إِلاَّ
الإِذْخِرَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يُقَالُ: يُقَادُ، بِالقَافِ.
(1/42) :
سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ
مِنِّي، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ
كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ» تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ (*).
(1/43) مِنْكَ
أَشْيَاءَ أَفَنَكْتُبُهَا؟ قَالَ: «اكْتُبُوا وَلاَ حَرَجَ» (*).
(1/44) فَقُلْتُ
لَهَا: «أَسْمَعُهُ مِنْكِ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْمَعُهُ
عَلَى غَيْرِهِ».
(1/45) وكان يقول
- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لِبَنِيهِ: «يَا بَنِيَّ قَيِّدُوا الْعِلْمَ
بِالْكِتَابِ» (*).
(1/46) بعد أن
أخذ الكبار يتناقصون يَوْماً بعد يوم، فاجتهد صغار الصحابة بجمع الحديث
من كبارهم فكانوا يأخذونه عنهم، كما كان يرحل بعضهم إلى بعض من أجل طلب
الحديث.
(1/47) مِنْ
أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى
اللَّطْمَةُ "، قُلْنَا: " كَيْفَ؟ وَإِنَّمَا نَأْتِيَ اللهَ عُرَاةً
غُرْلاً بُهْمَا؟ " قَالَ: " بِالحَسَنَاتِ وَالسَيِِّئَاتِ».
(1/48) الرسول -
صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي عهد الصحابة الأَجِلاَّءِ.
(1/49) وخاف
دَرْسَ العلم وعفاءه، وقد ذكر هذا في تعليقات " البخاري "، و " الموطأ "
لمالك، و " المسند " للدارمي. فقام بذك أبو بكر بن حزم، وكتبت الأحاديث
والأخبار والسنن في القراطيس، وأرسلت إلى دار الخلافة بدمشق، ونسخت في
الصحف والكتب، وبعث بها إلى البلاد الإسلامية وكبريات المدن يومئذٍ (1).
(1/50) وجاءه قوم
من أهل الطائف بكراسة منها لِيَرْوُوهَا عنه (1).
(1/51) وذكر ابن
حجر في كتابه " فتح الباري ": أن أبا هريرة جاء برجل إلى بيته وأراه
أوراقًا وقال: هذه رواياتي. وقال الذي روى ذلك: «إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ
مَكْتُوبَةً بِيَدِهِ» (1).
(1/52) ما أسمعه
في الليل من عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس، فإذا أصبحت كتبته
واضحًا» (1).
(1/53) فكتب إليه
يقول: «كان يقرأ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1]» (1).
(1/54) من دية
زوجها قام الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ فقال: «نعم عندنا كتاب من رَسُولِ
اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبين فيه ذلك» (1).
(1/55) أخر
الصحابة موتًا ---------------------- المدن التي توفوا فيها -----------
سَنَة الوفاة.
(1/56) جمعت
السُنَّةُ إذن - جميعها تقريبًا - في عهد الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعهد الصحابة.
(1/57) وأحسنهم
حالاً من يرى أنه قد كتب ودوّن في القرن الثاني.
(1/58) العامة -
إن الذي يكون هذا العدد الضخم هو كثرة المتابعات والشواهد التي عني بها
المحدثون.
(1/59) وابن
إسحاق - مات عام 151 هـ.
(1/60) الفَصْلُ
الثَّالِثُ: المُحَدِّثُونَ فِي جِهَادِهِمْ:
(1/61) 3 - وبعض
الناس دخل في الإسلام كرهًا للإسلام: دخله ليتآمر عليه، دخله ليكون في
ظروف أكثر ملاءمة للتآمر عليه: فكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إفسادًا للمبادئ الإسلامية الصحيحة، وتزييفًا لها.
(1/62) ولقد
استعانوا في سبيل المعرفة الصحيحة باللغة، وبالحوادث اليقينية المتواترة،
وبالشهود العدول، وبالمقارنات.
(1/63) يتعلق
بأمر صحة ما روي - ولقد قدمنا: أن الوضع وجد بالفعل - ولكننا نذكرها في
مقابلة ما يحاول بعض الناس التهويل به من أمر التزييف والوضع.
(1/64) المحدثين
من التجول في البلاد، والسفر في العالم الإسلامي، من أقصاه إلى أقصاه.
(1/65) الخارجي،
بل لقد استعملوا ما يمكن أن نسميه المشاركة الوجدانية، أو بعبارة أدق،
استرواح رائحة النبوة، أو استلهام طابع رسول الله - صَلََّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في الحديث، أو استبصار القلب، وإلهام الروح،
وإشراق البصيرة، في المعرفة:
(1/66) عَنْهُ
وَيَدْعُو إِلَيْهِ، وَيُحِبُّهُ وَيَكْرَهُهُ، وَيُشَرِّعُهُ
لِلأُمَّةِ، بحيث كَأَنَّهُ مُخَالِطٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَاحِدٍ مِنَ أَصَحَابِهِ.
(1/67) ذلك - كما
يقول الأستاذ الجليل أبو الحسن الندوي - إلى الوسائط التي وقعت في رواية
الحديث، وهم الرواة الذين رووا هذه الأحاديث ز
(1/68) بل
التزموا الصدق والصراحة في تعريفهم، وجمعوا كل ما يتصل بأخلاقهم
وعاداتهم، وما يدل على قوتهم وضعفهم واحتياطهم وتساهلهم، وتقواهم وعلمهم
وذاكرتهم، وجمعوا كل ما قاله معاصروهم فيهم، ولم يداروا ولم يجاملوا في
ذلك، ولم يهابوا أحدًا، ولو كان بعضهم أميرًا مهابًا أو شيخًا وقورًا.
(1/69) وما من شك
في أن سلفنا الصالح بدأ بالاهتمام بالإسناد:
(1/70) علما يقول
عنه المستشرق الألماني «اسبرنجر» في تصديره لكتاب " الإصابة " لابن حجر
حينما كان في كلكتا 1853 - 1864: الكلمة التي سبق أن ذكرناها، والتي تعبر
عن الحقيقة الواقعة.
(1/71) في
أنفسهم، علماء بدينهم، أهل ورع وتقوى وحفظ للحديث وإتقان به وتثبت فيه.
(1/72) ومنهم
الصدوق في روايته، الورع في دينه، [الثبت] الذي يهم أحيانًا وقد قبله
الجهابذة النقاد - فهذا يحتج بحديثه أيضًا.
(1/73) أجل
وظيفته هذه كان ابنه - إذا روى عنه - يقرن معه آخر.
(1/74) لا يستقل
وحده بحمل هذا العبء، وأن تبعته لا تعدو النقل الأمين لما سمعه عن شيخ
ثقة ثبت.
(1/75)
أَتَّهِمُهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَىَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَصَاحِبُ هَوَىً يَدْعُو النَّاسَ إِلَىَ
هَوَاهُ، وَشَيْخٌ لَهُ فَضْلٌ وَعِبَادَةٌ إِذَا كَانَ لاَ يَعْرِفُ مَا
يُحَدِّثُ بِهِ» (*).
(1/76) ولأئمتنا
في تعقب الكذابين طرائف:
(1/77) اثنتين أو
ثلاثة وثلاثين قبل انقضاء خلافة عثمان بثلاثة سنين.
(1/78) فَلَمَّا
اطْمَأَنَّ الْمَجْلِسُ بِأَهْلِهِ، انْتُدِبَ [إِلَيْهِ] رَجُلٌ مِنَ
الْعَشَرَةِ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ مِنْ تِلْكَ الأَحَادِيثِ، فَقَالَ
الْبُخَارِيُّ: «لاَ أَعْرِفُهُ»، فَسَأَلَهُ عَنْ آخَرَ فَقَالَ: «لاَ
أَعْرِفُهُ»، فَمَا زَالَ يُلْقِي عَلَيْهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ
حَتَّى فَرَغَ مِنْ عَشَرَتِهِ، وَالْبُخَارِيُّ يَقُولُ: «لاَ
أَعْرِفُهُ»، فَكَانَ [الْفُقَهَاءُ] مِمَّنْ حَضَرَ الْمَجْلِسَ
يَلْتَفِتُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَيَقُولُونَ: «الرَّجُلُ فَهِمَ»،
وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ يَقْضِي عَلَى الْبُخَارِيِّ
بِالْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ، وَقِلَّةِ [الْفَهْمِ]، ثُمَّ انْتُدِبَ
إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ مِنَ الْعَشَرَةِ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ مِنْ
تِلْكَ الأَحَادِيثِ الْمَقْلُوبَةِ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: «لاَ
أَعْرِفُهُ»، فَلَمْ يَزَلْ يُلْقِي إِلَيْهِ، وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ
حَتَّى فَرَغَ مِنْ عَشَرَتِهِ، وَالْبُخَارِيُّ يَقُولُ: «لاَ
أَعْرِفُهُ»، ثُمَّ انْتُدِبَ إِلَيْهِ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ إِلَى
تَمَامِ الْعَشَرَةِ، حَتَّى فَرَغُوا
(1/79) كُلُّهُمْ
مِنَ الأَحَادِيثِ الْمَقْلُوبَةِ، وَالْبُخَارِيُّ لاَ يَزِيدُهُمْ
عَلَى: «لاَ أَعْرِفُهُ»، فَلَمَّا عَلِمَ [الْبُخَارِيُّ] أَنَّهُمْ
قَدْ فَرَغُوا، الْتَفَتَ إِلَى الأَوَّلِ مِنْهُمْ، فَقَالَ: «أَمَّا
حَدِيثُكَ الأَوَّلُ، فَهُوَ كَذَا، وَحَدِيثُكَ الثَّانِي فَهُوَ كَذَا،
وَالثَّالِثُ، وَالرَّابِعُ عَلَى الوَلاَءِ»، حَتَّى أَتَى عَلَى
تَمَامِ الْعَشَرَةِ، فَرَدَّ كُلَّ مَتْنٍ إِلَى إِسْنَادِهِ، وَكُلَّ
إِسْنَادٍ إِلَى مَتْنِهِ، وَفَعَلَ بِالآخَرِينَ مِثْلَ ذَلِكَ.
[وَرَدَّ مُتُونَ الأَحَادِيثِ إِلَى أَسَانِيدِهَا، وَأَسَانِيدَهَا
إِلَى مُتُونِهَا]، فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالْحِفْظِ، وَأَذْعَنُوا
لَهُ بِالْفَضْلِ (*).
(1/80) فاكتفوا
بأن اصطفوا من أخبار هؤلاء الرواة المجهولين ورواياتهم ما يوافق هواهم،
ويلائم بيئتهم، وينطبق على مقاييسهم.
(1/81) الأقطار،
باحثين دارسين لأحوال الرواة، وكانوا يلقون المعاصرين لهم من الرواة
لينقدوا أحوالهم.
(1/82) الفَصْلُ
الرَّابِعُ: الوَضَّاعُونَ فِي العَصْرِ الحَاضِرِ:
(1/83) وكان
أسلافنا يعتبرون الإعلان عن الكذَّابين وفضحهم والتشهير بهم من الدين،
يقول عبد الرحمن بن مهدي: «سَأَلْتُ شُعْبَةَ وَابْنَ الْمُبَارَكِ
وَالثَّوْرِيَّ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنِ الرَّجُلِ يُتَّهَمُ
بِالْكَذِبِ، فَقَالُوا: انْشُرْهُ فَإِنَّهُ دِينٌ».
(1/84) السليمة
منها، وانحطَّ إلى درجة تنفر الفطرة الطاهرة منها.
(1/85) {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى
مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (1).
(1/86) فمنهم من
كان ينقلها عنهم على أنها قصص متعلق بالماضين ولكن أبا رَيَّةَ كان
يَتَّهِمُهُمْ بأنهم كانوا «يَنْسِبُونَهَا» إلى النبي - صَلََّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -!.
(1/87) 3 - ونقل
في [ص 163] عن " البداية والنهاية " لابن كثير: 8/ 106 أن عمر - رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ - هدَّدَ أبا هريرة بترك الحديث أو ليلحقنه بأرض دَوْسٍ
«أَوْ بِأَرْضِ القِرَدَةِ».
(1/88) الصحابة،
ثم كرَّ بالرد عليه وتفنيد ما قال عن كل واحد من هؤلاء.
(1/89) الصحيح في
كل عصر، تسقط عدالة أَبِي رَيَّةَ، وتنفيه عن دائرة الباحثين وتسحب الثقة
منه كلية.
(1/90) يريدون
معرفة الحقيقة عن سَيِّدِنَا محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
فقرأ كُتُباً عنه بعدة لغات ثم قال: إنَّ صورة نبي الإسلام صورة فرنسية
إذا كانت بقلم الفرنسيين، وهي ألمانية إذا كانت بقلم الألمانيين، وهي
أمريكية إذا كانت بقلم الأمريكيين، وهي ... وهذا فيما يتعلق بالبيئة
الاجتماعية.
(1/91) التديُّن
والوطنية معاً فحملاه - متعاونين - على التزييف، فَزيَّف تَدَيُّناً
ووطنية.
(1/92) إنَّ
كتاب: " بروتوكلات حكماء صهيون "، أو كتاب " الخطر الصهيوني " يُبَيِّنُ
في وضوح أنَّ اليهود قد آلوا على أنفسهم أنْ يفسدوا على الإنسانية دينها
وخُلُقَهَا وثقافتها وقد مني الإسلام بطائفة من المستشرقين اليهود على
درجة من الخُبْثِ والمكر والدهاء، يعجب لها الشيطان نفسه.
(1/93) مثالين
اثنين - من عشرات الأمثلة - التي تَعَمَّدَ جولدتسيهر، أنْ يكذب، وأنْ
يُحَرِّفَ الكلم عن مواضعه فيها. وهذان المثالان إنما هما نموذج لأعمال
كثير من المستشرقين العلميَّة، يقول المرحوم مصطفى السباعي: «زعم
جولدتسيهر أن الزُّهْرِي اعترف اعترافاً خطيراً في قوله الذي رواه عنه
معمر: «إِنَّ هَؤُلاَءِ الأُمَرَاءِ أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ
أَحَادِيثَ» وأنَّ ذلك يفهم استعداد الزُّهْرِي لأنْ يكسو رغبات الحكومة
باسمه المعترف به عند الأمة الإسلامية (*).
(1/94) وأملى
عليه أربعمائة حديث، خرج من عند هشام وقال بأعلى صوته: «يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا كُنَّا مَنَعْنَاكُمْ أَمْرًا قَدْ بَذَلْنَاهُ الآنَ
لِهَؤُلاَءِ، وَإِنَّ هَؤُلاَءِ الأُمَرَاءِ أَكْرَهُونَا عَلَى
كِتَابَةِ (الأَحَادِيثِ) فَتَعَالَوْا حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ بِهَا
فَحَدَّثَهُمْ بِالأَرْبَعِمِائَةَ الحَدِيث». هذا هو النص التاريخي لقول
الزُّهْرِي، وقد رواه الخطيب بلفظ آخر وهو: «كُنَّا نَكْرَهُ كِتَابَ
الْعِلْمِ - أَيْ كِتَابَتَهُ - حَتَّى أَكْرَهَنَا عَلَيْهِ هَؤُلاَءِ
الأُمَرَاءُ فَرَأَيْنَا أَنْ لاَ نَمْنَعَهُ أَحَدًا مِنَ
الْمُسْلِمِينَ». اهـ (1).
(1/95) فهذه إحدى
تحريفات هذا المستشرق الخبيث، فأصل العبارة كما وردت في " التاريخ الكبير
" للإمام البخاري: وقال ابن عقبة السَدُوسي عن وكيع: هو (أي زياد بن عبد
الله) أشرف من أنْ يكذب. (1) اهـ.
(1/96) فَهْرَسُ
الكِتَابِ:
(1/97)
|
|