حجية السنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي
الكتاب: حجية السنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي
مدخل
(1/87) 1-
معنى السنة لغة واصطلاحا.
(1/87) والتابعين
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين في حفظها، وصيانتها، وذكر بعض نماذج
السير لرجالها الذين كانوا حماتها وحفاظها.
(1/88) حتى لو
دخلوا حجر ضب تبعتموهم، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟
"1.
(1/89) الكتاب
الكريم والسنة النبوية لكونهما منبعا أصيلا، ومنهلا عذبا لأخذ العلوم
كلها.
(1/90)
معنى السنة
اصطلاحا:
(1/90) على هذا
المعنى في اصطلاح أهل الحديث ما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من
قول أو فعل، أو تقرير، أو صفة خلقية.
(1/91)
مكانة السنة
ومنزلتها من التشريع الإسلامي:
(1/91) الأمة،
وقد أجمعوا على ذلك إجماعا استناده الكتاب الكريم، والسنة النبوية.
(1/92) وقال
العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره في هذا الموضع: "الحكمة
السنة قاله الحسن، وقتادة، ومقاتل بن حيان، وأبو مالك وغيرهم"1 وهكذا
فسرها في جميع المواضع التي وردت في القرآن الكريم، الحكمة هي السنة،
وهكذا قال العلامة الشوكاني في تفسيره فتح القدير2. فإذا علم هذا وفهم
فاسمعوا ما قال الله تعالى في سورة البقرة: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ
رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ
وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ
تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} 3 وقال أيضاً في هذه السورة: {وَلا تَتَّخِذُوا
آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا
أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
4، وقال تعالى في سورة آل عمران حاكيا عن عبده ورسوله عيسى عليه الصلاة
والسلام: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ
وَالإنْجِيلَ} 5. فهذه الآية، وآية أخرى وهي قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ
اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ
وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ
عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا
مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} 6 فهذا نص صريح على أن الله تعالى لم يخص
نبيه صلى الله عليه وسلم وحده بالسنة بل إنه جل وعلا سن هذه السنة لجميع
رسله، وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام الذين أكرمهم بالنبوة والرسالة،
ونحو هذا المعنى قوله تعالى في سورة المائدة: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ
إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ
وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ
وَالإنْجِيلَ} 7 وقال تعالى في سورة آل عمران: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 8 وقال
عز من قائل في سورة النساء: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ
وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا
يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ
وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ
(1/93)
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ
فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} 1 وقال جل وعلا في حق أمهات المؤمنين
في سورة الأحزاب: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ
اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} 2، قال
العلامة السيوطي تحت هذه الآية الكريمة: "أخرج بن سعد وعبد الرزاق، وابن
جرير الطبري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله تعالى عنه في
قوله تعالى - ثم ذكر هذه الآية ثم قال - القرآن والسنة عتب عليهن بذلك"3
وقال جل وعلا: في سورة الجمعة {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ
رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ
لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 4 وهذه الجملة كبيرة من الآيات الكريمات تنص على
أن السنة هي وحي الله تعالى إلى سائر رسله، وأنبيائه عليهم الصلاة
والسلام. منهم هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام. قال الإمام أبو
جعفر محمد بن جرير الطبري تحت قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ}
قال: "وما أنزل عليكم من الحكمة وهي السنن التي علمكموها رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وسنها لكم"5، وقال أيضا تحت قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ} ثم ساق إسناده
إلى قتادة برقم (8071) وقال: "الحكمة السنة" وكذا نقل عن عبد الملك بن
جريج بإسناده الصحيح. وقال أبو جعفر مفسرا لهذه الآية وهي قوله تعالى:
{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} الآية.. قال: "يعلمهم الله
كتاب الله الذي أنزله عليه، ويبين لهم تأويله، ومعانيه، والحكمة السنة
التي سنها الله تعالى للمؤمنين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وبيانه
لهم" ثم أيد هذا المعنى بأثر قتادة بسياق طويل وهو برقم (8177) وإسناده
من أصح الأسانيد المروية إلى قتادة وأيد هذا المعنى العلامة السيوطي ...
في رسالته القيمة (مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة) نقلا عن أئمة الإسلام
الكبار مثل الإمام الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد، ومالك رحمهم الله تعالى
ونقل أقوالهم، ونصائحهم فيما يتعلق بالعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم6 ونحو هذا المعنى في سورة النور قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ
قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ
(1/94)
لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 1، ولقد عرفنا إن شاء الله تعالى خلال سرد هذه
الآيات البينات أن السنة النبوية لها مكانة سامية، ومنزلة رفيعة في
التشريع الإسلامي، وهي مفسرة، ومبينة لكتاب الله تعالى ومقيدة لعمومه كما
قال تعالى في هذا المعنى في سورة الأنعام: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ
تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ
مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ
كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} 2.
(1/95) عمتك"،
فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "اسق يا زبير، ثم احبس
الماء حتى يرجع إلى الجدار، ثم أرسل الماء إلى جارك"، واستوعى رسول الله
صلى الله عليه وسلم للزبير حقه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السعة له وللأنصاري، فلما لم يرضى
الأنصاري استوعى للزبير حقه في صريح الحكم فقال الزبير: "ما أحسب هذه
الآية نزلت إلا في ذلك، {فَلا وَرَبِّكَ} " وهكذا أخرجه الحميدي في
مسنده، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، فقضى للزبير، فقال الرجل إنما قضى
له لأنه ابن عمته، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهكذا أخرجه الإمام ابن
الجارود في المنتقى، والإسماعيلي فيما نقل عنه الحافظ في الفتح"1.
(1/96) قال
العلامة الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره تحت هذه الآية بعد
إيراده روايات عديدة في أسباب نزولها، قال: " {يُخَالِفُونَ عَنْ
أَمْرِهِ} أي عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سبيله، ومنهاجه،
وطريقته، وسنته، وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال، بأقواله وأعماله، فما
وافق ذلك قُبِل، وما خالفه فهو مردود على قائله، وفاعله، كائنا من كان،
كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"، {فَلْيَحْذَرِ} وليخش من خالف
شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم باطنا، وظاهرا، {أَنْ تُصِيبَهُمْ
فِتْنَةٌ} أي في قلوبهم من كفر، أو حد، أو حبس، أو نحو ذلك كما روى
الإمام أحمد، فقال: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، قال:
هذا ما حدثنا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلي
ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش، وهذه الدواب
اللائي يقعن في النار وجعل يحجزهن، ويغلبنه فيقتحمن فيها" قال: "فذلك
مثلي، ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار (أمنعكم عن النار) فتغلبوني
وتقتحمون فيها" أخرجاه من حديث عبد الرزاق". قلت: أخرجه البخاري1 ومسلم2
والترمذي3 والإمام أحمد في مسنده4 والغوي في شرح السنة5. ورواه همام بن
منبه عند البغوي بالإخبار. وقال العلامة الإمام البغوي في نهاية الحديث
هذا حديث: "متفق على صحته أخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق،
وأخرجاه من أوجه عن أبي هريرة" اهـ. ونحو هذا المعنى قوله جل وعلا في
سورة النور: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَائِزُونَ} 6.
(1/97) عنه صلى
الله عليه وسلم، وتثبت حجية السنة النبوية ثبوتا واضحا مبينا من قوله جل
وعلا في سورة البقرة قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي
كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ
يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} 1. والشاهد في هذه الآية الكريمة هو أنه
صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بيت المقدس قبل أن يؤمر بالتوجه إلى
الكعبة المشرفة، وكان صلاته صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس بأمر من
الله تعالى ولكن أين هذا الأمر في القرآن الكريم؟ قال العلامة الإمام ابن
كثير رحمه الله تعالى ملخصا ما ذكره قبل هذا الكلام: "حاصل الأمر أنه كان
صلى الله عليه وسلم أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس فكان بمكة يصلي
بين الركنين، فيكون بين يدي الكعبة وهو مستقبل الصخرة بيت المقدس، فلما
هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما فأمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس،
قاله ابن عباس والجمهور". ثم قال: "وقد جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة"2.
وهكذا قال الإمام العلامة أبو جعفر في تفسيره3 أخرج الإمام الشافعي في
الرسالة4 والإمام أحمد في المسند5 وأبو داود6 والترمذي7 وابن ماجه8
والبغوي في شرح السنة9 وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم10 من حديث أبي رافع
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا
ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به، أو نهيت
عنه، فيقول لا أدري ما وجدناه في كتاب الله تعالى اتبعناه". قال العلامة
الإمام البغوي في شرح السنة: "قال الأزهري: كل من اتُكِئَ عليه فهو
أريكة. وأراد بهذه الصفة أصحاب الترفه، والدعة، الذين لزموا البيوت،
وقعدوا عن طلب العلم". وفي الحديث دليل على أنه لا حاجة بالحديث إلى أن
يعرض على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حجة
بنفسه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه"
قلت: أورده السيوطي في مفتاح الجنة في
(1/98) الاحتجاج
بالسنة، وقال رحمه الله تعالى: "وأخرج البيهقي بسنده عن المقدام بن معد
يكرب رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حرم رسول
الله صلى الله عليه وسلم أشياء يوم خيبر من الحمار الأهلي وغيره فقال صلى
الله عليه وسلم: "يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدث حديثي، فيقول
بيني وبينكم كتاب الله تعالى فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا
فيه حراما حرمناه وإنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم
الله"، الحديث أخرجه العلامة البغوي في شرح السنة برقم (101) وخرجه الشيخ
شعيب في التعليق وقال: "أخرجه أحمد والدارمي وأبو داود، والترمذي، وابن
ماجه وقال: حسنه الترمذي" اهـ قلت: نعم أخرجه الإمام الترمذي في الجامع
تحت باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وحسنه ثم قال: "وروى بعضهم عن سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر عن النبي
صلى الله عليه وسلم مرسلا، وسالم أبي النضر عن عبيد الله ابن أبي رافع عن
أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ابن عيينة إذا روى هذا الحديث
على الانفراد بين حديث المنكدر من حديث سالم أبي النضر، وإذا جمعهما روى
هكذا" وأبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم. قال العلامة المحدث
المباركفوري: "روي هذا الحديث موقوفا على أبي رافع كما ترى في طريق
الترمذي ورواه أبو داود في السنن مرفوعا" ثم قال: "رواه أبو داود في
السنن فقال: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، وعبد الله بن محمد النفيلي،
قالا: حدثنا سفيان، عن أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن
النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الحديث". قلت: الذين رووه بالرفع هم
أكثر عددا من الذين رووه بالوقف، ورواه البغوي مرفوعا وكذا ابن ماجه،
وأبو داود، وأحمد في المسند، والدارمي في سننه من غير هذا الوجه مرفوعا
برقم (592) ثم قال العلامة المباركفوري: "وهذا الحديث دليل من دلائل
النبوة، وعلامة من علاماتها، فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم فإن
رجلا قد خرج في البنجاب من أقليم الهند. وسمى نفسه بأهل القرآن، شتان
بينه وبين أهل القرآن بل هو من أهل الإلحاد، وكان قبل ذلك من الصالحين -
قلت ما كان من الصالحين ولم يتمكن الإيمان من قلبه - فأضله الشيطان،
وأغواه، وأبعده عن الصراط المستقيم فتفوه بما لا يتكلم به
(1/99) أهل
الإسلام، فأطال لسانه في رد الأحاديث النبوية بأسرها ردا بليغا وقال هذه
كلها مكذوبة، ومفتريات على الله تعالى، وإنما يجب العمل على القرآن
العظيم فقط دون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت صحيحة
متواترة، ومن عمل على غير القرآن فهو داخل تحت قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ
يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ، وغير
ذلك من أقواله الكفرية وتبعه على ذلك كثير من الجهال، وجعلوه إماما، وقد
أفتى علماء العصر بكفره، وإلحاده، وأخرجوه من دائرة الإسلام كما قالوا".
ثم خرج هذا الحديث بقوله: "أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود، وابن
ماجه، والبيهقي في الدلائل"1. قلت: أخرجه الإمام أحمد في مسنده من ثلاث
طرق، طريق أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وفيه أبو معشر وهو ضعيف إلا أنه
يكتب حديثه ويستشهد به، وطريق آخر وهو طريق أبي رافع مولى رسول الله صلى
الله عليه وسلم واسمه أسلم وهو طريق جيد، وطريق ثالث وهو طريق المقدام بن
معد يكرب رضي الله تعالى عنه وهو أيضا طريق جيد، وأنهي هذا الموضوع بآيات
من الذكر الحكيم قال تعالى في سورة الحشر: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا} 2 وقال تعالى:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} 3
وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ
كَثِيراً. وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا
وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا
زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} 4 وقال جل وعلا في سورة
الأحزاب: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا
لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} 5 وقال جل وعلا:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} 6
وقال عز من قائل في سورة الحديد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ
رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ
(1/100) لَكُمْ
نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
فالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإيمان الكامل بما جاء به من
عند الله تعالى من كتاب وسنة صحيحة ثابتة والعمل بهما ظاهرا وباطنا
وتسليم الأمر إليهما والدعوة إليهما، والاستماتة في سبيلهما حتى يأتيه
الموت فيلقى ربه بلقاء عظيم مرضي.
(1/101)
جهود العلماء
في حفظ السنة:
(1/101) ظهرت
البدع في أمتي وشتم أصحابي فليظهر العالم علمه فإن لم يفعل فعليه لعنة
الله والملائكة والناس أجمعين". ومن هنا كانت تلك الجهود الضخمة
والمباركة التي كانت فريدة في نوعها، وعزيزة في وجودها ولا يوجد لها مثيل
في سائر الأمم الماضية، يقول الدكتور اسبر نكر أحد علماء الألمان
البارزين فيما نقل عنه العلامة المحدث المباركفوري في سيرة البخاري قال:
"إن علم أسماء الرجال اختصت به هذه الأمة الإسلامية دون سائر الأمم، وإنه
مفخرة كبيرة للمسلمين، وثورة علمية هائلة جُمِعَت لهم من أسلافها، وميدان
خضم ولهم في ذلك أقدام راسخة". قلت: هكذا يمجد هذا المستشرق هذا العلم
الشريف وهو بكلامه هذا يقضي على جميع الشبه التافهة التي أوردها أعداء
السنة النبوية حديثا، وقديما، قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في
الجامع الصحيح في كتاب العلم، باب الخروج في طلب العلم: "ورحل جابر بن
عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد". وأشار رحمه الله
تعالى بهذا التعليق إلى الحديث رواه في كتاب الأدب المفرد في باب
المعانقة ص 337 من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد
الله يقول: "بلغني من رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمعه من
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتريت بعيرا، ثم شددت رحلي فسرت إليه
شهرا حتى قدمت الشام، فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له: جابر
على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ قلت نعم.. فخرج عبد الله بن أنيس
فاعتنقني، فقلت: حديث بلغني عنك أنك سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم
فخشيت أن أموت، أو تموت قبل أن أسمعه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: "يحشر الله الناس يوم القيامة عراة، غرلا، بُهْماً، قلنا ما
بهما؟ قال: ليس عليهم شيء، فينادهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب،
أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة يدخل الجنة، وأحد من
أهل النار يطلبه بمظلمة" يعني لا يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار
إلا بعد تصفية الحساب. قال الحافظ في الفتح بعد إيراد حديث جابر هذا
ورحلته إلى عبد الله بن أنيس: "وفي هذا الحديث ما كان عليه الصحابة من
الحرص على تحصيل السنن النبوية قال الخطيب البغدادي في رسالته القيمة
(الرحلة في طلب الحديث) بإسناده عن أبي عثمان النهدي قال: "بلغني عن
(1/102) أبي هريرة
حديث أنه قال: إن الله ليكتب لعبده بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة فحججت
ذلك العام، ولم أكن أريد الحج إلا للقائه في هذا الحديث فأتيت أبا هريرة
,فقلت: يا أبا هريرة بلغني عنك حديث فحججت العام ولم أكن أريد الحج إلا
لألقاك، قال: فما هو؟ قلت إن الله ليكتب لعبده المؤمن الحسنة الواحدة ألف
ألف حسنة فقال أبو هريرة: ليس هكذا قلت: إنما قلت إن الله ليعطي عبده
المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة، ثم قال: أو ليس في كتاب الله
تعالى ذلك؟ قلت: كيف؟ قال: لأن الله تعالى يقول: {مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً
كَثِيرَةً} والكثير عند الله أكثر من ألفي ألف وألف ألف" اهـ وقال الخطيب
أيضا في هذه الرسالة بإسناده الطويل: "عن عطاء بن أبي رباح قال: خرج أبو
أيوب الأنصاري إلى عقبة ابن عامر وهو بمصر يسأله عن حديث سمعه من رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم أتى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري وهو
أمير مصر، فأخبر به فعجل فخرج إليه فعانقه، وقال: ما جاء بك يا أبا أيوب
قال حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق أحد سمعه غيري
وغيرك في ستر المؤمن قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من ستر مؤمنا في الدنيا ستره الله يوم القيامة" فقال له أبو أيوب: صدقت
ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعا إلى المدينة". قلت: هكذا
نجدهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين حريصين أشد الحرص على حفظ السنة
وصيانتها، ثم قال الخطيب بإسناده عن عبد الله بن بريدة: "إن رجلا من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر، فقدم
عليه، فقال: إني لم آتيك زائرا ولكن سمعت أنا وأنت حديثا من رسول الله
صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك منه علم قال: فما هو؟ قال كذا
وكذا". وساق الحديث، وهكذا نجد سيد التابعين وعالم المدينة الإمام سعيد
بن المسيب، كما قال الإمام الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية قال مالك
عن يحي بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: "كنت أرحل الأيام والليالي في
طلب الحديث الواحد". قال الحافظ الإمام ابن أبي حاتم الرازي الحنظلي في
مقدمة الجرح والتعديل في ترجمة أبيه الإمام أبي حاتم الرازي عند ذكر
رحلته في طلب الحديث قال ابن أبي
(1/103) حاتم:
"سمعت أبي يقول: أول ما خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين أحصيت ما مشيت
على قدمي زيادة على ألف فرسخ، لم أزل أحصي فلما زاد على ألف فرسخ تركته،
وأما ما كنت سرت أنا من الكوفة إلى بغداد فما لا أحصى كم مرة، ومن مكة
إلى المدينة مرات كثيرة، خرجت من البحر من قرب مدينة (سلا) إلى مصر
ماشيا، ومن مصر إلى الرملة ماشيا، ومن الرملة إلى بيت المقدس ماشيا، ومن
الرملة إلى عسقلان، ومن الرملة إلى طبرية، ومن طبرية إلى دمشق، ومن دمشق
إلى حمص، ومن حمص إلى أنطاكية إلى طرسوس ثم رجعت من طرسوس إلى حمص، وكان
بقي عليَّ شيء من حديث أبي اليماني، فسمعته، ثم خرجت من حمص إلى بيسان،
ومن بيسان إلى الرقة، ومن الرقة ركبت إلى الفرات إلى بغداد، وخرجت قبل
خروجي إلى الشام من واسط إلى النيل ومن النيل إلى الكوفة كل ذلك ماشيا
هذا في سفري الأول، وأنا ابن عشرين سنة أجول سبع سنين، خرجت من الري سنة
213هـ، في شهر رمضان، ورجعت سنة 221هـ"، هكذا نجدهم رحمهم الله تعالى في
رحلاتهم، وسفراتهم يتنقلون راجلين يقطعون آلاف من الأميال والفراسخ لحفظ
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الدارقطني صاحب السنن يعلن في
بغداد في الأسواق والشوارع: "يا أهل بغداد لا يمكن لأحد منكم أن يكذب على
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دمت حيا". وهذا أبو حامد الشرقي صاحب
كتاب الصحيح وهو تلميذ نجيب للإمام مسلم النيسابوري كانت حياته كلها
حاجزة بين الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أبو زكريا يحي
بن معين نودي في جنازته بصوت عال مرتفع هذا الذي كان يذب الكذب عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الجبل الناطح الإمام البارع أبو عبد الله
أحمد بن حنبل وقف وقفة رائعة مثالية في الدفاع عن السنة النبوية أمام
أكبر حكومة كانت على وجه الأرض حتى قال الإمام ابن حبان البستي فيما نقل
عنه الحافظ بن حجر في التهذيب: "أغاث الله تعالى به أمة محمد صلى الله
عليه وسلم". وهذا البخاري صاحب الصحيح الذي اتسم كتابه بأصح الكتب بعد
كتاب الله تعالى قال الحافظ في مقدمة الفتح قال: "وراقة محمد بن خراش
يقول: سمعت أحيد بن حفص يقول: دخلت على إسماعيل والد أبي عبد الله عند
موته
(1/104) فقال: لا
أعلم من مالي درهما من حرام، ولا درهما من شبهة". ثم قال الحافظ: "حكى
وراقة أنه ورث من أبيه مالا جليلا، وكان يعطيه مضاربة، فقطع له غريم خمسة
وعشرين ألفا، فقيل له: استعن بكتاب الوالي فقال: إن أخذت منهم كتابا
طمعوا، ولن أبيع ديني بدنياي، ثم صالح غريمه على أن يعطيه كل شهر عشرة
دراهم، وذهب ذلك المال كله". ثم قال الحافظ: "ومات إسماعيل ومحمد صغير،
فنشأ في حجر أمه، ثم حج مع أمه، وأخيه أحمد، وكان أسن منه فأقام بمكة
مجاورا، يطلب العلم، ورجع أخوه أحمد إلى بخارى، فمات بها". روى نمنجار في
تاريخ البخاري واللالكائي في شرح السنة في باب كرمات الأولياء منه: "أن
محمد بن إسماعيل ذهبت عيناه في صغره، فرأيت والدته الخليل إبراهيم في
المنام، فقال لها: يا هذه رد الله على ابنك بصره بكثرة دعائك قال: فاصبح
وقد رد الله عليه بصره"، قال الفربري: "سمعت محمد بن أبي حاتم وراق
البخاري يقول: سمعت البخاري يقول: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب، قلت:
كم أتى عليك إذ ذاك؟ فقال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكتاب فجعلت
أختلف إلى الداخلي وغيره، فقال يوماً فيما كان يقرأ الناس، سفيان عن أبي
الزبير عن إبراهيم، فقلت يا أبا الزبير: لم يرو عن إبراهيم1، فانتهرني،
فقلت له: ارجع إلى الأصل، إن كان عندك؟ فدخل فنظر فيه، ثم رجع فقال: كيف
هو يا غلام؟ فقلت: هو الزبير وهو ابن عدي عن إبراهيم، فأخذ القلم، وأصلح
كتابه، وقال لي: صدقت، قال: فقال له إنسان ابن كم حين رددت عليه فقال:
ابن إحدى عشرة سنة". قلت: هذه الرواية تدل على عظمة الرجل العظيم في
الإسلام في هذه السن المبكرة يوجهه الله تعالى إلى أن يقف هذا الموقف
العظيم من معرفة الرجال الذين نقلوا إلينا هذا العلم الشريف، وكان لما
ورث من أبيه من مال حلال أثر عظيم في تربيته، وتنشئته ثم قال الحافظ:
"قال البخاري: فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع،
وعرفت كلام هؤلاء يعني أصحاب الرأي قال: ثم خرجت مع أمي وأخي إلى الحج".
(1/105) قلت: فكان
أول رحلة على هذا سنة عشر ومائتين ولو رحل أول ما طلب لأدرك ما أدركته
أقرانه من طبقة عالية وإن كان أدرك ما قاربها كيزيد بن هارون، وأبي داود
الطياليسي، ثم قال: "فلما طعنت في ثماني عشرة صنفت كتاب قضايا الصحابة
والتابعين، ثم صنفت التاريخ في المدينة عند قبر النبي صلى الله عليه
وسلم" وقال: "وكنت أكتبه في الليالي المقمرة". قال: "وقل اسم في التاريخ
إلا وله عندي قصة إلا أني كرهت أن يطول الكتاب" ثم ذكر الحافظ رحلة
البخاري في طلب الحديث، تلك رحلة عظيمة تعطينا فكرة أصيلة عن اهتماهم
البالغ، وسعيهم الحثيث لحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه جهود
فردية قام بها هؤلاء رحمهم الله تعالى في هذا الميدان العظيم وأما الجهود
الجماعية فإنها جهود كبيرة شامخة لا يتسع لها هذا الوقت وأرجو أن أوفق
لها إن شاء الله في حلقة قادمة.
(1/106)
|
|