حقيقه السنة والبدعة الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع
الكتاب: حقيقه السنة والبدعة = الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع
بسم الله
الرحمن الرحيم
(1/63) وقال
تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله
واليوم الآخر) .
(1/64) ذات يوم،
ثم أقبل علينا بوجهه، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها
القلوب؛ فقال رجل: يا رسول الله، كأنها موعظة مُودِّع، فماذا تعهد إلينا؟
فقال: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً؛ فإنه من
يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء
الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات
الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، أخرجه أبو داود والترمذي ".
(1/65) ضلالة لا
ترضى الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار
الناس شيئاً ". رواه الترمذي.
(1/66) وقال رسول
الله) : " يد الله مع الجماعة، والشيطان مع من يخالف الجماعة ".
(1/67) وعن معاذ
رضي الله عنه أن النبي (قال: " إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأخذ
الشاة القاصية النائية، فإياكم والشعاب، وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد
".
(1/68) وإن بني
لإسرائيل تفرقوا اثنين وسبعين ملة، وستفترق أمتي على ثلاثة وسبعين فرقة،
كلهم في النار إلا ملة واحدة " قالوا: من هي يا رسول الله قال: " ما أنا
عليه وأصحابي " أخرجه أبو داود والترمذي.
(1/69) وقال عبد
الله بن مسعود رضي الله عنه: الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في
البدعة.. وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس
من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فمسته النار
أبداً. وإن اقتصاداً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة.
(1/70) وقال أبو
العالية: عليكم بالأمر الأول الذي كانوا عليه قبل أن يفترقوا.
(1/71) وقال
أيوب: إني لأخبر بموت الرجل من أهل السنة، فكأني أفقد بعض أعضائي. وقال
أيضاً: إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة.
(1/72) فقال لي:
مالك؟ قلت نعم: فقال لا تحزن عليه.
(1/73)
فصل
(1/74) يا رب
أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ". متفق عليه.
(1/75) لهم غيره
فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيفة الحكيم، فإن الشيطان
قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم. وقد يقول المنافق كلمة الحق.
(1/76) بالآيات،
وحكم الأئمة المضلين.
(1/77) ومن كلام
عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أوصيكم بتقوى الله، والاقتصاد في أمره،
واتباع أمر رسول الله (، وترك ما أحدث المحدثون بعده.
(1/78) وقال أبو
مغشر: سألت إبراهيم عن شيء من هذه الأهواء، فقال: ما جعل الله في شيء
منها مثقال ذرة من خير، ما هي إلا نزغة من الشيطان، عليك بأول الأمر.
(1/79)
مقاطعة وتجنب
من يترددون على الفرق المخالفة لأهل السنة مثل المرجئة
(1/80) وقال سلام
بن مطيع: قال رجل من أهل الأهواء لأيوب: لا أكلمه بكلمة، فقال: ولا بنصف
كلمة.
(1/81) كريمته من
مبتدع فقد قطع رحمها.
(1/82)
مدلول البدع
عند مالك بن أنس
(1/83) وقال أبو
الحسن البغوي: قد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على
معاداة أهل البدع ومهاجرتهم.
(1/84) وناظر
الإمام الشافعي لحفص الفرد، وكان يسميه لحفص الفرد، فقال: القرآن مخلوق،
فقال الشافعي: كفرت بالله العظيم.
(1/85) قوله:
(ليغيظ بهم الكفار) . ثم قال: من أصبح من الناس في قلبه غل على أحد من
أصحاب رسول الله (فقد أصابته هذه الآية. وقال سفيان الثوري: من قدم علياً
على أبي بكر وعمر فقد أزرى وقال أبو الحسن البغوي: وهذا الهجران
والتبرُّء والمعاداة لأهل البدع والمخالفين في الأصول، أما الاختلاف في
الفروع بين العلماء فاختلاف رحمة، أراد الله أن لا يكون على المؤمنين حرج
في الدين. فعلى المسلم إذا رأى رجلاً يتعاطى شيئاً من الأهواء والبدع
معتقداً ويتهاون بشيء من السنن أن يهجره ويتبرأ منه، ويتركه حياً وميتاً،
فلا يسلم عليه إذا لقيه، ولا يُجيبه إذا ناداه.
(1/86) جوامع
موانع فقال: لا تشرك بالله شيئاً، وزل مع القرآن حيث زال، ومن جاءك بالحق
فاقبل منه وإن كان بعيداً بغيضاً، ومن جاءك بالباطل فرده عليه وإن كان
قريباً حبيباً.
(1/87)
فصل
(1/88) وعن أبي
البحتري قال: أخبر رجل ابن مسعود رضي الله عنه أن قوماً يجلسون في المسجد
بعد المغرب، فيهم رجل يقول: كبروا الله كذا، وسبحوا الله كذا وكذا،
واحمدوا كذا وكذا. وقال عبد الله فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني فاخبرني
بمجلسهم. فلما جلسوا أتاه الرجل فاخبره، فجاء عبد الله بن مسعود، فقال:
والذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلماً أو لقد فضلتم أصحاب محمد علماً!
فقال عمر بن عتبة: نستغفر الله، فقال: عليكم بالطريق فالزموه ولئن أخذتم
يميناً وشمالاً لتضلن ضلالاً بعيداً.
(1/89) ما أحدث
الناس فكرهه، وقال فيه.
(1/90) فصل
(1/91) قال
الإمام الشافعي رضي الله عنه: البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة،
فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم. واحتج بقول عمر رضي
الله عنه: نعمت البدعة هذه. وقال الإمام الشافعي أيضاً رضي الله تعالى
عنه: المحدثات في الأمور ضربان: أحدهما ما حدث يخالف كتاباً أو سنة أو
أثراً أو إجماعاً فهذه البدعة الضلالة. والثاني: ما أحدث من الخير لا
خلاف فيه لواحد من هذا فهي محدثة غير مذمومة. وقد قال عمر في قيام شهر
رمضان نعمت البدعة هذه يعني أنها محدثة لم تكن وإذا كانت فليس فيها ردّ
لما مضى وقال بعضهم: وإنما كان ذلك لأن النبي (حثّ على قيام شهر رمضان
وفعله هو (، واقتدى به بعض الصحابة ليلة بعد أخرى، فهي مشروعة في الأصل.
وكذا قول الحسن في القصص: نعم البدعة؛ لأن الواعظ مشروع، ومتى استند
المحدث إلى أصل مشروع لم يذم.
(1/92) أنواع
البر التي لم تعهد في صدر الإسلام؛ فإنه موافق لما جاءت به الشريعة من
اصطناع المعروف والمعاونة على البر والتقوى. وما يُعد من البدع الحسنة:
التصانيف في العلوم النافعة الشرعية على اختلاف فنونها، وتعيين قواعدها،
وتفسير الكتاب العزيز، وجمع الأخبار النبوية، وتفسيرها، والكلام على
الأسانيد والمتون، وتتبع كلام العرب واستخراج علوم جمَّة منه، فذلك كله
وما شاكله من علوم حسنة ظاهر فائدته، معين على معرفة أحكام الله، وفهم
معاني كلامه، وسنة رسوله. وكل ذلك مأمور به لا يلزم من فعله محظور شرعي.
(1/93) قال أبو
سليمان الخطابي رحمه الله في شرح قوله) : " كل مُحدَث بدعة " هذا خاص في
بعض الأمور دون بعض، وهو كل شيء أحدث على غير مثال أصل من أصول الدين،
وعلى غير مقياسه. وأما ما كان منها مبنياً على قواعد الأصول ومردود
إليها، فليس ببدعة ولا ضلالة. وأما إذا كانت البدعة كالمتمم، فقد اعتقد
نقص الشريعة، فإذا كانت مضادة فهي أعظم شيء لم يكن من قبل في الشريعة لا
مستند لهم فيه.
(1/94) القسم
الثاني: في الأفعال من البدع المستقبحة: وهو المراد من هذا الباب، وينقسم
قسمين: قسم تعرف العامة والخاصة أنه بدعة محدثة، إما محرمة، وإما مكروهة.
(1/95)
فصل
(1/96) فوجدت
غبها بعد أربعين سنة، أنسيت القرآن، وعن أبي الأديان، قال: كنت مع أستاذي
أبي بكر الدقاق، فمر بي حدث، فنظرت إليه فرآني أنظر إليه، فقال: لتجدن غب
هذه النظرة ولو بعد حين. فبقيت عشرين سنة وأنا أراعي ذلك فما أجد ذلك
الغب؛ فنمت ليلة وأنا مفكر فيما قال لي الأستاذ، فأصبحت وأنا قد أنسيت
القرآن. هذه عقوبة للمتهاونين بذلك في الدنيا والآخرة أدهى وأمر.
(1/97) عنه: إنه
ما رفع رأسه إلى السماء منذ أربعين سنة، ومعنا غلام حسن، فجلس بين يديه،
فقال: قم من حذائي. وأجلسه من خلفه.
(1/98) والضلال.
(1/99) وقال
تعالى: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) .
(1/100) قال
الطبري رحمه الله: أجمع علماء الأنصار على كراهة الغناء، والمنع عنه.
وهذا منعهم منه مع أنه كان في زمانهم منه ما يتعلق بالزهديات المليحة،
فكيف لو رأوا ما أحدثوا في هذا الزمان فيه من الزيادات القبيحة. فاحذره
يا أخي، واقتد بالسلف الصالح. فقد قال ابن عباس رضي الله عنه: الغناء
يُنبتُ النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل.
(1/101) ما
يعتقدون من أدبك. بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط
الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حضور المعازف واستماع
الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب الماء. ولعمري
لتوقي ذلك بترك حضور المواطن في قلبه.
(1/102) فيه أهل
المدينة في الغناء، فقال: إنما يفعله عندنا الفساق.
(1/103) ولينظر ما
تم على غيره، فينبغي للعاقل أن ينصح نفسه وإخوانه، ويحذرهم مكائد
الشيطان، ولولا خوف الإطالة لاستقصينا ما ورد في ذلك، ولكن العاقل الفطن
الموفق من قبل نصح الناصح بأخصر عبارة وعرف الحق واتبعه بأدنى إشارة.
(1/104)
بدع تعظيم
الأماكن والقبور
(1/105) وجدتم
سِدرةً، أو شجرة، أو عاموداً، أو حائطاً، أو طاقة، أو حجراً؛ يقصدها
الناس، ويعظمون من شأنها، ويرجون عندها البُرء والشفاء من قبلها، وينوطون
بها الخِرَق، ويوقدون عندها شمعاً، أو سراجاً، أو ينذرون بها زيتاً، أو
غيره، فهي ذات أنواط. فاقطعوها، واقلعوها، وقوله " ينوطون " أي يعقلون
وهذا أمر منكر قبيح؛ فإن هذا يشبه عبادة الأوثان وهو ذريعة إليها، ونوع
من عبادة الأوثان؛ إذ عبدة الأوثان كانوا يقصدون بقعة بعينها لتمثال هناك
أو غير تمثال يرجون الخير بقصدها. ولم تستحب الشريعة ذلك، فهو من
المنكرات، وبعضه أشد من بعض. وسواء قصدها ليصلي عندها، أو ليدعوا أو
ليقرأ، أو ليذكر الله، أو ليذبح عندها ذبيحة، أو يخصها بنوع من العبادات.
(1/106) أهل العلم
أن أبي بن كعب إنما توفي بالمدينة ولم يمت بدمشق، والله أعلم قبر من هو.
وكذلك مكان بالحائط القبلي بالجامع، ويقولون: إنه قبر هود عليه السلام.
فلن يذكر أحد من أهل العلم أن هوداً عليه الصلاة والسلام مات بدمشق، بل
قيل: إنه مات باليمن، وقيل: بمكة، وكذلك قبر بباب حبرون، يقال: إنه قبر
بعض أهل البيت، وليس بصحيح، بل هذا باب قديم قيل: بناه سليمان عليه
السلام، وقيل ذو القرنين، وقيل غير ذلك. وإنما ذكر لهم بعضهم من لا يوثق
به في شهور سنة ست وثلاثين وستمائة أنه رأى مناماً يقتضي أن ذلك المكان
دفن فيه بعض أهل البيت، قال الشيخ شهاب الدين أبو محمد عبد الرحمن
المعروف بأبي شامة الشافعي رحمه الله: وقد أخبرني عنه ثقة أنه اعترف أنه
افتعل ذلك، فقطعوا طريق المارة، وجعلوا الباب بكماله مسجداً مغصوباً.
(1/107) أم سلمة
زوجة النبي (. ولا خلاف أن أم سلمة رضي الله عنها ماتت بالمدينة. ومن ذلك
مشهد بقاهرة مصر يقال: إن فيه رأس الحسين رضي الله عنه، وأصله أنه كان له
بعسقلان مشهد، يقال باتفاق العلماء - لم يخالف أحد منهم: إن رأس الحسين
كان بعسقلان، بل فيه أقوال ليس هذا مكانها.
(1/108) رجال
معروفين، وقد علم أنها ليست مقابرهم، فهذه المواضع ليست فيها فضيلة
أصلاً.
(1/109)
دفع شبهة
(1/110) فيها
ويدعو، فقال: ألا أحدثك حديثاً، عن أبي، عن جدي، عن رسول الله (أنه قال:
" لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً وصلوا عليّ؛ فإن صلاتكم عليّ
تبلغني حيث كنتم " أخرجه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقري
فيما اختاره من الأحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين، وشرطه فيه أحسن من
شرط الحاكم في صحيحه، وروى سعيد في سنته عن أبي سعيد مولى المهدي قال:
قال رسول الله) : " لا تتخذوا بيتي عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليّ
حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني ".
(1/111) فقلت سلمت
على النبي (، فقال: إذا دخلت المسجد فسلم، ثم قال: إن رسول الله (قال: "
لا تتخذوا قبري عيداً، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر؛ لعن الله اليهود اتخذوا
قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا عليّ - فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم ".
(1/112) أن يتذكر
بزيارته الآخرة، وأن يسلم عليهم، ويدعو لهم بالمأثور من الدعاء الذي كان
يعلم النبي (أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا قبالتهم: " السلام عليكم
أهل الديار، من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، فنسأل
الله لنا ولكم العافية أنتم لنا سلف ونحن بالأثر ". وإن قرأ شيئاً من
القرآن وأهداه إليهم فهو حسن.
(1/113) الواردة
في النهي عن ذلك. ولا ريب في القطع بتحريمه لما بينت في صحيح مسلم عن
جندب ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله (قبل أن
يموت بخمس يقول: " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله
تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي
خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور
أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد. إني أنهاكم عن ذلك
".
(1/114) مساجد "
قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً، متفق عليه.
(1/115) الوارد في
ذلك.
(1/116) وقد نص
النبي (على العلة بقوله: " اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد " ويقول: " إن
من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، فلا تتخذوا القبور مساجد، ولا
تجلسوا عليها " الحديث المتقدم. وأخبر (أن الكفار " كانوا إذا مات فيهم
الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شر
الخلق عند الله يوم القيامة " فجمع (بين التماثيل وبين القبور. وأيضاً
فإن الّلات كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح كان هناك يلت السويق
بالسمن ويطعمه للحاج، فلما مات عكفوا على قبره. وقد ذكروا أيضاً أن وداً،
وسواعاً، ويغوث، ويعوق، ونسراً، قوم صالحون كانوا بين آدم ونوح عليهما
السلام، وكان لهم اتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أتباعهم: لو صورنا
صورهم. فلما مات الأتباع، وجاء بعدهم قوم آخرون، أتاهم إبليس، فقال: إنما
كان أولئك يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر. فعبدوهم. وذكر ذلك محمد بن جرير
الطبري بسنده. وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع (هي التي
(1/117) أوقعت
كثيراً من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه. ولهذا تجد أقواماً
كثيرة من الضالين يتضرعون عند قبر الصالحين، ويخشعون، ويتذللون،
ويعبدونهم بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله المساجد، بل ولا في
الاسحار بين يدي الله تعالى، ويرجون من الصلاة عندها والدعاء ما لا
يرجونه في المساجد التي تشد إليها الرحال.
(1/118) كما أمر
الله تعالى بقوله: (فإياي فاعبدون) ، وقال تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه
فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) . فلا تعبد إلا إياه ولا
تدْعُ إلا هو، ولا تستعن إلا به، فإنه لا مانع ولا معطي ولا مضارّ ولا
نافع إلا هو سبحانه وتعالى، لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب.
(1/119)
بدع الأعياد
والمناسبات والمواسم
(1/120) أنه قال:
" لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة ".
(1/121) فظاهره
التحريم.
(1/122)
النهي عن
التشبه بالكافرين
(1/123) فهذا
الحديث أقر أحوالاً تقتضي تحريم التشبه بهم.
(1/124) وقد شرط
عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا يظهروا أعيادهم في بلاد
المسلمين، فإذا كانوا ممنوعين من إظهار أعيادهم في بلادنا، فكيف يسع
المسلم فعلها؟ هذا مما يقوي طمعهم وقلوبهم في إظهارها، وإنما منعوا من
ذلك لما فيه من الفساد، إما لأنه معصية، وإما لأنه شعار الكفر. والمسلم
ممنوع من ذلك كله. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اجتنبوا أعداء الله
في دينهم، فإن السخط ينزل عليهم. فموافقتهم في أعيادهم من أسباب سخط الله
تعالى لأنه إما محدث وإما منسوخ.
(1/125) لهم فيه
من أعظم المنكرات. فكل ما يتشبهون بهم من عبادة أو عادة، فهو من المحدثات
والمنكرات. وقد مدح الله عز وجل من لم يشهد أعيادهم ومواسمهم ولم يشاركهم
فيها بقوله: (والذين لا يشهدون الزور) ، قال مجاهد والضحاك والربيع بن
أنس: هو أعياد المشركين. وقال ابن سيرين: هو الشعانين. وتقدم قوله) : "
خالفوا المشركين " وقال: " من تشبه بقوم فهو منهم ".
(1/126) فجعلنا
الله منهم بمنه وكرمه إنه جواد كريم.
(1/127)
فصل
(1/128) وما أحسن
ما قال ولي الله أبو سليمان الداراني رحمه الله: ليس لمن ألهم شيئاً من
الخيرات أن يعمل به حتى يسمعه من الأثر، فإذا سمعه من الأثر عمل به، وحمد
الله تعالى حين وافق ما في قلبه.
(1/129) وعن عقبة
بن عامر رضي الله عنه قال: " ثلاث ساعات كان رسول الله (ينهى أن نصلي أو
نقبر فيهم موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم
الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف للغروب حتى تغرب " أخرجه مسلم.
(1/130) وعن ابن
عمر: أنه رأى رجلاً يصلي بعد الجمعة في مقامه ركعتين، فدفعه.
(1/131) وعن كعب
بن مالك: أن رسول الله (بعثه وأوس بن الحارث في أيام التشريق، فناديا أنه
لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام منى أيام أكل وشرب. رواه مسلم، ورواه
الإمام أحمد بنحوه عن سعد بن أبي وقاص.
(1/132) وعن أبي
هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله) : " لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام
الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون صوماً
يصومه أحدكم " رواه مسلم.
(1/133)
صلاة الرغائب
(1/134) أبو محمد
المقدسي قال: لم يكن عندنا في بيت المقدس قط " صلاة الرغائب " هذه الليلة
تصلى في رجب وشعبان، وأول ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة،
قدم علينا في بيت المقدس رجل من " نابلس " يعرف بابن أبي الحمرا، وكان
حسن التلاوة، فقام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، فصلى خلفه
رجل، ثم انضاف إليهما ثالث ورابع، فما ختمها إلا وهم جماعة كثيرة، ثم جاء
في العام الثاني، فصلى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد الأقصى هذه الصلاة،
وانتشرت في بيوت الناس ومنازلهم، ثم استقرت من ذلك الزمان كأنها سنة إلى
يومنا هذا، فقيل لذلك الرجل الذي أحدثها بعدما تركها: إنا رأيناك تصليها
في جماعة؟ قال: نعم وأستغفر الله منها.
(1/135) ولكن على
الانفراد ومن غير جماعة. واتخاذ الناس لها ولليلة الرغائب موسماً وشعاراً
بدعة مكروهة، وما يزيدونه فيها على الحاجة والعادة من الوقيد ونحوه فغير
موافق للشريعة.
(1/136) الثاني:
مخالفة سنة السكون في الصلاة بسبب عد التسبيحات، وعدّ سورة القدر،
والإخلاص، في كل ركعة، ولا يتأتى ذلك إلا بتحريك الأصابع في الغالب. وقد
ثبت في الصحيحين: أن النبي (قال: " اسكنوا في الصلاة ".
(1/137) تعالى
بالسجود إلا في الصلاة أو بسبب خاص: من سهو أو قراءة سجدة، وفي سجدة
الشكر خلاف، استحبها الشافعي وأحمد رحمهما الله، وكره ذلك النخعي ومالك
وأبو حنيفة رحمهم الله. قال الفقيه أبو محمد: لم ترد الشريعة بالتقرب إلى
الله تعالى بسجدة منفردة لا سبب لها، فإن القرب لها أسباب، وشرائط،
وأوقات، وأركان، لا تصح بدونها. ويكره إفراد رجب بالصوم. قال الشافعي
رحمه الله.
(1/138) كراهية
صومه عن جماعة من الصحابة، منهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. وكان عمر
رضي الله عنه يضرب بالدرة صوامه فإن قيل: هو استعمال خير؟ قيل له:
استعمال الخير يجب أن يكون مشروعاً من رسول الله (، فإذا علمنا أنه كذب
على رسول الله (خرج عن المشروعية، وإنما كانت تعظمه مضر في الجاهلية، كما
قال عمر رضي الله عنه، وضربه أيدي الذين يصومونه. وكان ابن عباس رضي الله
عنهما حبر القرآن يكره أيضاً صيامه. وروى أبي بكر الطرطوشي بإسناده عن
عمر رضي الله عنه أنه كان يضرب أيدي الرجبيين الذين كانوا يصومون رجباً
كله.
(1/139) وروى ابن
وضاح عن زيد بن أسلم قال: ما أدركت أحداً من أصحابنا ولا فقهائنا يلتفتون
إلى ليلة النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول، ولا يرون لها
فضلاً على ما سواها، وقيل لابن أبي مليكة: إن زياداً النهري يقول: إن أجر
ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر. فقال: لو سمعته وبيدي عصاً لضربته
بها. وكان زياد قاصاً. قال الحافظ أبو الخطاب: قال أهل التعديل والجرح:
ليس في فضل النصف من شعبان حديث صحيح.
(1/140) به من
سلطان.
(1/141) في الحديث
المختص بها الذي فيه صلاة الألفية هذا الحديث لا شك أنه موضوع، والحديث
محال قطعاً، قال: وقد رأينا كثيراً ممن يصلي هذه الصلاة يتفق له قصر
الليل، فينامون عقبها عن صلاة الصبح، ويصبحون كُسالى والحديث الوارد في
فضلها ضعيف كما تقدم، وما يترتب في هذه الليلة بسبب الوقيد لأجل هذه
الصلاة من الفسوق والمعاصي وكثرة اللغط والخطف والسرقة وتنجيس مواضع
العبادات وامتهان بيوت الله كل ذلك سببه الاجتماع للتفرج على كثرة الوقيد
سببه تلك الصلاة المبتدعة المكروهة، وكل بدعة ضلالة، وكل اجتماع يتكرر
بتكرر الأسابيع والشهور والأعوام غير الاجتماعات المشروعة هو المبتدع،
ففرق بين ما يفعل من غير ميعاد وبين ما يتخذ سنة وعادة؛ فإن ذلك يضاهي
المشروع وقد كره ابن مسعود وغيره من الصحابة اعتياد الاجتماع في مكان
مخصوص، وهو المنصوص عن أحمد أنه، قيل له: تكره أن يجتمع القوم يدعون الله
تعالى ويرفعون أيديهم؟ فقال: ما أكره للإخوان إذا لم يجتمعوا على عهد إلا
أن يكثروا. وأصل هذا أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات حتى
تصير سنناً ومواسم، قد شرع الله منها ما فيه كفاية المتعبد، فإذا أُحدث
اجتماع زائد كان مضاهاة لما شرعه الله تعالى وسنة رسوله، وفيه من المفاسد
ما تقدم التنبيه عليه، بخلاف ما يفعله الرجل وحده أو الجماعة المخصوصة
أحياناً، أو نحو ذلك يفرق بين الكبير الظاهر، والقليل الخفي، والمعتاد
وغير المعتاد، وكذلك كل ما كان مشروع الجنس، لكن البدعة فيما اتخاذه عادة
لازمة حتى يصير كأنه واجب.
(1/142)
فصل
(1/143) يتخلفون
في بيوتهم عشية عرفة، ثم قال: ولا أحب الرجل العالم أن يقعد في المسجد
تلك العشية إذا أرادوا أن يقتدوا به وليقعد في بيته.
(1/144) فيتداعى
الأمر إلى أن يدخل في الدين ما ليس منه. وقد جاء هذا الذي كرهوه، فإنه قد
حدث في بعض أهل المشرق والمغرب التعريف عند خير من يحسن الظن به،
ويجتمعون الاجتماع العظيم عند قبره. وهذا نوع من الحج المبتدع الذي لم
يشرعه الله تعالى، واتخاذ القبور أعياداً.
(1/145) وفسرهما
حرفاً حرفاً، كان على هذا الوجه: فسرّ الناس القرآن واجتمعوا إليه لسماع
العلم، فقيل: علاف ابن عباس بالبصرة لاجتماع الناس إليه فأقرأ التعريف في
الأمصار يجتمعون يوم عرفة، قال الأثرم: سألت أحمد بن حنبل رحمه الله عن
التعريف في الأمصار، يجتمعون يوم عرفة فقال: أرجو أن لا يكون به بأس، قد
فعله غير واحد كالحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع، كانوا يشهدون المسجد يوم
عرفة. وفي رواية: قال أحمد: لا بأس به إنما هو دعاء وذكر الله. فقيل له:
تفعله أنت؟ قال لا.
(1/146) فصل
(1/147) الجاهلية
أقرب. ثم فوتوا على أنفسهم صوم هذا اليوم مع ما فيه من الفضل. وأحدث بعض
الناس في هذا اليوم أشياء مبتدعة: من الاغتسال، والاختضاب، والكحل،
والمصافحة. وهذه أمور منكرة مبتدعة، مستندها حديث مكذوب على رسول الله (.
وإنما السنة صوم هذا اليوم لا غير. وقد روى في فضل التوسعة فيه على
العيال حديث ضعيف، قد يكون سببه الغلو في تعظيمه من بعض النواحي لمقابلة
الرافضة، فإن الشيطان يريد أن يحرف الخلق عن الصراط المستقيم، ولا يبالي
إلى أي الجهتين صاروا، فينبغي للمبتدعين اجتناب المحدثات بالأصالة.
(1/148)
فصل
(1/149)
بدع الكلام
والمشي
(1/150) معناه
الرفق والتثبت، وهو معنى قوله: (يمشون على الأرض هوناً) والمحمود من ذلك
ترك العجلة المفرطة، وترك التكاسل والتثبيط والتماوت، ولكن بين ذلك.
(1/151) المدني عن
الزهري عن سالم نحوه. قال: قلت: يا أبا بكر ما تعني بذلك؟ قال: لم يكونا
موحشين ولا متماوتين.
(1/152) وقال
سفيان الثوري: سيأتي أقوام يخشعون رياء وسمعة، وهم كالذئاب الضواري،
غايتهم الدنيا، وجمع الدراهم من الحلال والحرام.
(1/153) عامة
جلوسه متربعاً خاشعاً، وإذا كان خارج بيته لم يبن منه شدة خشوع كما كان
في بيته.
(1/154) وأخرج
الحافظ أبو القاسم في تاريخه، عن محكول، عن رسول الله (أنه قال: " لا
تكونوا عيّابين، ولا مداحين، ولا طعانين، ولا متماوتين ".
(1/155) يستقبلني
إنسان فيسألني عن شيء. فقلت: لكن عمر كان شديد الوطء على الأرض له صوت
جهوري.
(1/156) بالانبساط
بين العوام، فإن ذلك يؤذيهم، فقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا
ذكرتم العلم فاكظموا عليه ولا تخلطوه بضحك فتمجه القلوب.
(1/157) أمر دينه
دارت حماليق عينيه كأنه مجنون.
(1/158)
بدع التبتل
والانصراف عن الدنيا
(1/159)
الترهيب من
التبتل
(1/160) من النساء
".
(1/161) وقال أبو
بكر المروزي: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول: ليس
العزوبة من أمر الإسلام في شيء، النبي (تزوج أربع عشرة مرة ومات عن تسع،
لو كان بشر الحافي تزوج كان تم أمره كله. ولو ترك الناس النكاح لم يغز،
ولم يحج، ولك يكن كذا. وقد كان رسول الله (يصبح وما عند أحد من أهله شيء،
وقد كان يختار النكاح، ويحث عليه، وينهى عن التبتل. فمن رغب عن فعل النبي
(فهو على غير الحق. ويعقوب عليه السلام في حزنه تزوج وولد له.
(1/162) دينار
أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين،
ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك ".
(1/163) أنه (كان
ينبسط إلى نسائه ويسابق زوجته عائشة، أكان هذا خارجاً عن الأنس بالله؟
هذه جهالات بالعلم.
(1/164) الله
تعالى للملائكة قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده،
فيقولون: نعم فيقول الله تعالى: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع "
أي قال الحمد لله أنا لله وإنا إليه راجعون "، فيقول الله تعالى: ابنوا
لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد ".
(1/165)
فصل
(1/166) وروى
الترمذي أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله (قال: " فقيه أشد
على الشيطان من ألف عابد ".
(1/167) فإنه يلبس
عليهم في فنون التعبد أشياء يعتقدونها فضيلة أو أفضل من غيرها وهي بخلاف
ما يظنون، منها: إيثارهم التعبد على العلم، والعلم أفضل من نوافل
العبادات؛ فيرون أن المقصود من العلم العمل وما فهموا من العلم إلا عمل
الجوارح، وما علموا أن العمل عمل القلب، وعمل القلب أفضل من عمل الجوارح.
(1/168) ينفعني
الله به، فقال: أكتب إن استطعت أن تلقى الله وبيدك المحبرة فافعل، فقال:
يا أبا محمد، أفدني فائدة، فقال: الدنيا كلها جهل إلا ما كان علماً،
والعلم كله حجة إلا ما كان عملاً، والعمل موقوف إلا ما كان على السنة،
وتقوم السنة على التقوى.
(1/169) وقال أبو
عقيل: جعلت الصوفية الشريعة اسماً وقالوا: المراد منها الحقيقة، قال:
وهذا قبيح لأن الشريعة ما وضعه الحق لمصالح الخلق وتعبداتهم، فما الحقيقة
بعد هذا سوى واقع في النفوس من إلقاء الشياطين؟ وكل من رام الحقيقة من
غير الشريعة فمغرور ومخدوع، ومنها أن يدخل عليهم الشيطان لجهلهم، فيقول
لهم: اعلموا أنكم لن تنجوا في الآخرة إلا بكثرة العمل، وترك الدنيا، وترك
الاشتغال. فيخرج أحدهم على وجهه ويفارق الجمعة والجماعة والعلم. وربما
كانت له عائلة أو والدة فبكت لفراقه. وربما أنه لم يعرف أركان الصلاة كما
ينبغي. وهذا لقلة علمه ورضاه عن نفسه بما يعلمه. وهذا خطأ عظيم فإن
مفارقة الجمعة والجماعة حرام وخسران ظاهر، وتعلم العلم فرض، والبعد عن
العلم والعلماء يقوي سلطان الجهل، وتضييع المال منهي عنه؛ والدنيا لا تذم
لذاتها، وكيف يذم ما منّ الله تعالى به وما هو ضرورة في بقاء الآدمي وسبب
في الإعانة على تحصيل العلم والعبادة، وإنما المذموم على طلب الدنيا أخذ
الشيء من غير حلم، وتناوله على وجه السرف، لا على مقدار الحاجة، وتصرف
فيه بمقتضى رعونات النفس، لا بإذن الشرع. والخروج إلى الجبال منفرداً
منهي عنه، قال بعض السلف خرجنا إلى جبل نتعبد فيه فجاءنا سفيان الثوري،
فردّنا.
(1/170)
فصل
(1/171) اتباع
الشارع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحابته أولى ولم يكونوا يتكلفون
شيئاً إن حضر طعام شهي أكلوا وحمدوا الله تعالى، وإن لم يحضر شيئاً
صبروا.
(1/172) مر عبد
الله بن سلام وعلى رأسه حطب، فقال له ناس: ما يحملك على هذا وقد أغناك
الله؟ قال: أردت أن أدفع به الكبر، وذلك أني سمعت رسول الله (يقول: " لا
يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ". وكان عادة السلف رضي الله
عنهم التبذل في شراء الحاجة وغيرها وقد تغيرت تلك العادة كما تغيرت تلك
الأحوال والملابس.
(1/173) وقال أبو
بكر رضي الله عنه للتي رآها نذرت أن تحج مصمته: تكلمي فأن هذا لا يحل،
هذا من عمل الجاهلية.
(1/174) كان في
ثوبه رقاع، وأن أويس القرني كان يلتقط الرقاع من المزابل، ثم يغسلها،
ويرقعها ويلبسها. فاختار المرقعات فلبسها لذلك، وقد أبعد، فإن رسول الله
(وأصحابه كانوا يؤثرون، البذاذة ويعرضون عن زينة الدنيا، وكان أكثرهم
يفعل ذلك بسبب الفقر كما روي عن مسيلمة بن عبد الملك أنه دخل على عمر بن
عبد العزيز وعليه قميص وسخ، فقال: لامرأته فاطمة: اغسلي قميص أمير
المؤمنين، فقالت: والله ماله قميص غيره.
(1/175)
التحذير من
هؤلاء الأدعياء
(1/176) رجلاً قال
للشبلي: قد وجدت جماعة من أصحابك وهم في الجامع، فمضى فرآهم عليهم
المرقعات والفوط، فأنشأ يقول: وهذه البهرجة لا تخفى إلا على غبي في
الغابة.
(1/177) وفي الباب
عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما. وهذا الذي يستحبه أهل العلم. ولا
تنكر لباس المصبغ لأن لبسه جائز، وقد كان روي أنه كان يعجبه الحبرة إنما
المسنون البياض، وأما الفوط والمرقعات، فإنه لباس شهرة وقد نهى النبي (عن
الشهرتين، فقيل يا رسول الله، وما الشهرتان؟ قال: " رقة الثياب، وغلظها،
ولينها، وخشونتها، وطولها، وقصرها؛ ولكن سداد بين ذلك واقتصاد ".
(1/178) وعن ابن
عمر: أنه رأى على ابنه يوماً قباء فقال: لا تلبس هذا؛ فإن هذا ثوب شهرة.
(1/179) وروى أحمد
بن منصور الهمداني بإسناده عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله) : "
إن الأرض لتحتج لربها من الذين يلبسون الصوف رياء ".
(1/180) أن النبي
(قال لعليّ رضي الله عنه: " لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر
النعم ".
(1/181)
ألوان من
البدع متفرقات
(1/182)
فصل
(1/183) وكرهه
الحسن، والنخعي، وابن جبير، وأحمد، وإسحق. وسمع ابن عمر قائلاً يقول ذلك،
فقال: لا غفر الله لك.. وإنما كرهوه لما فيه من التشويش على المشيعين
المتفكرين في المعاد.
(1/184) فصل
(1/185) فصل
(1/186) وروى أبو
داود أيضاً، عن معاذ بن أنس معناه، وزاد: ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فردّ عليه النبي (، وقال: " أربعون "، ثم
قال لنا: " هكذا تكون الفضائل ".
(1/187) وروى
الترمذي رضي الله عنه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم،
قال: قال رسول الله) : " ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا
بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة
بالأكف ".
(1/188)
فصل
(1/189) فصل
(1/190) وقد روي
أن رجلاً من المؤذنين قال لابن عمر: " إني أحبك في الله، فقال له: لكني
أبغضك في الله، قال: لم؟ قال: لأنك تتغنى في الآذان وتأخذ عليه ".
(1/191) والثوم،
والبصل، وإنشاد الشعر فيها، والغناء والرقص؛ فمن غنى فيها أو رقص فهو
مبتدع، ضال مضل، مستحق للعقوبة.
(1/192)
فصل
(1/193) وروي عن
أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي) : أنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج، فقال:
" ما هذه الكوبة؟ ألم أنه عن هذا؟ لعن الله من فعل هذا ".
(1/194) أن رسول
الله (قال: " إن لله في كل يوم ثلثمائة وستين نظرة إلى خلقه ليس لصاحب
الشاه فيها نصيب "، وصاحب الشاه هو صاحب الشطرنج، وهو داخل في الميسر،
وهو القمار.
(1/195) الحيطان
بالحرير ونحوه.
(1/196)
فصل
(1/197) فصل
(1/198) فصل
(1/199) وقال علي
رضي الله عنه: " من كشف عورته أعرض الله عنه ".
(1/200) ما أسفل
من الكعبين من الإزار في النار ". وكان يقول: " من جر ثوبه من خيلاء لم
ينظر الله إليه ". وكان يقول: " أزرة المؤمن إلى أنصاف الساقين ". ودخل
شاب على عمر رضي الله عنه، فإذا إزاره يمس الأرض، فقال له عمر ارفع
إزارك؛ فهو أتقى لثوبك، وأتقى لربك. فتطويل الثياب شعار المتكبرين
والمرحين.
(1/201) ويروى في
كتب الله: عجباً لمن قيل فيه الخير وليس فيه خير فكيف يفرح؟! ولمن قيل
فيه السوء وهو فيه كيف يغضب؟! وأعجب من ذلك من أحب لنفسه وأبغض الناس على
الظن.
(1/202) ومحفوظ في
الأصلاب والأرحام، ومرعى يكلؤهم الله ويرعاهم، وهم رجاله في أرضه
وأولياؤه، والدعاة إليه، عاملين بكتاب الله، ومتبعين لسنة نبيهم؛ أولئك
الذين هدى الله فبهداهم اقتده. اللهم اهدنا بهداهم يا رب العالمين.
(1/203) فصل
(1/204) وقال رحمة
الله عليه: السنة سنتان: سنة أخذها هدى وتركها ضلالة، وسنة أخذها هدى
وتركها ليس بضلالة. وإن لله حقاً بالليل لا يقبله بالنهار، وحقاً بالنهار
لا يقبله بالليل، وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة، وإن العبد يحاسب
يوم القيامة بالفرائض؛ فإن جاء بها تامة أو لم يفردها كاملة ألحق بها
النوافل حتى يكمل بها، وأول الفرائض الانتهاء عن المحارم والمظالم؛ فإن
الله تعالى يقول في كتابه: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها
وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به) ، فنعم
والله ما وعظ به.. وقال تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) وإنما عنى
اتقوا الله في المظالم أن تنالوها فتنفقوها في أعمال البر.
(1/205) ما ينفعك
في آخرتك، فإن العمل عليك فريضة واجبة، وإنما فضل العلم ليتقى به، وقال:
إنما العلم خشية الله تعالى. وسئل رحمه الله: بم عرفت ربك؟ فقال: بفسخ
العزائم، ومنع الهمة. وقال: الصلاة والزكاة من الإيمان، والإيمان يزيد
وينقص، والناس عندنا مسئولون، والإيمان يتفاضل.
(1/206) لم يكن
ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. ثم قال: ولا ينفعك ما كتب حتى تصلي
الصلاة خلف كل بر وفاجر، قلت: في سائر الصلوات؟ قال: في الجمعة والعيدين،
ثم قال: وأن تشهد بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
من قال غير هذا فهو كافر. والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ثم قال
شعيب بن حرب: والله ما قالت القدرية ما قال الله تعالى، ولا ما قالت
الملائكة، ولا ما قال الأنبياء ولا ما قال أهل النار، ولا ما قال أهل
الجنة، ولا ما قال أخوهم إبليس، قال الله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه
هواه) الآية. وقالت الملائكة: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) .
(1/207) الإمام
الشافعي رضي الله عنه أوصى بها إلى أصحابه: أن يشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، لا نفرق بين أحد من رسله، وأن
صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا
أول المسلمين، وأن الله يبعث من في القبور، وأن الجنة حق والنار حق، وأن
عذاب النار حق، وأن الحساب حق والميزان والصراط حق، والله عز وجل يجزي
العباد بأعمالهم، عليه أحيا وعليه أموت، وعليه أبعث إن شاء الله تعالى،
وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله تعالى يُرى في الآخرة ينظر
إليه المؤمنون عياناً جهاراً ويسمعون كلامه، وأنه فوق عرشه، وأن القدر
خيره وشره من الله عز وجل لا يكون إلا ما أراد الله وقضاه وقدره، وأن خير
الناس بعد رسول الله) : أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم.
وأتولاهم، وأستغفر لهم، ولأهل الجمل وصفين القاتلين والمقتولين، وجميع
أصحاب النبي (، والسمع لأولي الأمر ما داموا يصلون والموالاة لهم، ولا
يخرج عليهم بالسيف والخلافة في قريش، وأن كل ما أسكر كثيرة فقليله حرام،
والمتعة حرام، وأوصي بتقوى الله عز وجل ولزوم السنة والآثار عن رسول الله
(وأصحابه وترك البدع والأهواء واجتنابها؛ فاتقوا الله ما استطعتم، وعليكم
بالجمعة والجماعة ولزوم السنة والإيمان والتفقه في الدين، من حضرني منكم
فليلقني لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله،
وتعاهدوا الأظفار والشارب، وإذا احتضرت فإن كانت عندي حائض فلتقم، وأن
تطيبوا وتدهنوا. هذه وصية الإمام الشافعي رضي الله عنه،
(1/208) وروى
الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف الهكاري، عن أبي شعيب وأبي
ثور، عن أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، قال: القول في السنة التي
أنا عليها، ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عليهم،
مثل سفيان بن عيينة، ومالك، وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله،
وأن محمداً رسول الله، وأشهد أن الجنة حق، وأن النار حق وأن الساعة حق لا
ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأؤمن بجميع ما جاءت به الأنبياء،
وأعقد قلبي على ما ظهر من لساني، ولا أشك في إيماني، ولا أكفر أحداً من
أهل التوحيد بذنب وإن عمل الكبائر، وأكلُهم إلى الله عز وجل وقدره
وإرادته خيره وشره جميعاً، وهما مخلوقان مقدران على العباد من الله عز
وجل، من شاء الله أن يكفر يكفر، ومن شاء أن يؤمن آمن، ولم يرض الله عز
وجل بالشر، ولا يأمر به، ولا يحبه، بل يأمر بالطاعة، وأحبها ورضيها، ولا
أنزل المحسن من أمة محمد الجنة بإحسانه، ولا المسئ بإساءته النار، خلق
الخلق على ما أراد، فكل ميسر لما خلق له؛ كما جاء في الحديث، وأعرف حق
السلف الذين اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، والأخذ بفضائلهم، وامسك عما شجر بينهم صغيره وكبيرهم، وأقدم
أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علياً رضي الله عنهم، فهم الخلفاء
الراشدون، وأعقد قلبي ولساني على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق،
والكلام في اللفظ والوقف بدعة، والإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وأؤمن
برؤية الله تعالى في الآخرة، كما جاء في الحديث عن رسول الله (،
(1/209) ولما سمعت
الله تعالى يقول في كتابه عن الكفار: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)
دل على أنهم حال الرضى عن المؤمنين غير محجوبين ينظرون إليه لا يضامون في
رؤيته، والشفاعة لأهل الكبائر من أمة محمد (، وأن المسح على الخفين في
الحضر والسفر جائز، والجهاد مع كل بر وفاجر، وصلاة العيدين والجمعة إلى
يوم القيامة، والبيع والشراء على حكم الكتاب والسنة، والدعاء لأئمة
المسلمين بالصلاح. هذه عقيدة أهل السنة والجماعة أحيانا الله وأماتنا
عليها، وجنبنا البدع ما ظهر منها وما بطن؛ إنه جواد كريم، ولا حول ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى، ونعم
النصير. تم وكمل ولله الحمد والمنة.
(1/210)
|
|