شبهات القرآنيين حول السنة النبوية
الكتاب: شبهات القرآنيين حول السنة النبوية شبهات
القرآنيين حول السنة النبوية
(1/1) ومنذ جاءت
الرسالة الخاتمة وأعداء الله لها بالمرصاد. وقد اتخذت العداوة لله ورسوله
ولدينه صورا مختلفة، وتلبست أشكالاً عديدة. ونحن نستطيع أن نجمل هذه
الصور والأشكال في نوعين اثنين. الأول، أعداء للإسلام أعلنوا عداءهم في
وضوح، ونابذوا المسلمين في جلاء. من أمثال الصليبيين والشيوعيين
والعلمانيين وأصناف الملاحدة بعامة، الذين أعلنوا عن إلحادهم، وهؤلاء
ضررهم قليل، وخطرهم معروف، لأن عداءهم معلن، وكفرهم سافر، فالمسلمون منهم
على حذر، ومن كيدهم ومكرهم على ترقب وتوجس. أما النوع الثاني، فهم
المنافقون الذين يظهرون غير ما يبطنون، يتدثرون بعباءة الإسلام، ويصطنعون
الحرص عليه، والدعوة إليه والعمل على وحدة الأمة، وبينما يعلنون ذلك
يسعون إلى تحقيق أغراضهم الخبيثة من القضاء على الإسلام عن طريق التشكيك
في مصادره الموحى بها من عند الله - عز وجل - وبخاصة السنة النبوية
المطهرة. وذلك بإثارة الشبهات ضد سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -
والزعم بأنها ليست من الدين، ولاصلة لها بالتشريع الإسلامي، ويزعمون أن
القرآن هو المصدر الوحيد للشريعة الإسلامية.
(1/2) الذين
يؤمنون بسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ويعملون بها ليسوا
قرآنيين، وأنهم اشتغلوا بالسنة وتركوا القرآن، - وأيضاً - حتى يجنبوا
أنفسهم المؤاخذة، ويقطعوا سبل الاعتراض عليهم، لأنه من ذا الذي يعترض على
طائفة أعلنت أنها تنتسب إلى القرآن وتتمسك به؟.
(1/3)
المبحث
الأول: التعريف بالسنة النبوية
(1/4) صلى الله
عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير، أو صفة خَلْقِية أو خُلُقية، سواء
كان ذلك قبل البعثة أو بعدها".
(1/5) وأما
علماء الفقه فيبحثون في السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي
لا تخرج أقواله وأفعاله عن الدلالة على حكم من الأحكام الشرعية. ومن هنا
كانت السنة عندهم هي: "ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أمراً غير
جازم". أو "ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير افتراض ولا
وجوب". أو "ما في فعله ثواب، وفي تركه ملامة وعتاب لا عقاب". وهي تقابل
الواجب وغيره من الأحكام الخمسة لدى الفقهاء - وقد تطلق السنة عندهم على
ما يقابل البدعة، فيقال: فلان على سنة إذا كان يعمل على وفق ما كان عليه
النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقال: فلان على بدعة، إذا عمل على خلاف
ذلك. ويطلق لفظ السنة عندهم - كذلك - على ما عمل عليه الصحابة - رضوان
الله عليهم - وجد ذلك في القرآن المجيد أو لم يوجد، لكونه اتباعاً لسنة
ثبتت عندهم، لم تنقل إلينا، أو اجتهاداً مجتمعاً عليه منهم أو من
خلفائهم. لقوله - صلى الله عليه وسلم: - "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء
الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ" (1) (2) .
(1/6) هذه
العلوم، فالحق أنها كلها في خدمة السنة النبوية وتيسير التعرف عليها
والعمل بها، ومن أشرف أهداف القائمين على هذه العلوم هو جمع السنة
النبوية وتمحيصها، وتنقيتها مما قد يكون دخيلاً عليها، ثم الدفاع عنها ضد
الشاغبين عليها، المعارضين لها، الساعين إلى طرحها والاقتصار في التشريع
الإسلامي على مصدر واحد هو القرآن العظيم.
(1/7)
المبحث
الثاني: مكانة السنة النبوية من التشريع وأدلة حجيتها
(1/8) ما جاء به
القرآن الكريم من الآيات البينات التي تشهد وتصرح بأن السنة وحي من عند
الله - سبحانه- إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ثم الآيات التي تصرح
بوجوب طاعته- صلى الله عليه وسلم - ووجوب حبه، ووجوب اتباعه، ووجوب
الاحتكام إليه والتسليم له في كل ما يحكم به، لنا كان الحكم أو علينا،
إلى غير ذلك.
(1/9) مِنْهُمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (البقرة:127- 129)
. فهذا الدعاء من إبراهيم وإسماعيل - على نبينا وعليهما الصلاة والسلام -
لقي القبول عند الله - سبحانه - فكان من قدره - عز وجل - أن جعل من
ذريتهما تلك الأمة المسلمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، ثم بعث فيها
رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة.
(1/10) رسوله -
صلى الله عليه وسلم - وحتم على الناس إتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول
فرض إلا لكتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم....." (1)
.
(1/11) يتقول
عليهم، وأن كل ما ينطق به النبي قولاً، أو يأتيه فعلاً. إنما هو من وحي
الله - تعالى - إليه. يقول العلماء: لقد أخبر الله - عز وجل - بأن رسوله
- صلى الله عليه وسلم - لو تقول في الدين قولاً لم يوح - الله تعالى - به
إليه لأهلكه الله - سبحانه - وحيث إن الله - تعالى - لم يهلك نبيه، فلم
يأخذ منه باليمين، ولم يقطع منه الوتين - نياط القلب - بل سانده وأعانه،
وأيده ونصره، وأظهره على أعدائه هو وأصحابه الذين آمنوا به واتبعوه، فإن
ذلك دليل قاطع على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقل أو يفعل
أو يقر شيئاً إلا بوحي من الله - سبحانه وتعالى- (1) .
(1/12) رسول الله
- صلى الله عليه وسلم- وما يحرم بسنته هو مثل ما يحرم بقرآن الله - تعالى
- كلاهما وحي من عند الله - سبحانه.
(1/13) القرآنية
التي توجب وتأمر بطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتجعل طاعته -
صلى الله عليه وسلم - فيما يأمر وما ينهى فيصلا بين الإيمان والكفر،
والنجاة والهلاك. قد قلنا إن ذلك مرتب على ما سبق بيانه في الفقرة
السابقة من أن السنة وحي من عند الله - تعالى - إذ لو لم تكن كذلك، وكان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينطق عن الهوى - حاشاه - لما أمرنا
الله - تعالى - باتباعه وطاعته في كل ما يأمر وما ينهي، كما سيبين لنا من
الآيات الدالة على ذلك - بحول الله تعالى -. وإن الناظر في كتاب الله
المجيد يراه قد أمر بطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آيات
كثيرة وبصيغ متنوعة عديدة.
(1/14) فهذه
الآية تأمر المؤمنين بأن يأخذوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل
ما يأتيهم به، يستوي في ذلك ما كان قرآناً أو سنة، وكذلك أن ينتهوا عن كل
ما نهاهم عنه، ثم توعدت المخالفين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بالعقاب الشديد.
(1/15) مقياس
لطاعة الله - عز وجل - ومن ذلك قول الله - تبارك وتعال-: {وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ} (النور:56) .
(1/16) عن زيف ما
يزعمون من الإيمان بالله ورسوله، وأن ذلك نفاق وكفر، وتبين عن دليل ذلك
وهو الإعراض عن الاحتكام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرضا
بحكمه، ثم تكشف عن دخائل نفوسهم من عدم الإيمان بالله والاطمئنان إلى حكم
رسوله، ثم تبين - بالمقابل - موقف المؤمنين وهو السمع والطاعة لله
ورسوله، ثم تختم المقام بأن الفوز والنجاة إنما هما لمن يطيع الله
ورسوله.
(1/17) 4- القرآن
العظيم معجز للبشر، وترتب على ذلك أن الله - تعالى - تحدى البشر، بل
والجن أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه، والسنة ليست كذلك.
(1/18) الأحكام
الشرعية، ولبيان ذلك نقول: من المعلوم أنه لا نزاع في أن الكتاب يمتاز عن
السنة ويفضل عنها في أن لفظه منزل من عند الله - سبحانه وتعالى - متعبد
بتلاوته، معجر للبشر أن يأتوا بمثله، بخلافها، فهي متأخرة عنه في الفضل
من هذه النواحي، لكن ذلك لا يوجب التفضيل بينهما في الحجية، بأن تكون
مرتبة السنة متأخرة عن الكتاب، ويعمل به وحده، وإنما كان الأمر كذلك - أي
مماثلة السنة للكتاب في مرتبة الحجية - لأن حجية الكتاب إنما جاءت من
كونه وحياً من عند الله - سبحانه - والسنة مساوية للقرآن من هذه الناحية
فهي مثله" (1) .
(1/19) ثالثاً:
أن من رفض سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو شغب عليها، أو رفض
أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو نهيه، أو رفض الاحتكام إلى رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يعرض له أو لم يقبل حكمه، كل من يفعل
ذلك أو شيئاً منه يُعَدُّ فاسقاً عن الملة غير مؤمن، فإن الله - تعالى -
قد جعل كل ذلك علامة الإيمان، ورفض ذلك أو شيء منه، آية الكفر والنفاق،
وذلك في آياته البينات.
(1/20)
المبحث
الثالث: الجذور التاريخية لمنكري السنة وأشهر طوائفهم
(1/21) {فَلا
وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء:65) .
(1/22) أما
الشيعة والخوارج فكلتا الطائفتين شغبت على السنة النبوية المطهرة
وأنكرتها، لكن الشيعة لم يقبلوا من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا
القليل الذي نُقل إليهم عن طريق من يدين بعقيدتهم في الإمامة ويشايع آل
البيت - فيما يزعمون - ولو أننا عرفنا أنهم لم يوالوا من الصحابة - رضوان
الله عليهم - إلا بضعة عشر صحابياً هم فقط الذين رضي عنهم الشيعة وأخذوا
عنهم، لأدركنا ذلك القدر الضئيل من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -
الذي قبله الشيعة (الرافضة) وعملوا به، وذلك الكم الهائل من السنة
النبوية التي رفضوها وأنكروها لأنها أتت عن جمهرة الصحابة الذين لا يرضى
عنهم الشيعة، فالشيعة - إذن - رفضوا السنة لأنهم طعنوا في عدالة الصحابة
- رضوان الله عليهم - لأنهم بايعوا أبا بكر - رضي الله عنه - خليفة لرسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبايعوا عليا الذي كان هو الخليفة من
وجهة أنظار الشيعة، والشيعة منهم معتدل وغال، فالمعتدلون فسقوا الصحابة -
رضي الله عنهم - والغالون كفروهم - عياذاً بالله - ولم يستثن الشيعة من
ذلك سوى عدد يزيد قليلاً على أصابع اليدين. على أن الشيعة (الرافضة)
أضافوا إلى إنكارهم السنة - على الوضع الذي ذكرناه - إضافة جديدة جعل
جرمهم في هذا الباب مضاعفاً، ذلك أنهم لم يكتفوا بإنكار الحديث ورفض
السنة، وإنما لجأوا إلى وَضع ما أسموه أحاديث، ونسبوها إلى النبي - صلى
الله عليه وسلم - فألَّفوا كلاماً على هيئة أحاديث الرسول - صلى الله
عليه وسلم - في تعظيم أئمتهم، وتأكيد نحلتهم، وتأصيل معتقدهم، وأيضاً في
ذم مخالفيهم وعقائدهم. وقد كان لهذه الأحاديث المزعومة الموضوعة على رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - دور أصيل في حجية التشريع وأصول الدين
عندهم.
(1/23) أما
الخوارج فقد طعنوا في الصحابة - رضوان الله عليهم - بعد واقعة التحكيم
الشهيرة أثناء الحرب بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما - وبسبب واقعة
التحكيم طعن الخوارج في عدالة الصحابة - رضي الله عنهم - فمن الخوارج
مَنْ فَسَّقهم، وهم قلة لا تذكر، والأكثرون من طوائف الخوارج كفروا
الصحابة - عياذاً بالله - بل منهم من جعلهم كالمشركين في الحرب والسبي
وعدم قبول الجزية. إلى آخر تلك الآراء التي تدل على انحراف حاد عن جادة
الإسلام، وقد دفع بهم إنكار السنة والرغبة الملحة عندهم في مخالفة جماعة
المسلمين إلى العدوة القصوى بعيداً عن الإسلام، فافتروا على الله ورسوله
وجماعة المسلمين، وتباروا في تكفير الأمة بأنواع من الكفر، فجمهرتهم يرون
أن دار مخالفيهم دار حرب، يقتل فيها النساء والأطفال وأن جميع المسلمين
كفار مثل كفار العرب، لا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل.
(1/24) أنكروا
الرجم والمسح على الخفين لأنهما ليسا في القرآن، وقطعوا يد السارق في
القليل والكثير لأن الأمر بالقطع في القرآن مطلق، ولم يقبلوا الرواية في
نصاب القطع ولا الرواية في اعتبار الحرز فيه " (1) .
(1/25) يأخذ أو
يدع في شؤون الحياة جميعها، ثم أين نجد كل هذا في القرآن المجيد؟ وأين
يجده هؤلاء الذين يزعمون أنهم يكتفون بالقرآن وحده دون السنة النبوية
المشرفة؟
(1/26) وما كان
تقريراً، ويعدون أقواله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله مثل أقوال الناس
وأفعالهم لا صلة لها بالدين من قريب أو من بعيد.
(1/27) المبحث
الرابع: التعريف بطائفة القرآنيين، وعوامل نشأتهم
(1/28) فيه، حتى
إذ اشتهر أمرهم، والتف الناس حولهم. بدؤوا ينفذون خطة الإنجليز، التي
رسموها لهم، وبدؤوا ببذر بذور الشك في عقيدة الإسلام، ثم في شريعته، ثم -
وتحت دعواهم الحرص على الإسلام - يبثون سمومهم، فمنهم من يدعي النبوة
مثل: " ميرزا غلام أحمد القادياني " - لعنه الله - ومنهم من يدعي حب رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فيخلع على النبي - بهذه الحجة - بعض صفات
الله سبحانه، وذلك مثل "أحمد رضا خان" ومنهم من يدعي أنه مجدد القرن مثل:
" أحمد خان " الذي أخلص للإنجليز إلى حد أن باع دينه، وضحى بأمته في
مقابل ولائه المطلق للإنجليز.
(1/29) أولاً:
السيد أحمد خان:
(1/29) وبالتالي،
يرجع إليه حركات ممالأة المستعمر الإنجليزي، ومهادنته، بل معاونته
وموالاته، والدعوة إلى السير في ركابه والاغتراف من ثقافته، والتمثل به
في الشؤون الحياتية كافة، يرجع كل هذا إلى هذا الرجل الذي قضى حياته في
خدمة الإنجليز، والدعوة إلى مسالمتهم ومعاونتهم، وقد اقتدى به الكثيرون
في ذلك مما جعل محنة الأمة بهذا الرجل أعم وأطم.
(1/30) الغابات
والصحاري والذين يزاولون أنشطتهم في ظلام الليل فلا يراهم أحد، كما أول
الشياطين بأن المراد بها شهوات النفس وأهواؤها، وكان اعتماده هذا المنهج
الذي يخالف أساليب اللغة العربية ودلالات ألفاظها قائماً على أساس جرم
آخر ارتكبه في حق الدين، وهو زعمه أن القرآن العظيم لم ينزل على رسول
الله محمد - صلى الله عليه وسلم - بألفاظه ومعانيه، بل إنه نزل بالمعنى
فقط، بمعنى أن الله - تعالى - قذف بمعاني القرآن في قلب محمد - صلى الله
عليه وسلم - ثم صاغها محمد - صلى الله عليه وسلم - في ألفاظ من عنده،
وبذلك جعل القرآن مثل السنة، في أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ألهم
معناه فقط، ثم صاغه هو بألفاظ من عنده. وهذا - وغيره - مما وقع فيه "أحمد
خان" تسبب في ثورة العلماء ضده، وفي رميهم إياه بالكفر، فكان هذا - من
جانب آخر - سببا في انفلات أمره، وانطلاقه في غواياته وضلالاته إلى
المنتهى الذي وصل إليه.
(1/31) الكثير
منها، ونسبة الكل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أفقد الثقة
في جميعها، وجعل الشك يشملها كلها.
(1/32) ب- أن
تكون هناك شهادة تثبت أن الكلمات التي أتى بها الراوي هي عين الكلمات
التي نطقها النبي فعلاً.
(1/33) ثانياً:
عبد الله جكرالوي:
(1/33) ويصبح في
رأس قائمة منكري السنة النبوية المطهرة. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى
أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (يوسف:21) .
(1/34) السبيل
السويّ في البحث عن الحق فيما يقابله من مثل هذا، ومن قبل ذلك سبق فيه
قدر الله - عز وجل - فأضله شيطانه، وأسلم قياده لهواه، وجاءت اللحظة التي
لم تكن مفاجئة له، ولكنها كانت مفاجئة للناس الذين عرفوه نصيراً للسنة،
فإذا هم يفاجؤون به عدوا للسنة، ومن قبل ذلك عدواً لله ورسوله والمؤمنين.
(1/35) جاءهم
لقمة سائغة، وصنيعة سهلة، وكان الرجل - من جانب آخر - يرفل في بحر من
الأموال والنفقات التي كان يحتاجها لطبع كتبه ومؤلفاته العديدة.
(1/36) وقد
اختاره المسيحيون - النصارى - لأداء هذه المهمة، فرفع صوته بإنكار السنة
كلها، وأخذ يدعو إلى هذا المشروع الهدام، فأخذت رسائل التأييد تصل إليه
من المبشرين المسيحيين - المنصرين - وتعده بالمساعدات المالية، وتشكره
على هذا المجهود الجبار " (1) .
(1/37) فما كان
من العلماء إلا أن أفتوا بكفره وفسوقه عن الإسلام. أفتى بذلك الكثرة
الكاثرة من علماء الهند بأقطارها كافة. ثم قامت المجلة "إشاعة السنة"
نفسها بنشر عشرات التوقيعات لعلماء الدين المشاهير في الهند الذين يعلنون
أن "عبد الله جكرالوي" كافر بالدين، مقطوع الصلة بالإسلام، خارج عن جماعة
المسلمين.
(1/38) ثالثاً:
أحمد الدِّين الأَمْرِتْسِرِي
(1/38) صلته
بالقرآنيين السابقين عليه:
(1/39) والقضاة
وغيرهم إلى جماعته، وحماستهم لنشر أفكاره بالكتابة والتأليف والنشر، كل
هذه العوامل جعلت المناخ مواتياً لنشر أفكار "خاجة أحمد الدين" وكثرة
أتباعه.
(1/40) رابعاً:
غلام أحمد برويز
(1/40) فمررت
بقوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ
عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} (الأحزاب:69) ، وقد ذكر القرآن تفصيل هذا
الإيذاء من عناد بني إسرائيل لموسى - عليه السلام - وطلبهم ما لا يحتاجون
إليه. غير أني وجدت في تفسير هذه الآية حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري
والترمذي من اتهام بني إسرائيل موسى بالبرص، وفرار الحجر بثيابه، وضرب
موسى الحجر بعصاه، فارتعدت فرائصي، واستغرقني التفكير، وتوالت عليَّ
الشبهات واحدة تلو الأخرى" (1) .
(1/41) فشغلته عن
مشكلات الإسلام، وعن الحركات الهدامة التي بدأت تنتشر على حساب الإسلام
وأمته، وعلى رأس هذه الحركات الهدامة حركة " القرآنيين " بعامة، وحركة
"البرويزيين" بخاصة. ومن المعروف أنه كان في أعضاء حكومة باكستان حين
الاستقلال، عدد لا بأس به "القاديانيين" على رأسهم " ظفر الله خان " وزير
الخارجية آنذاك، الذي حارب الإسلام ومكن للقاديانية، بل وساعد هو وقبيله
الحركات ضد الإسلام، وكان منها حركة القرآنيين، وقد وصل من محاربة هذا
الرجل القادياني للإسلام والمسلمين في بلد قام أصلاً على الإسلام، أن قام
المسلمون بباكستان بثورة عارمة يقودها العلماء لخلع هذا الرجل من وزارة
الخارجية، ولم يتم ذلك حتى قتل من المسلمين وعلمائهم المئات، وهو ثمن
زهيد في مقابل تنحية هذا الكافر المتعصب عن مكانه الخطير في الدولة
المسلمة.
(1/42) ومفصل،
وقد وضعوا بذلك أساس دينهم القائم على أن القرآن كافٍ وحده. أما "برويز"
فقد خطط كي يضمن السياسة والسياسيين إلى جانبه، وكي ينال تأييد أصحاب
الحكم والسلطان بباكستان. ومن ثم فقد وضع لهم مكانا متميزا في آرائه.
وكانت آراؤه تلك تقوم على أن القرآن قد شمل كليات الدين ومجمله، وأما
التفاصيل فهي متروكة لولىّ الأمر الذي يتولى سدة الحكم في بلده، فهو الذي
يتولى بيان المجمل، وتفاصيل التشريع، ومن سلطته التحليل والتحريم حسب ما
يراه ملائماً للظروف القائمة. وقد كان هذا النهج مرضيا تماماً للحكام
والمسؤولين، حيث أضفوا على برويز وجماعته حمايتهم، ومنحوه تأييدهم،
ومكنوا له، حيث استطاع نشر ضلالاته على نطاق واسع، وصار للبرويزيين وجود
محسوس على الساحة الباكستانية وغيرها من بلاد الهند وبعض البلاد الأوربية
التي يهاجر إليها الباكستانيون للعمل أو الدراسة.
(1/43) أن
الإسلام بريء منه؟ وقد تولى إجراء هذا الاستفتاء أركان المدرسة العربية
الإسلامية بكراتشي، فأفتى ما لا يقل عن ألف عالم من علماء الدين من
باكستان والهند والشام والحجاز بتكفيره وخروجه عن ربقة الإسلام" (1) .
(1/44)
طوائف
القرآنيين في الوقت الحاضر
(1/45) لا يزيد
على حجم الحجرة الواسعة، وهم يؤدون فيها صلاة الجمعة، وثلاث صلوات في كل
يوم حسب عقيدتهم، وكل صلاة ركعتان، وفي كل ركعة سجدة واحدة، وهم لا
يرفعون من الركوع، بل ينزلون منه إلى السجود مباشرة. وخطر هذه الطائفة
قليل نسبياً، كما أن الكثيرين من أتباعها قد انضموا إلى حركات أخرى مثل
حركة: "طلوع إسلام".
(1/46) ثانياً:
طلوع إسلام، ظهور الإسلام
(1/46) عليه من
ضلال رغبة في التخلص من حدود الله، وأحكام الشرع، وإشباعاً لشهواتهم دون
شعور بالحرج. وذلك ما تضمنه لهم أفكار "برويز". وهذا ما يفسر لنا كثرة
أتباعهم من الشباب ذكوراً وإناثاً، وكذلك من المثقفين المتأثرين بالثقافة
الغربية النصرانية.
(1/47) ثالثاً:
تحريك تعمير إنسانيَّت، حركة تثقيف الإنسانية
(1/47) هذه نبذه
موجزة عن رؤساء طائفة منكري سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشهر
دعاتها، ثم عن أشهر طوائفها التي آل إليها أمر الدعوة إلى تلك الضلالة
الكافرة الرادة أصحابها عن الإسلام، والتي تتسمى حركتهم: "القرآنيون".
(1/48) المبحث
الخامس: شبهات القرآنيين والرد عليها
(1/49) استدلوا
بالآيات التي وصف الله – تعالى – القرآن فيها بأنه "مبين" من مثل قول
الله - عز وجل - {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} (يس: 69) .
(1/50) إن القول
بهذه الشبهة يدل على جهل بالقرآن المجيد، وعدم فهم لآياته، بل يدل على
سوء قصد لدى القائلين بها. فإن الأمة مجمعة على أن القرآن العظيم قد
اشتمل الدين مجملاً في كثير من جوانبه وأحكامه، ومفصلاً في جوانب أخرى،
وقد جاءت السنة النبوية المطهرة فبينت المجمل وفصلته، والنبي - صلى الله
عليه وسلم - وهو يبين ويفصل إنما ينفذ أمر الله - تعالى - ويؤدي ما وكله
الله - تعالى - إليه من بيان القرآن المنزل على الخلق، تطبيقاً واستجابة
لأمر الله - عز وجل - في قوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:44) .
(1/51) تخرج منها
الزكاة، ومقدار كل نوع، وأين نجد أحكام الصيام؟ وأين نجد مناسك الحج؟ إن
الله - سبحانه - قد وكل بيان ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
الذي لا ينطق عن الهوى، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال:
"صلوا كما رأيتموني أصلي"، ولم يقل: كما تجدون في القرآن، لأن القرآن قد
خلا من تفصيل الأحكام وبيانها.
(1/52) كله،
وإنما أخذوا آية واحدة أو آيات وركزوا كلامهم فيها، وبنوا مذهبهم الفاسد
عليها، وتركوا القرآن المجيد كله بما فيه من آيات واضحات تتصل بالموضوع
اتصالاً مباشراً. ومن هنا فقد حملوا الآيات التي اختاروها ما لا تحتمل،
ووجهوا معناها الوجهات الخطأ التي أرادوها هم، وليس التي تنطق بها
الآيات، ومن البدهيات التي يعلمها عامة الناس - بله العلماء - أن القرآن
يفسر بعضه بعضا، وأن آياته إنما يفهم بعضها في إطار البعض الآخر، وأن
تفسير بعض الآيات بعيداً عن بقية الكتاب الكريم قد يكون خطأ يؤدي إلى
محظورين خطيرين، الأول: عدم فهم المراد من الآيات فهماً صحيحاً. والثاني:
أن يضرب القرآن بعضه ببعض، وأن تعارض بعض آياته بالبعض الآخر، وهذا جرم
عظيم، لا يرتكبه إلا مجرم أثيم، وهؤلاء قد اعتمدوا آية أو بضع آيات من
القرآن، ثم عزلوها عن بقية ما في القرآن المجيد من آيات بينات في نفس
الموضوع، ثم حملوها من المعاني مالا تحتمل، عن سوء قصد وتعسف. ولعل تفنيد
شبهتهم هذه يقتضينا - إلى جانب ما ذكرنا - توضيح معاني الآيات التي
استدلوا بها، حتى تبطل شبهتهم هذه بتمامها. وتنهار من أساسها.
(1/53) شَيْءٍ
ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} (الانعام:38) فالآية تتحدث عن عظيم
علم الله - تعالى - وإحاطته بكل شيء في الوجود من دواب وطيور وغيرها، وقد
شمل علم الله - سبحانه - كل شيء، وقدر ما يقع لكل منها، ثم إليه يحشر
الكل. وذلك كقوله - تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ
وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا
إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (الحديد:22) . فالكتاب الذي احتوى
كل شيء كان أو كائن أو يكون إنما هو اللوح المحفوظ - وعلى تفسير الكتاب
بأنه القرآن الكريم، فقد قال المفسرون أن معنى الآية إن الله - تعالى -
قد ضمن القرآن الكريم كل ما يحتاج إليه المكلفون من أوامر ونواه، وعقائد
وشرائع، وبشارة ونذارة. إلى غير ذلك، وليس معنى ذلك أنه لا يحتاج إلى
السنة المبينة له، فهو وحي، والسنة وحي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم
لا ينطق عن الهوى، وقد قال عنه ربه - سبحانه -: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم:3-4) . فالله - سبحانه
- الذي ضمن القرآن العظيم قضايا الدين وأصول الأحكام مجملة، هو - سبحانه
- الذي وجه الناس وأرشدهم إلى الطريق الذي يحصلون منه على تفصيل ذلك
المجمل وبيانه، وقد جاء التوجيه في القرآن نفسه فقد قال الله - عز وجل -:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (محمد: 33) ، وقال - تبارك
وتعالى-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانْتَهُوا} (الحشر: 7) . وغير ذلك آيات كثيرة تأمر المؤمنين بطاعة رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - والأخذ عنه. وبذلك يتضح معنى الآية الكريمة:
{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ، وأن الكتاب لو فسر بأنه
القرآن، فإن الله - تعالى - قد ضمنه كل شيء يحتاج إليه
(1/54) المكلف،
فما كان فيه من تفصيل كفى، وما كان فيه من إجمال، فقد وجه القرآن
المؤمنين إلى الطريق الذي يجدون فيه تفصيل ذلك المجمل، وهو رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - وبذلك يكون القرآن المجيد قد اشتمل كل شيء، وصدق
الله العظيم القائل: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .
(1/55)
الشبهة
الثانية:
(1/55) أسرى بدر،
حيث استحياهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يقتلهم، وأخذ منهم
الفداء، ونزل القرآن مبيناً خطأ ذلك الاجتهاد وإصابة اجتهاد عمر ورأيه في
المسألة. ورابعاً: اعتبار الصحابة - رضوان الله عليهم - أن السنة ليست
وحياً، وإقرارهم بذلك عملياً، وذلك حين خالفوا الرسول - صلى الله عليه
وسلم - في صلح الحديبية، حين ذبح وحلق، بينما رفضوا هم ذلك معتبرين ذلك
اجتهاداً من النبي، وليس وحياً، ولو اعتبروه وحياً ما خالفوا (1) .
(1/56) أولاً:
إخبار الله - تعالى - بذلك في نصوص قاطعة في آيات بينات من القرآن المجيد
الذي ينتسب إليه هؤلاء. من ذلك قوله - عز وجل - عن النبي - صلى الله عليه
وسلم -: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}
(النجم:3-4) . ومن ذلك قوله - عز وجل - عن نبيه - صلى الله عليه وسلم -:
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ
بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ
أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (الحاقة:44-47) . فهذه الآيات ليس فيها إخبار
بأن الرسول لا ينطق إلا بالوحي فقط، بل فيها إخبار بأنه - صلى الله عليه
وسلم - لو افترى على الله - تعالى - شيئاً لم يوحه الله إليه لقتله الله
وقضى عليه. وحيث إن الله - تعالى - لم يأخذ من رسوله باليمين، ولم يقطع
منه الوتين، أي لم يقض عليه، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما نطق
إلا بما أوحاه الله - تعالى - إليه.
(1/57)
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}
(النساء:65) . ومن ذلك وصف الله - تعالى - المؤمنين بأن شأنهم مع رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقولوا سمعنا وأطعنا، وذلك في قوله -
سبحانه -: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (النور:51) .
(1/58) رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - شيئاً في المسألة؟ فإذا جاءهم حكم رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - على لسان أصحابه أو بعضهم سارعوا إلى تطبيقه والأخذ
به.
(1/59) 2- وأما
ما أثاروه من منزل جيش المسلمين في غزوة بدر، فقد كان ذلك بناء على رأي
رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن ذلك عن وحي، وهذا بيِّن
واضح، فإنه لما سأله أحد أصحابه - رضي الله عنهم - قائلاً: "أهذا منزل
أنزلكه الله يا رسول الله، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - "بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، ولما أشار عليه
صاحبه بمنزل أفضل انتقل اليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكون ذلك
ليس عن وحي واضح. فلا يصح الاستشهاد به في مجال نفي الوحي فيما هو وحي.
(1/60) الْأَرْضِ
تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا
أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الأنفال:67-69) .
(1/61) صلى الله
عليه وسلم – نوعان: نوع يفعله بمقتضى بشريته - صلى الله عليه وسلم - دون
أن يوحى إليه فيه بشيء، وهذا النوع لا صلة له بالتشريع، وذلك في جل شؤونه
المعيشية التي لا يتعلق شيء منها بالدين حلاً أو حرمة ومن ذلك رأيه في
تأبير النخل. ونوع آخر يفعله - صلى الله عليه وسلم - بمقتضى كونه بشرا
رسولاً، وفعله هذا إنما يقوم على وحي من قبل الله - تعالى. والأمران
الأولان: تأبير النخل، ومنزل الجيش في بدر، من النوع الأول الذي فعله
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأيه. والأمر الثالث اجتهد فيه الرسول
- صلى الله عليه وسلم - رأيه وآراء محل مشورته من الصحابة - رضوان الله
عليهم - فنزل الوحي مصوباً ومبيناً الحكم الصحيح.
(1/62)
الشبهة
الثالثة:
(1/62) وهم
يزعمون أن لهم أدلة على ذلك. منها:
(1/63) الله -
تعالى - إلى الناس، فهي المصدر الثاني للتشريع بلا ريب. ولكنا نزيد الأمر
وضوحاً، ونرد على ما زعموه أدلة على شبهتهم تلك.
(1/64) كان ثمة
اختيار بين أيهما يكتب الصحابة العارفون الكتابة، فليكن المكتوب هو
القرآن، وذلك حتى يسلموه لمن بعدهم محرراً مضبوطاً تاماً لم يزد فيه ولم
ينقص منه حرف.
(1/65) ذلك ما
روي عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن بعض الصحابة حدثه فقال:
إنك تكتب عن رسول الله كل ما يقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم - بشر
يغضب فيقول ما لا يكون شرعاً، فرجع عبد الله إلى رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - فأخبره بما قيل له، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم:
"اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج من فمي إلا الحق" (1) . وهذه الروايات
في الصحيح، وهناك غيرها ضعيف وهي كثيرة. فإذا ما وازنا بين روايات المنع
وروايات الإذن، "وجدنا أبا بكر الخطيب - رحمه الله - (ت463هـ) قد جمع
روايات المنع فلم يصح منها إلا حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -
السابق ذكره، وقد بينا أن الإمام أبا عبد الله البخاري قد أعله بالوقف
على أبي سعيد، وكذلك فعل غيره" (2) . بينما أحاديث الإذن كثيرة. والصحيح
منها كثير، روينا بعضه، ومنها: إضافة إلى ما سبق أن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - قال في مرض موته: "ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا
بعده" (3) .
(1/66) ابن قتيبة
في تأويل مختلف الحديث، وقد قالوا إن النهي جاء أولاً خشية التباس القرآن
بالسنة، فلما أمن الالتباس جاء الإذن.
(1/67) 2- أما
قولهم إن الصحابة - رضوان الله عليهم - قد فهموا من النبي - صلى الله
عليه وسلم - أن السنة ليست شرعاً فانصرفوا عنها، ولم يهتموا بكتابتها أو
الالتزام بها، فهذا من الكذب والمكابرة، والمطلع على المدونات في كتب
السنة، وتاريخ العلوم، وما كتب العلماء في مواقف الأمة المسلمة من سنة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبخاصة موقف الصحابة - رضوان الله
عليهم - من سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقطع بكذب هؤلاء ويعجب
من مدى تبجحهم وافترائهم على الحق، إلى حد قلب الأوضاع وعكس الأمور. فقد
كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحرص الخلق على ملاحظة أقوال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وحفظها، والعمل بها، بل بلغ من
حرصهم على تتبع كل صغيرة وكبيرة وحفظها ووعيها والعمل بها أن كانوا
يتناوبون ملازمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا عمر بن الخطاب -
رضي الله عنه - يحدث عنه البخاري بسنده المتصل إليه. يقول: "كنت وجار لي
من الأنصار في بني أمية بن زيد - من عوالي المدينة - وكنا نتناوب النزول
على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل يوماً، وأنزل يوماً، فإذا
نزلت جئته بخبر ذلك اليوم، وإذا نزل فعل مثل ذلك" (1) وما كان ذلك إلا
لحرصهم الشديد على معرفة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتباعها
والالتزام بها. وقد كان الصحابة يقطعون المسافات الطويلة ليسألوا رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - عن حكم الله في بعض ما يعرض لهم. يروي
البخاري
(1/68) عن عقبة
بن الحارث - رضي الله عنه - أن امرأة أخبرته أنها أرضعته هو وزوجه فركب
من فوره من مكة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة. فلما بلغ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأله عن حكم الله فيمن تزوج امرأة لا
يعلم أنها أخته من الرضاع، ثم أخبرته بذلك من أرضعتهما؟ فقال له النبي -
صلى الله عليه وسلم - "كيف وقد قيل؟ " ففارق زوجه لوقته وتزوجت بغيره.
(1/69) فلما قضى
صلاته قال: "ما حملكم على إلقاء نعالكم"؟ قالوا: يا رسول الله رأيناك
ألقيت نعليك، فقال: "إن جبريل أخبرني أن فيهما قذرا" (1) .
(1/70) "صلوا كما
رأيتموني أصلي" (1) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل أمتي يدخلون
الجنة إلا من أبى" قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل
الجنة ومن عصاني فقد أبى" (2) . وقوله - صلى الله عليه وسلم - "أوصيكم
بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم فسيرى
اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها
وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل
بدعة ضلالة" (3) .
(1/71) 3- وأما
دعواهم بأن كبار الصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا يكرهون رواية
الحديث، وكان عمر - رضي الله عنه - (1) يتهدد رواة السنة، وأنه نفذ وعيده
فحبس ثلاثة من الصحابة بسبب إكثارهم من رواية السنة، فهذا كذب يضاف إلى
ما سبق من دعاواهم الكاذبة، وفيه جانب من التدليس الذي لا يخلو عنه
كلامهم.
(1/72) هؤلاء، أن
ذلك لأنهم كانوا يرون السنة غير شرعية، أو أنها ليست مصدراً تشريعياً.
(1/73)
الشبهة
الرابعة:
(1/74) المسلمين
ما لم يتركوا كتبهم الموضوعة في طاعة رسول الله" (1) ، ويقول "برويز" "قد
فاق تقديس هذه الكتب - كتب السنة - كل التصورات البشرية، مع أنها جزء من
مؤامرة أعجمية، استهدفت النيل من الإسلام وأهله، ثم يفسر تلك المؤامرة
ويبين القائمين بها فيقول" فما أصحاب الصحاح الستة إلا جزء من تلك
المؤامرة، لذا نجدهم جميعاً إيرانيين، لا وجود لساكن الجزيرة بينهم" (2)
.
(1/75) تبجح
وادعاء، ومكابرة، وقلب للأوضاع، ورمي للأبرياء بما فيهم من أدواء، كمثل
هذا الذي فعله منكرو السنة في شبهتهم هذه؟ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ
عَظِيمٌ} (النور:16) .
(1/76) صاحب رأي
من هذه الآراء يزعم أنها صلاة القرآن، وأما اختلافهم في جزئياتها من حيث
عدد الركعات والهيئة فحدث عنه ولا حرج" (1) .
(1/77) يتهم فيه
عاقل - حتى ولو لم يكن مسلماً - إماماً كالبخاري أو مسلم بأنه فرق الأمة
وتآمر على الإسلام (1) .
(1/78)
الشبهة
الخامسة:
(1/78) وذلك كفر
وشرك. ولا خروج من ذلك الشرك والكفر إلا بالاحتكام إلى كتاب الله القرآن
وحده، ونبذ السنة وعدم اعتبارها.
(1/79)
الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ
بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ} (النور:51) .
(1/80)
الشبهة
السادسة:
(1/81) بخصوص
السبب". ومقتضى هذا أن الحكم ينزل في واقعة معينة، ثم يطبق على كل ما
يماثلها وحتى آخر الزمان.
(1/82) تجعله -
صلى الله عليه وسلم - قدوة وأسوة، كل ذلك يكون مفرغ المعنى، وقد مضى عهد
صلاحيته بانتهاء عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. وهذا ما لا
يقول به عاقل. ولا يقولون هم به، ليس لأنهم عقلاء فاهمون، بل لأنهم
ينسبون أنفسهم إلى القرآن، ويصفون القرآن بأنه - وحده- صالح لكل زمان
ومكان. ولا يدرون أن مِعْوَلَهم الذي شهروه لهدم السنة هو في ذاته مُشْهر
لهدم القرآن الذي ينتسبون إليه ظلماً وزورا، لكن الله - تعالى - حافظ
دينه بحفظ كتابه وسنة رسوله، ولو كره الكافرون.
(1/83)
الشبهة
السابعة:
(1/83) "اعلم أن
الله - تعالى - لم يتكفل بحفظ شيء سوى القرآن، ولذا لم يجمع الله
الأحاديث، ولا أمر بجمعها، ولم يتكفل بحفظها" (1) . ويقول "عبد الله
جكرالوي" "بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمئات السنين نحت بعض
الناس هذه الهزليات من عند أنفسهم ونسبوها إلى محمد - صلى الله عليه وسلم
- وهو منها بريء" (2) . ويقول "مقبول أحمد" "تنقيح الأحاديث من البحر
الهائج المكذوب كتطهير الطعام المسموم، غير أن الحذر والحيطة يقتضيان عدم
الأكل من ذلك الطعام" (3) .
(1/84) الرد على
الشبهة وتفنيدها:
(1/85) المؤمنين
عائشة - رضي الله عنها - قالت لعروة بن الزبير "بلغني أنك تكتب الحديث
عني، ثم تعود فتكتبه، فقال لها: أسمعه منك على شيء، ثم أعود فأسمعه على
غيره. فقالت: هل تسمع في المعنى خلافاً؟ قال: لا، قالت: لا بأس بذلك" (1)
. فالمعنى إذا كان بنفس اللفظ أو انضبط بألفاظ مشابهة فلا بأس به.
(1/86) والثقافات
مثيلا من قبل ولا من بعد. وما كان ليتم لهم ذلك إلا بتوفيق من الله -
تعالى - وهداية وتأييد. فقد ابتدعوا نظاماً لحفظ السنة، ومعرفة صحيحها
بدرجاته، من الضعيف بدرجاته، من الموضوع. واخترعوا من الوسائل المعرفية
والمناهج العلمية ما هو معجز في بابه، كل ذلك على غير مثال سابق لا عند
العرب، ولا عند غير العرب ممن كانت لهم ثقافات وفلسفات، وكانت لهم أديان،
وكانوا الأكثر حاجة إلى تمحيص مكتوباتهم وأسفارهم الدينية، ولكنهم لم
يصلوا إلى ما وصل إليه علماء الإسلام ولا إلى قريب منه. وقد شهدت الأمم
جميعها بأن علماء السنة قد أتوا في باب جمعها وتصنيفها، وتمييزها، ومعرفة
الصحيح من الضعيف من الموضوع. ما لم تعرفه الأمم من قبل. والسؤال: هل كان
هذا يمكن أن يتم دون توفيق من الله - سبحانه - وهداية ومعونة وإرشاد؟.
إنه توفيق - الله تعالى - لحفظ سنته الذي هو من حفظ كتابه، لحاجة الكتاب
إلى السنة في بيانه وتفصيله، وحاجة دين الله الإسلام إلى الكتاب والسنة
جميعاً.
(1/87)
الخاتمة:
(1/88) بالعون
المادي والمعنوي، بل كان بعض هؤلاء على اتصال بحركة المنصرين بالهند.
(1/89)
|
|