شبهات حول السنة
الكتاب: شبهات حول السنة [مقدمة]
(1/3) وقد فرض
الله على الناس الأخذ بما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام من السنَّة،
وبيَّن أنها قسم من الوحي وجزء منه، فقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]
وقال جل وعلا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ
يُوحَى} [النجم: 3 - 4]
(1/4) لأمته
وحرصه عليهم ومحبته الخير لهم أوصاهم بسنّته، وحثهم عليها، وأمرهم بالأخذ
بها، كما في قوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه صلى الله عليه وسلم:
«أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تَأمَّرَ عليكم عبد حبشي، وإنه من
يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنَّة الخلفاء الراشدين
المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحدَثَات الأمور؛ فإن كل
بدعة ضلالة» . . [رواه الإمام أحمد في المسند (4 / 126) ، والترمذي في
كتاب العلم (2600) ، والدارمي في المقدمة (95) ] .
(1/5) وقد وقع
مصداق ما أخبر به عليه الصلاة والسلام فوجد قديما وحديثًا من يدعو إلى
الاقتصار على القرآن، ويقلل من شأن السنّة وأهميتها، ويطعن في نقلها
وحملتها وعلمائها وأهلها.
(1/6) العربية
السعودية في نصرة الإسلام والعناية بمصدريه العظيمين القرآن الكريم
والسنَّة النبويَّة اللذين منهما تستمد المملكة دستورها ومنهاجها.
(1/7) [مقدمة
المؤلف]
(1/9) عقيدة
وعملا على الأمة التي أرسلت إليها الرسل.
(1/10) [اختلاف
موقف المدافع عن السنة باختلاف حال من يورد الشبهة]
(1/11) [شبهات
حول السنة]
(1/12) أخرى:
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ
إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ
ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38] ويريدون بالكتاب
القرآن، فيكون المعنى ما فرطنا في القرآن من شيء، ففي القرآن كل شيء فلا
حاجة إلى السنَّة، وهذا إنكار للسنَّة بجملتها أو إنكار للحاجة إليها
وإلى الاحتجاج بها في الجملة، اكتفاءً بما جاء في القرآن بهاتين الآيتين.
(1/13) وما يتصل
بالصلاة إنما وضح وتبين وتكامل في المدينة، وأحكام المعاملات إنما نزلت
في القرآن بالمدينة ونزلت أصولها في القرآن بعد الهجرة، وأحكام الجنايات
من قصاص وديات نزلت في المدينة.
(1/14) لم تكن
عُرفت في مكة، بل فريضة الزكاة لم تكن شُرعت في مكة إنما الذي شُرع
الصدقات العامة، وفرض الزكاة وبدايتها إنما كان في المدينة، فبيان
المستحقين للزكاة إنما نزل في المدينة في سورة التوبة: {إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] إلى آخر
الآية التي فيها الأصناف الثمانية، ثم النصاب نصاب الزكاة ليس محددًا في
القرآن، وشرطها وهو حول الحول ليس محددًا في القرآن ولا مبينًا فيه.
فالواقع يدل على أن القرآن اشتمل على الأصول العامة، وأنه لم يكن فيه كل
شيء.
(1/15) أما الآية
الأخرى وهي: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ
شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89] فيقال
فيها: المراد بالكتاب القرآن، ولكن سورة النحل التي نزلت فيها هذه الآية
أو هذه الجملة سورة مكية، ولم يكن نزل التشريع كله في مكة إنما نزلت أصول
التوحيد وما يتصل بمعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، وأما الفروع
فقد نزلت في المدينة.
(1/16) دمرت
عادًا ودمرت ديارهم، فالأمارات الحسية، أو الأدلة الحسية وواقع الهالكين
الذين هلكوا وتحدث الله عنهم في القرآن يدل على أن المراد بالآية الخصوص
لا العموم، كذلك قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ
تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] إلى آخر الآية هي مما أريد به
الخصوص، وإلا ففي أي آية من الآيات بيان عدد الصلوات، وبيان تفاصيل
الزكوات، أو بيان الحج إلى بيت الله الحرام بأصله وتفاصيله؟
(1/17) أما فرضُه
في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فقد نزل ضمن آيات سورة آل عمران، وهذا
لم ينزل في مكة، إنما نزل في السنة التاسعة من الهجرة أو في السنة
العاشرة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقال
{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وهو لم يتبين فيه أصل فرضية
الحج ولا تفاصيل الحج ولا تفاصيل الصيام.
(1/18) إليها
جملة بتمامها اكتفاءً بالقرآن واستدلالا بهاتين الآيتين، قد أخطأوا
الطريق ولم يعرفوا تاريخ التنزيل، ولم يعرفوا واقع التشريع، وأن بيان ما
في القرآن من العبادات والمعاملات واقع في السنّة، ثم أين تحريم الجمع
بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها؟ أين تحريم زواج الإنسان بامرأة أبيه.
(1/19) كل هذا ما
نزلت تفصيلات آياته إلا في المدينة، ولم يبيِّن الرسول تفصيله قولا وعملا
إلا في المدينة.
(1/20) [الشبهة
الثانية رد بعض الأحاديث لمخالفتها للعقل والجواب عنها]
(1/21) وبما صح
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسنوا نظرهم بالنظريات الطبية أكثر مما
حسنوه بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1/22) * الجواب
على هذه الشبهة: أما من الجهة الأولى: فالرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن
لهم العلَّة؛ فقال: «إن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء» .
(1/23) النظام
الكوني والطيور إذا أرادت أن تنزل تنزل بجناح، وإذا أرادت أن تقف في الجو
تنصب الجناحين إلى الجانبين كما نراها.
(1/24) على هذا
الحديث، هم مختلفون أيضًا فيما بينهم، والمسألة مسألة نظرية اجتهادية من
الأطباء.
(1/25) هذا
الحديث.
(1/26) [الرد على
أهل المسلك الأول القائلين برد السنة لمخالفتها العقل]
(1/27) الضباط
(1) الذين استوفوا شروط النقل، نقل الأحاديث، فهؤلاء يندر فيهم أن يخطئ
أحدهم وخطؤه إلى جانب صوابه قليل جدًّا، بل نادر.
(1/28) [الرد على
أهل المسلك الثاني القائلين برد السنة بتأويلها على ظاهرها]
(1/29) إسراء
بالروح، وعروج بالروح؛ تحكيمًا للسنن الكونية، والعادات المألوفة في
الخلق، فإن الإنسان لا يسير تلك المسافة في جزء ليلة، ولا يعرج إلى
السماء السابعة في جزء ليلة.
(1/30) [استطراد
في الرد على منكري الإسراء والمعراج]
(1/31) جعل خوارق
العادات لموسى بانفلاق البحر، ونجاة موسى ومن معه على الشاطئ الآخر،
وجَعْل الممر يابسًا اثنى عشر طريقًا على عدد الأسباط، حتى لا يتنازع سبط
مع سبط جعلها يبسًا يمرون في هذه الممرات دون أن يغرقوا، والماء متماسك
بدون حواجز؛ هذا سلب لخاصية الماء، معجزةً لموسى وإكرامًا له ولمن معه
حيث أنجاهم بإذنه سبحانه وتعالى، ثم ما جعله نجاةً لموسى ومن معه جعله
نكبة ودمارًا وهلاكًا لخصومه وأعدائه.
(1/32) (1) هذه
السرعة إلى هذا الحد تمزِّق البدن، لأن احتكاك البدن بالهواء الذي في
الجو يُولِّدُ نارًا؛ فيحترق.
(1/33) وكيف خلص
من الجاذبية الأرضية، ولا أجنحة له، ولا طائرة ركبها، إنما هو بُراق؟ !!
(1/34) في
معجزاتهم يسيرون في طريق كوني عادي بالنظر لهم؛ كما أن الناس يسيرون على
سطح الأرض سيرًا عاديًّا، وكما أن الطيور ترتفع بأجنحتها ارتفاعًا
وصعودًا عاديًّا فالرد واحد: وهو أن هذه المعجزات من خوارق العادات التي
أجراها الله جل شأنه على أيدي رسله عليهم الصلاة والسلام.
(1/35) فالأمر
يحتاج إلى إثبات هذا كله، وهو عبارة عن مقرر توحيد يدرس في سنوات (1)
وأنا أتكلم في دائرة محدودة في " شبهات حول السنة ".
(1/36) [الرد على
أهل المسلك الثالث القائلين برد السنة لأنها أخبار آحاد]
(1/37) في
السنَّة، وإما لوجوده في الاثنين جميعًا. لكنهم لا يؤمنون بأحاديث
الآحاد، وذلك لأنهم يرون أنها لا تفيد إلا ظنا غير غالب.
(1/38) وأنه مثار
تهمة فلا نعملُ به حتى يتأيد بغيره (1) وقد ورد مثل هذا عن علي بن أبي
طالب رضي الله عنه في أعرابي.
(1/39) - ثم
الرسول صلى الله عليه وسلم قد اعتمد خبر الواحد، فكان يُرسل رسولا واحدًا
بكتابه (1) وما أدرى أولئك أن هذا صادق في أن هذا كتاب الرسول عليه
الصلاة والسلام، وليس عندهم بصمة له، ولا عندهم صورة لخاتمه.
(1/40) معاذ بن
جبل رضي الله عنه ليقضي، ويكون أميرًا في اليمن، وأرسل عليًّا رضي الله
عنه وأرسل أبا موسى الأشعري رضي الله عنه.
(1/41) - ومع عدم
مخالفة من هو أوثق منه.
(1/42) الفتن ولا
القلاقل، ويريد أن يستوثق أكثر، وفعلا حقَّقَ داخل المساجد ومرَّ على
أناس هنا وهناك، فكلهم يثنون خيرا على سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، إلا
المكان الذي فيه بؤرة الفساد والرجل الذي بلَّغ فانتصَبَ له، فحكى نفس
الكلمة وسعد يسمع، فقال: " اللهم إن كان كاذبًا فأطل عمره، وأدم فقره،
وأكثر عياله، وعرّضه للفتن " (1) أربع دعوات نظير أربع تهم وجهها الرجل
إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فطال عمر الرجل، وكثر عياله، ودام
فقره، وكبر في السن حتى صار وهو يمشي في الطريق ينظر إلى النساء بعين
خائنة، وقد سقط حاجبه على عينه، فيقال له: ما بك وقد شبت؟ فيقول: مسكين،
أصابتني دعوة سعد. أقول: عمر بن الخطاب (لما استخلفَ ستة) (2) حينما
طُعن، وأيس من أن يبقى، فقالوا: استخلف؟ فقال: لا أحملكم حيًّا وميتًا،
ولما ألحوا عليه استخلف ستة يختارون
(1/43) من بينهم
خليفة، واستجاب لهم في الجملة، ثم جعل من الستة سعدًا رضي الله عنه، ثم
قال: اعلموا أني لم أعزله لشكِّي فيه ولا اتهامًا له، ولهذا رضي به خليفة
باختيارهم إياه، ثم إذا لم تصبه نصحهم بأن يستشيروه، وأن يرجعوا إليه
فيما يبرمون من أمور الدولة.
(1/44) [الشبهة
الثالثة دندنة البعض بأن السنة لم تدوَّن والجواب عنها]
(1/45) وهذه
الصحيفة وفيها جملة أحكام أخرجه البخاري (111) ، (1870) .
(1/46) السنّة،
أما الأسانيد فلم تكن طويلة في القرن الأول حتى يحتاج المسلمون إلى تدوين
هذه الأسانيد، وقد انتهت خلافة عمر بن عبد العزيز صلى الله عليه وسلم على
رأس المائة والحال هذه؛ في قوة الدولة الإسلامية، وفي تماسك المسلمين،
وحرصهم على الدين، وبقاء عدد من الصحابة رضي الله عنه يأخذ عنهم
التابعون، ومن وُجد إلى عهد عمر بن عبد العزيز فقد التقى ببعض الصحابة
فهو تابعي، إلا أنه يوجد تابعون كبار وأوساط تابعين وصغار تابعين، فمن
أين علم هؤلاء المعارضون أن الذين نقلوا عن الصحابة لم يدونوا لأنفسهم
ولم يكتبوا اسم الصحابي الذي روى لهم، إنما الذي تأخر بعد المائة جمع
المتون والأحاديث في دواوين مختلطة بالآثار والفقهيات أولا، ثم جُرِّد
هذا من هذا في بعض الكتب كما جُرِّد صحيح مسلم من الآثار والفقهيات، وبقي
الوضع على هذا في بعض الدواوين؛ مثل صحيح البخاري، وكذلك موطأ مالك الذي
فيه ما بين مالك والصحابي رجل واحد أحيانًا كنافع - مولى ابن عمر -،
وأحيانًا يكون غيره.
(1/47) * ففي رد
هذه الشبهة يراعى ما يلي:
(1/48) [استفسار
وبياناته]
(1/49) وخالتها
أو عمتها (1) علل فيه الرسول عليه الصلاة والسلام هذا النهي، فقال: " إن
تفعلوا ذلك تقطعوا أرحامكم "، فبيّن صلى الله عليه وسلم أن هذا وسيلة
لقطيعة الرحم.
(1/50) النهي عن
الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها.
(1/51) على تقعيد
مستنبط من القرآن فهو بيان لا تأصيل.
(1/52) ثانيا: أن
الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا في هذا الحديث أن في أحد جناحيه داءً
وفي الآخر دواءً، وهذا يدلنا على أن المراد بالجناح جناح هذا الذباب الذي
ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبر في
هذا عن كونه دواءً لغير هذا الداء، لأنه يعلل ما ذُكر في كلامه بالغمس
ولم يجعل صلى الله عليه وسلم هذا تعليلا عامًّا لعلاج كل داء، إنما ذكره
بمناسبة الداء الذي في جناح الذبابة، يقول: «فإن في أحد جناحيه داءً وفي
الآخر شفاء» .
(1/53) دواء في
الصيدلية لكل داء أيًّا كان، بل الأدوية التي في الصيدلية موزعة على
الأدواء والأمراض، وفق خاصية الداء وخاصية الدواء.
(1/54) [الجمع
بين حديث الذباب وحديث أنتم أعلم بأمور دنياكم]
(1/55) وحيث إن
الشيء الذي قاله الرسول عليه الصلاة والسلام وأشباهه مما رجع عنه مثل هذه
الأمور الاجتهادية، فهذا يدلنا على أنه قال باجتهاده، ولهذا رجع عنها،
أما الذي لا مدخل للاجتهاد فيه مثل حديث الذباب إنما مثله يقال من طريق
الوحي، بدليل التعليم الذي أشعر بذلك كما تقدم في السؤال السابق.
(1/56) فالأمور
التي فيها مجال للاجتهاد ومنها تأبير النخل يمكن أن يقول فيها باجتهاده،
فإذا أخطأ قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم، والأمور التي لا مجال لمثله
للاجتهاد فيها يتبين لنا أنها وحي من الله، ويؤيد هذا التعليل أنه صلى
الله عليه وسلم أمي ولا عهد لأمته بالطب الذي من هذا الجنس ولا تجارب
عندهم في هذا وخوضه فيه لا يليق برسالته لأنه يكون مجازفًا إذ بنى شيئًا
على غير تجربة، ولا مجال لأمثاله في أن يجرب في مثل هذا، ثم قال صلى الله
عليه وسلم: «فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء» ، وهذا أمر لا يعلم
إلا عن طريق تحليل جناح الذباب، فمن أجل هذا قلت: إن هذا وحي من السماء.
(1/57) التي
تكتسب بالخيرة وغيرها.
(1/58) بما فيه
من دواء، ولم يأمر مَنْ غَمَسَه بأكله فهذا إليه إن استقذره فهو غير ملزم
بأكله لكنه يعطيه من يطعمه ولا يستقذره ولا يضيّع ماله.
(1/59) [حكم من
رد السنة جملة وتفصيَلا]
(1/60) فقوله:
فَاتَّبِعُونِي هذا عام، فحد المفعول طريق من طرق إفادة العموم، {وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] وَمَا من صيغ العموم، وقوله:
{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ} [النساء: 59] أي: تنازع الرعية، وأولو الأمر من
العلماء والحكام فِي شَيْءٍ فردوه إلى الله والرسول، فلم يجعله إلى الله
وحده، بل جعله إلى الله وإلى الرسول، ورده إلى الله رده إلى كتاب الله،
ورده إلى الرسول بعد وفاته رده إلى سنته عليه الصلاة والسلام، فدعواه أنه
يعمل بالقرآن عقيدة وعملا خلقًا ويرد السنَّة جملة- هذه الطائفة التي
تسمى نفسها (القرآنية) - دعوى باطلة، وهو مناقض لنفسه لأنه كذّب آيات
القرآن التي فيها الأمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذ ما جاء
به، وطاعته فيما جاء به من عند الله عمومًا دون أن يخص آيات القرآن، ثم
هو في الوقت نفسه كيف يصلي؟ ، وكيف يحدد أوقات الصلوات؟ ، وكيف يصوم؟ ،
وعن أي شيء يصوم؟ ، وتفاصيل الصيام
(1/61) كيف
يعرفها؟ ، وكيف يحج بيت الله الحرام؟ فليس هناك إلا أركان محدودة من الحج
في سورة البقرة، وكذلك أين نصب الزكاة؟ وكيف يزكي؟ !
(1/62) أربع
ركعات، وصلاة الصبح ركعتان، لا يجد هذا في كتاب الله فمن أين جاء هذا؟ ما
جاء إلا من تعليم جبريل للرسول عليه الصلاة والسلام (1) وتعليم الرسول
عليه الصلاة والسلام لأصحابه، فمن أين يأتي بهذا؟ فهذا مجمل الرد عليه،
وإثبات أنه كافر بالقرآن كافر بالإجماع اليقيني، كافر بالمعلوم من الدين
بالضرورة، من مثل أن ركعات الظهر أربع، والعصر أربع، والعشاء أربع،
والمغرب ثلاث، والصبح ركعتان، وكافر أيضًا بتفاصيل الصيام لأنها ليست في
القرآن، وهي معلومة من الدين بالضرورة، فلذلك كان كافرًا.
(1/63) وكذلك إذا
رد ظاهر الحديث متأولا له تأويلا تُسوِّغهُ اللغة العربية، ففسره بمعنى
مختلف عن المعنى الذي فسره به غيره، فهذا حمله على الظاهر وهذا تأوله،
فهذا لا يقال فيه: آمن وكفر، إنما يقال فيه: أخطأ وأصاب، فمن أصاب فله
أجران ومن أخطأ فله أجر واحد، ويلزمه العمل بما اعتقده، وإن كان خطأ في
نفسه، ودليل ذلك حدث زمن الرسول صلى الله عليه وسلم في الذهاب إلى بني
قريظة، حين قال: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» (1) فاختلفوا على
أنفسهم فمنهم من أخّر العصر على ظاهر الحديث مثل ما يقول ابن حزم: لو كنت
معهم ما صليت العصر إلا في بني قريظة لأنه ظاهري، وغيرهم قال: إن النبي
صلى الله عليه وسلم لم يرد منا هذا ولكن أراد منا السرعة والمبادرة، ولم
يرد منا أن نترك الصلاة في وقتها هذا فرض وذاك فرض، وفريضة الصلاة لا
يسقطها الجهاد، فنصلي ثم نسرع ولا نتمهل، وصلوا في الوقت، ولما اجتمعوا
عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يعنف طائفة من الطائفتين،
(1/64) لا
المخطئة ولا المصيبة، لا التي أخرَّت ولا التي عجَّلت.
(1/65) يقول: إن
الصلوات في اليوم والليلة صلاتان فقط، صلاة في النهار، وصلاة في الليل،
ويذكر القرآن، لأن فيه الصلاة أول النهار وآخر النهار، وصلاة من الليل
ففيه ثلاث صلوات، واحدة في الليل بنص القرآن، وواحدة في الغدو، وواحدة في
الآصال، فيصلي ثلاث صلوات بنص القرآن، ويُضيِّع صلاة الظهر لأنها ليست في
الغدو، ويُضيِّع واحدة من الصلاتين اللتين بالليل، فهذا نقول له: أنت
أنكرت معلومًا من الدين بالضرورة، وإن لم يكن في القرآن لكنه ثابت متواتر
تواترًا عمليًّا وتواترًا قوليًّا، فإنكارك إيَّاه مثل إنكارك للقرآن،
فهذا نقول له: إنه كافر، لأنه خالف معلوما من الدين بالضرورة.
(1/66) كافر،
أنكر سنَّة عن النبي صلى الله عليه وسلم معلومة من الدين بالضرورة، وأنا
ما أخص هذا بالفرائض الخمس، يعني الكلام ليس على درجة أهو فرض أو سنَّة،
فمن ينكر أن هناك رواتب للفرائض، ركعتان قبل، وركعتان بعد، من ينكر أن
هناك تهجد الليل هذا أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، بعضه في القرآن
وبعضه في السنَّة، فيقال: كافر.
(1/67) * الجواب
المجتهد إذا رأى رأيًا ولو خطأ وله وجهة من جهة اللغة، ومن جهة مقاصد
الشرع- فله أن يتمسك برأيه، لو كان خطأ في الواقع لكنه لم يتبين له خطؤه،
وما قامت عليه الحجة، أما إذا تبينت له الحجة، فيجب عليه أن يرجع عن
رأيه، ولو كان مجتهدًا، والحق أحقُّ أن يُتبع، أما الذي لا دراية له ولا
قدرة له على الاجتهاد إنما هو في تفكيره في دنياه وآخرته على غيره، فهذا
ليس له أن يتعصب لمذهب، أو أن يتعصب لرأي، بل عليه أن يضع يده كالأعمى
على كتف غيره ممن يثق بهم، يعني يجتهد في اختيار الشخصيات المأمونة
المعروفة بالعدل، والمعروفة بالاجتهاد والإصابة في الجملة، عليه أن يجتهد
في اختيار الأفراد لا أن يجتهد في النصوص، وليست عنده تلك القوة التي
تؤهله للاستنباط من كتاب الله أو سنة رسوله الصحيحة.
(1/68) [الشبهة
الرابعة شبهة أخرى والجواب عليها]
(1/69) خواص
الذباب ولا خواص ما في أجنحته، هذا ما يمكن أن يقوله رسول من عند نفسه في
شأن من شؤونه، إنما هو وحي من الله أوحى به إلى رسوله فتكلم به.
(1/70) يكون منه،
ولا يجترئ عليه وهو أمي، بل لا بد أن يكون بوحي من الله.
(1/71) العلاج
البدائي أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: «إن كان الشفاء في
شيء ففي ثلاث وذكر منها الكي» (1) هل أتبع أولئك وأقول هذا ليس من فنه؟
أم أن التجربة أيضًا أثبتت أن هذا يعالج به، فأتخير الشخص الذي يكوي. *
(1/72) كذلك
الرقية هل يؤمن بها الأطباء؟ ! هم يتبعون الفرنجة الكفرة فلا يعملون
بالرقية، والرقية ثابتة شرعًا، وهي نوع من العلاج، نوع من التشريع، ورسول
الله صلى الله عليه وسلم جاء للتشريع، ولا يقال: ما الذي أدخله في الرقية
والعلاج؟ وما الذي يدخله في حل السحر؟ وما الذي يدخله في الإثمد وأنه خير
أنواع العلاج للعين؟ فهذه الأمور دخل فيها بحالتين:
(1/73) ونكذب
الأطباء، فالآن السرطان هل اكتشف الأطباء ميكروب السرطان؟ لم يكتشف
الأطباء ميكروب السرطان إلى اليوم، ويوجد كثير من الأشياء ما وصلوا إليها
في الوقت الحاضر، وآفات كثيرة ما وصلوا إلى علاجها، وقد يكشف طبيب أو
جملة من الأطباء ويشخّصون مرضًا ويتبين أن المرض على خلاف ما شخصوا، وهم
جملة، فهم يخطئون.
(1/74) [مقال
للمؤلف حول تقديم نصوص الكتاب والسنة على العقل]
(1/75) لقد أنزل
الله عليه القرآن هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان.
(1/76) في
التفكير، وبسطة في العلم، فيجعل عقله أصلا، ونصوص الكتاب والسنّة الثابتة
فرعًا، فما وافق منهما عقله قبله واتخذه دينًا، وما خالفه منهما لوى به
لسانه وحرَّفه عن موضعه، وأوَّله على غير تأويله إن لم يسعه إنكاره، وإلا
رده ما وجد في ظنه إلى ذلك سبيلا- ثقة بعقله- واطمئنانًا إلى القواعد
التي أصَّلها بتفكيره واتهامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو
تحديدًا لمهمة رسالته وتضييقًا لدائرة ما يجب اتباعه فيه واتهامًا لثقاة
الأمة وعدولها، وأئمة العلم، وأهل الأمانة الذين نقلوا إلينا نصوص
الشريعة، ووصلت إلينا عن طريقهم قولا وعملا.
(1/77) تفكيرهم
الأغراض، فلا يكادون يتفقون على شيء، اللهم إلا ما كان من الحسيّات أو
الضروريات.
(1/78) أم عقل من
قالوا بوحدة الوجود. . الخ. ولقد أحسن العلاَّمة أحمد بن عبد الحليم بن
تيمية رضي الله عنه إذ يقول: " ثم المخالفون للكتاب والسنَّة، وسلف
الأمّة من المتأولين لهذا الباب في أمر مريج.
(1/79) فيا ليت
شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنَّة، فرضي الله عن الإمام مالك بن أنس حيث
قال: أو كلما جاء رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى
الله عليه وسلم لجدل هؤلاء انتهى (1) .
(1/80) أهل العلم
والعرفان دون حجة أو برهان.
(1/81)
|
|