كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وأثرها في حفظ السنة النبوية
الكتاب: كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وأثرها في
حفظ السنة النبوية المقدمة:
(1/1)
تمهيد:
(1/2) فإذا حفظ
الحديث مزق الرقعة". وفي رواية: كنا نأتي الأعرج ويأتيه ابن شهاب، فنكتب،
ولا يكتب ابن شهاب، فربما كان الحديث فيه طول فيأخذ ابن شهاب ورقة من ورق
الأعرج ثم يكتب، ثم يقرأ، ثم يمحوه مكانه، وربما قام بما معه فيقرؤها ثم
يمحوها (1) .
(1/3) كتابة
الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وأثرها في حفظ السنة
(1/4) تصنيفها
المتأخر عن عصر النبوة والصحابة.
(1/5) وفي
الحديث كما نرى أمر بمعنى الإذن في كتابة الحديث عمومًا مع اجتناب الكذب
عليه صلى الله عليه وسلم قولاً وكتابة.
(1/6) السابقة
واللاحقة فيرتقي إلى الصحيح لغيره (1) وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله
عنهما- قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم
بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله صلى
الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال: "اكتب فوالذي نفسي بيده ما
يخرج منه إلا حق" (2) .
(1/7) عنه- مِنْ
بعض طرقه مردود عليه بوجود ما يشهد له من الصحيح والحسن كما ترى.
(1/8) بعد ذلك
اليوم شيئا حدثني به (1) . ومن أجل ذلك قال الذهبي: كان حفظ أبي هريرة
الخارق، من معجزات النبوة (2) , وشهد له به غير واحد من الصحابة عن رؤية
ومعايشة علمية، واختبار (3) .
(1/9)
المبحث
الثاني: مما كتبه وصنفه الصحابة
(1/10) وتقدم في
حديث عبد الله بن عمرو هذا أيضًا: قلت: يا رسول الله إنا نسمع منك أحاديث
لا نحفظها، أفلا نكتبها؟ قال: "بلى فاكتبوها" فمن قول عبد الله بن عمرو
-رضي الله عنه- "أفلا نكتبها"، وقوله صلى الله عليه وسلم "اكتبوها". ومن
قوله في الحديث السابق "بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم
نكتب" يستفاد أن الكتابة للسنة كانت تقع بين يدي رسول الله صلى الله عليه
وسلم مباشرة، بعلمه وموافقته، وأن عبد الله بن عمرو استأذن الرسول صلى
الله عليه وسلم لنفسه ولجماعة معه، وأذن الرسول صلى الله عليه وسلم
لجماعتهم فقال: "اكتبوها". وبمقتضى هذا الإذن كانوا يجتمعون حوله صلى
الله عليه وسلم ويكتبون كتابة جماعية، كما يستفاد من الحديث الأول أن عبد
الله بن عمرو كان يعتني بصيانة ما كان يكتبه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم في صندوق خاص حتى لا يتطرق إليه تلف أو ضياع أو دخيل، وهذا يعد
تأصيلاً لما ذكره علماء المصطلح في ضبط الكتاب، دون أن يذكروا له مثالاً
كهذا، ويستفاد كذلك أن عبد الله بن عمرو كان يخرج المكتوبات التي في هذا
الصندوق، ويحدث منها بقراءته ويسمع منه جماعة الحاضرين، ومنهم من يسأله،
كما يفيده قول الراوي عنه: "كنا عند عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-
وسئل…" وقول الراوي: إن الصندوق الذي أخرج عبد الله منه المكتوب الذي
حدثهم به كان له "حلق" إشارة منه لتأكده من مناسبة الحديث وملابساته،
ووجود تلك الحَلَق في الصندوق تفيد، إما كبر حجمه، بحيث وُضع له حَلَق
تُسهل حملَه ونقلَه، وإما مزيد العناية بوضع حلق فيه لإحكام إغلاقه.
(1/11) كما أن
هذا يدل على أن ما كتبه عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لم يكن صحيفته المشهورة فقط، والتي كان يعتز بها، ويسميها (الصادقة)
كما سيأتي ذكره، ولكن كان ما كتبه عنه صلى الله عليه وسلم أكثر، بحيث
احتاج في حفظه وصيانته إلى صندوق له حَلَق مما يدل على أنه كان كبير
الحجم.
(1/12) كما جاءت
عنه بعض روايات أنه كان يحتفظ ببعض الآثار الموقوفة:
(1/13) عليه
الدنيا" (1) ، ومن ذلك يفهم أن عنايته بكتابة السنة، لم تشغله عن عنايته
بالقرآن الكريم.
(1/14) شعيب عن
أبيه عن جده عبد الله بن عمرو (1) .
(1/15) ومحمد بن
عبد الله بن عمرو، جد شعيب، جاء عنهم أيضًا ما يفيد وجود مكتوبات متعددة
عنده، وكان يُسمعهم منها.
(1/16) يعلمنا،
يقول: "اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت رب كل شيء…"
الحديث (1) .
(1/17) الفحش، أو
يبغض الفاحش والمتفحش، قال: ولا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش
وقطيعة الرحم وسوء المجاورة، وحتى يؤتمن الخائن، ويُخوَّن الأمين، وقال:
"ألا إن موعدكم حوضي عرضه وطوله واحد وهو كما بين أيلة (1) ومكة"..
الحديث وفيه: "من شرب منه لم يظمأ بعده أبدًا" فقال عبيد الله: ما سمعت
في الحوض حديثًا أثبت من هذا، فصدق به، وأخذ الصحيفة فحبسها عنده (2) .
(1/18) أحدهما:
عبارة عن أحاديث قولية وفعلية مرفوعة.
(1/19) انتشر
بواسطة تلاميذه في أقطار الإسلام شرقًا وغربًا، كالشام، ومصر، والعراق،
وغيرها.
(1/20) وحضر وقت
الصلاة، فقام في نساجة (1) ملتحفا بها، كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها
إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه على المشجب (2) فصلَّى بنا، فقلت: أخبرني
عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث بطوله (3) ، ويقع في ست
صفحات من المطبوع، ثم أخرج رواية أخرى هذه من طريق غياث بن طلق عن جعفر
بن محمد عن أبيه قال: أتيت جابر بن عبد الله فسألته عن حجة رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأحال ببقية المتن على الرواية السابقة بنحوها، ثم ذكر
زيادة في هذه الرواية تبلغ ثلاثة أسطر، وأتبعها برواية ثانية من طريق
غياث أيضا بذكر زيادة نحو سطرين، ورواية ثالثة من طريق سفيان عن جعفر عن
أبيه به بزيادة نحو سطرين، ورواية من طريق مالك وخامسة من طريق مالك وابن
جريج كلاهما عن جعفر بن محمد عن أبيه، بزيادة تتعلق بالطواف (4) وقد
انفرد مسلم عن البخاري برواية هذا الحديث فعلا (5) . ويلاحظ أن الحديث
اشتمل على سنة فعلية في أوله وهي صلاة جابر رضي الله عنه بجماعة الحاضرين
عنده إمامًا وعليه لباس معين، كما اشتملت الرواية على وصفه في هذه الحالة
بأنه كان أعمى، والمعروف أنه -رضي الله عنه- عَمِيَ في آخر عمره -
ومقتضاه أنه حدثهم الحديث بطوله من حفظه، لا من كتاب، لكن جاء في روايات
أخرى أن راوي الحديث عن جابر وهو محمد بن علي بن الحسين كان يذهب مع
مجموعة إلى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-
(1/21) ويتلقون
عنه الحديث كتابة وتعلما فأخرج ابن عدي والخطيب من طريق يعقوب القُمي عن
عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال: كنت أنطلق أنا ومحمد بن علي
أبو جعفر ومحمد بن الحنفية إلى جابر بن عبد الله الأنصاري، فنسأله عن سنن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صلاته، فنكتب عنه ونتعلم منه (1) .
(1/22) ومما صنفه
الصحابة أيضا كتاب الفرائض لزيد بن ثابت رضي الله عنه، وهو المعروف
بكتابة الوحي القرآني أيضا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن
قام بجمعه في مصحف واحد، وكان مبرزاً في علم الفرائض، وباشر القضاء وتوفي
سنة 45هـ على الراجح (1) وتعد وفاته مبكرة جدا عن وفاة جابر رضي الله عنه
كما تقدم ذكرها.
(1/23) ثم كتب به
إلى معاوية رضي الله عنه - في خلافته، وذكر له فيه ما أقره عليه عمر
وعثمان رضي الله عنهما (1) وقد صار الكتاب يُروَى وينقل مجموعا ومتفرقا
بالأسانيد عن زيد بواسطة الرواة عنه وبخاصة كبراء أولاده وآله مثل سعيد
بن سليمان بن زيد، عن أبيه عن جده (2) وعن خارجة بن زيد عن أبيه، ومن هذا
الطريق اشتهرت رواية الكتاب عند المتقدمين ومن بعدهم من المشارقة
والمغاربة (3) .
(1/24) تكتبوا
عني شيئاً غير القرآن" (1) يمكن الجمع بينها بوجوه متعددة ومعتبرة، وقال
الحافظ: إن أقربها أن النهي متقدم زمنا، والإذن ناسخ له عند الأمن من
الالتباس، ثم قال: وقيل إن النهي خاص بمن خُشي منه الاتكال على الكتابة
دون الحفظ، والإذن لمن أُمِنَ منه ذلك، ثم قال الحافظ قال العلماء: كره
جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث، واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظا،
كما أخذوا حفظا، لكن لما قصرت الهِمَمُ وخشِيَ الأئمة ضياع العلم دونوه.
(1/25)
المبحث
الثالث: الإذن النبوي الخاص لبعض أفراد الصحابة بالكتابة ورد الشبه عنه
(1/26) فعلاً،
يفيد الحمل على الوجوب فتكون دلالته على الإذن من باب أولى.
(1/27) اكتبها
(1) وفي رواية زيادة أن ذلك كان أول ما كتب عبد الله بن عمرو (2) ،وما في
بعض طرقه من ضعف ينجبر بطرقه الأخرى، فيرتقي إلى الصحيح لغيره, وبه يندفع
تضعيف الشيخ رشيد رضا رحمه الله للحديث من طريق عمرو بن شعيب وحدها دون
البحث أو النظر فيما يعضدها (3) .
(1/28) المبحث
الرابع: الأمر الوجوبي من الرسول صلى الله عليه وسلم بالكتابة ولا سيَّما
للولاة والقبائل والمعاهدات، ورؤساء الدول
(1/29) فكتابة
هذا الكتاب وأمثاله، كانت بأمر وجوبي منه صلى الله عليه وسلم إلى بعض من
كان يكتب له، ووجود نسخة هذا الكتاب وأمثاله في كتب الحديث المعتمدة التي
بين أيدينا حتى اليوم، دليل الالتزام بكتابتها وتداولها، حتى وصلت إلينا
بأسانيدها المتصلة إليه صلى الله عليه وسلم.
(1/30) يلاحظ في
هذه الرواية بيان ما كان يكتب فيه حينذاك وهو الجلود بعد دباغتها
وتنظيفها، وبيان محتويات المكتوب وأنه في صيغة معاهدة لأهل هذه القبيلة
فيها أمرهم ببعض التشريعات والالتزام لهم كذلك بحق الأمان المكفول من
الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم.
(1/31) وقد سبق
روايته حديث إذنه صلى الله عليه وسلم له بالكتابة لما سمعه منه خشية
النسيان.
(1/32) وأخرج
البيهقي أيضا من حديث عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم
استكتب عبد الله بن أرقم فكان يكتب عبد الله بن أرقم (1) وكان يجيب عنه
صلى الله عليه وسلم الملوكَ فبلغ من أمانته أنه كان يأمره أن يكتب إلى
بعض الملوك فيكتب، ثم يأمره أن يكتب ويختم ولا يقرأه لأمانته عنده، ثم
استكتب أيضا زيد بن ثابت، فكان يكتب الوحي، ويكتب إلى الملوك أيضا، وكان
إذا غاب عبد الله بن أرقم وزيد ابن ثابت واحتاج أن يكتب إلى بعض أمراء
الأجناد والملوك، أو يكتب لإنسان كتاباً بقَطِيعةَ (2) أمر جعفراً أن
يكتب، وقد كتب له عمر وعثمان، وكان زيد والمغيرة، ومعاوية وخالد بن سعيد
بن العاص وغيرهم ممن قد سُمِّي من العرب (3) .
(1/33) والشام،
ومصر، والبحرين، وبعضها إلى قبائل وشخصيات معينة في أنحاء جزيرة العرب
وما حولها، وبعضها إلى بعض من عينهم من الولاة على بعض مناطق الجزيرة
العربية التي دخلت في الإسلام.
(1/34) هذا الباب
إلا وقوع العلم بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتبه من عهود
السعاة على الصدقات، وكتابه لعمرو بن حزم لما بعثه إلى اليمن لكفى، إذ
فيه الأسوة، وبه القدوة" (1) .
(1/35)
المبحث
الخامس: كتابة الصحابة بعضهم إلى بعض أو عن بعض
(1/36) ورفع لنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعه الوسطى والسبابة وضمهما (1) ، قال
زهير: قال عاصم: هذا في الكتاب (2) .
(1/37)
الخاتمة
(1/38) 6- أن
الشبه التي أثيرت قديما وحديثا حول كتابة السنة في عصره صلى الله عليه
وسلم حال التلقي منه مباشرة أو بالواسطة في عصر صحابته الكرام، كل ذلك
مردود على قائله جملة وتفصيلا. والله ولي التوفيق. وصلى الله وسلم وبارك
على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1/39)
مصادر ومراجع
(1/40) 12- تلقيح
فهوم أهل الأثر لابن الجوزي. طبعة مكتبة الآداب بالقاهرة.
(1/41) 23- سنن
الدارمي، بتحقيق السيد عبد الله هاشم يماني المدني
(1/42) 35- فهرس
ابن خير الإشبيلي بتحقيق فرنسشكه قدارة زيدين نشر دار الآفاق الجديدة
ببيروت.
(1/43) 48-
المعرفة والتاريخ للفسوي بتحقيق د. أكرم ضياء العمري طبع مؤسسة الرسالة
ببيروت.
(1/44)
|
|