نور السنة وظلمات البدعة في ضوء الكتاب والسنة
الكتاب: نور السنة وظلمات البدعة في ضوء الكتاب والسُّنَّة رسائل
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
(/) بسم الله
الرحمن الرحيم
(1/3) القلب،
مستنير القلب، قد انقاد لأمر الله واتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- ظاهراً وباطناً.
(1/4) المطلب
السابع: أنواع البدع عند القبور.
(1/5)
المبحث
الأول: نور السنة
(1/6)
والسنة في
اصطلاح علماء العقيدة الإسلامية: الهدي الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه: علماً
واعتقاداً، وقولاً، وعملاً، وهي السنة التي يجب اتباعها ويُحمد أهلُها،
ويُذمُّ من خَالَفها؛ ولهذا قيل: فلان من أهل السنة: أي من أهل الطريقة
الصحيحة المستقيمة المحمودة (1).
(1/7)
والجماعة في
اصطلاح علماء العقيدة الإسلامية: هم سلف الأمة: من الصحابة، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الذين
اجتمعوا على الحق الصريح من الكتاب والسنة (1).
(1/8) - رضي
الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((افترقت اليهودُ
على إحدى وسبعين فرقةً، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت
النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعين فرقة في النار، وواحدة في
الجنة، والذي نفسُ محمدٍ بيده لَتَفْتَرِقَنَّ أمتي على ثلاثٍ وسبعين
فرقة، واحدةٌ في الجنة، واثنتان وسبعون في النار))، قيل: يا رسول الله،
من هم؟ قال: ((الجماعة)) (1)، وفي رواية الترمذي عن عبد الله بن عمرو:
قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ((ما أنا عليه وأصحابي)) (2).
(1/9) طائفة من
أمتي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك))
(1)، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما نحوه (2).
(1/10) 6 - أهل
السنة خيار الناس ينهون عن البدع وأهلها، قيل لأبي بكر بن عياش مَنِ
السُّنّي؟ قال: ((الذي إذا ذُكِرَتِ الأهواء لم يتعصبْ إلى شيءٍ منها))
(1). وذكر ابن تيمية رحمه الله: أن أهل السنة هم خيار الأمة، ووسطها
الذين على الصراط المستقيم: طريق الحق والاعتدال (2).
(1/11)
8 - أهل
السنة هم الذين يحملون العلم:
(1/12) خصهم بها،
وجعلهم أهل الرفيق الأعلى حيث يقول تعالى: {وَمَن يُطِعِ الله
وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ
أُولَئِكَ رَفِيقًا} (1).
(1/13) ثانياً:
النعمة المقيدة: كنعمة الصحة، والغنى، وعافية الجسد، وبسط الجاه، وكثرة
الولد، والزوجة الحسنة، وأمثال هذا، فهذه النعمة مشتركة بين البر
والفاجر، والمؤمن والكافر؛ وإذا قيل: لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار
فهو حق، والنعمة المقيدة تكون استدراجاً للكافر والفاجر، ومآلها إلى
العذاب والشقاء لمن لم يُرزق النعمة المطلقة (1).
(1/14) النَّاسِ
كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ
زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (1)، والله الموفق
(2).
(1/15) ومتابعته
في الدنيا كذلك، فهو هذا بعينه يظهر هناك للحسّ، والعيان (1).
(1/16) ترى الحق
في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق، وأعمالهم مظلمة، وأقوالهم مظلمة،
وأحوالهم كلها مظلمة، وقبورهم ممتلئة عليهم ظلمة، وإذا قسمت الأنوار يوم
القيامة دون الجسر للعبور عليه بقوا في الظلمات، ومدخلهم في النار مظلم،
وهذه الظلمة، التي خلق فيها الخلق أولاً، فمن أراد الله - سبحانه وتعالى
- به السعادة أخرجه منها إلى النور، ومن أراد به الشقاوة تركه فيها (1).
(1/17)
المبحث
الثاني: ظلمات البدعة
(1/18) الثاني))
(1). ((وكان الذي بنى عليه أحمد وغيره مذاهبهم: أن الأعمال عبادات
وعادات))، فالأصل في العبادات أنه لا يُشرع منها إلا ما شرعه الله،
والأصل في العادات أنه لا يحظر منها إلا ما حظر الله)) (2).
(1/19) عادية لا
بدعة فيها، ومن حيث يتعبّد بها، أو تُوضع وضع التّعبُّد تدخلها البدعة،
فحصل بذلك أنه جمع بين التعريفين، ومثل للأمور العادية التي لابدّ فيها
من التعبُّد: بالبيع، والشراء، والنكاح، والطلاق، والإيجارات، والجنايات
... لأنها مقيّدة بأمور وشروط وضوابط شرعية لا خيرة للمكلَّف فيها (1).
(1/20) الناس في
زمنه يقومون في المسجد جماعات متفرقة ووحداناً، وهو - صلى الله عليه وسلم
- صلى بأصحابه في رمضان غير ليلة، ثم امتنع من ذلك مُعلِّلاً، بأنه خشي
أن يُكتب عليهم فيعجزوا عن القيام به، وهذا قد أُمن بعده - صلى الله عليه
وسلم - (1).
(1/21) فمن أخلص
أعماله لله، متّبعاً في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا الذي
عمله مقبول، ومن فقد الإخلاص، والمتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم
-، أو أحدهما فعمله مردود داخل في قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا
عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} (1)، ومن جمع
الأمرين فهو داخل في قوله - عز وجل -: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ
أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ} (2)، وفي قوله تعالى: {بَلَى
مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ
رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (3)، فحديث عمر
- رضي الله عنه -: ((إنما الأعمال بالنيات)) ميزان للأعمال الباطنة،
وحديث عائشة رضي الله عنها: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))
ميزان للأعمال الظاهرة، فهما حديثان عظيمان يدخل فيهما الدين كلّه:
أصوله، وفروعه، ظاهره وباطنه، أقواله، وأفعاله (4).
(1/22) قد يعاند
بعض الفاعلين في بدعة سُبِقَ إليها، فإذا احتُجَّ عليه بالرواية الأولى
يقول: أنا ما أحدثت شيئاً، فيُحتجّ عليه بالثانية التي فيها التصريح بردّ
كل المحدثات، سواء أحدثها الفاعل، أو غيره سبق بإحداثها)) (1).
(1/23) الاختلاف
الحائدين عن الصراط وهم أهل البدع (1)، فهذه الآية تشمل النهي عن جميع
طرق أهل البدع (2).
(1/24) أَوْ مِن
تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} (1).
(1/25) في
النار)) (1).
(1/26) 7 - وعن
حذيفة - رضي الله عنه - قال: كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول
الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير
من شر؟ قال: ((نعم))، فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ((نعم، وفيه
دَخَنٌ))، قلت: وما دَخَنُهُ؟ قال: ((قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير
هديي، تعرف منهم وتُنكر))، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: ((نعم،
دُعاةٌ على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها))، فقلت:
(1/27) وأصحاب
المحنة)) (1).
(1/28) 3 - وقال
عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((اتّبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم،
كل بدعة ضلالة)) (1).
(1/29) 4 - وقال
الإمام مالك رحمه الله: ((من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم
أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - خان الرسالة؛ لأن الله يقول:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (1)، فما لم يكن يومئذ ديناً،
فلا يكون اليوم ديناً)) (2).
(1/30)
المطلب
الرابع: أسباب البدع
(1/31) وقال
سبحانه: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (1).
(1/32)
الْعِقَابِ} (1)، وقال - عز وجل -: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلالاً مُّبِينًا} (2).
(1/33) لأهل
السوء يندم، قال - سبحانه وتعالى -: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى
يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً *
يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً * لَقَدْ
أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ
لِلإِنسَانِ خَذُولاً} (1)، وقال - عز وجل -: {وَإِذَا رَأَيْتَ
الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى
يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ
فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (2)،
وقال - سبحانه وتعالى -: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ
إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ الله يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ
تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ
إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ الله جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ
فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (3)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما
مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك
إما أن يُحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ
الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة)) (4).
(1/34)
الَّلاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ
فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (1)،
وقال - عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ الله مِنَ
الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا
يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2)،
وقال - سبحانه وتعالى -:
(1/35) ويفعلون
ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن،
ومن جاهدهم بقلبهم فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبَّةُ خرْدل))
(1).
(1/36) بالكفار
هو الذي حمل بني إسرائيل على أن يطلبوا هذا الطلب القبيح، وهو الذي حمل
أصحاب النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - على أن يسألوه أن يجعل لهم شجرة
يتبَّركون بها من دون الله - عز وجل -، وهكذا غالب الناس من المسلمين،
قلّدوا الكفار في عمل البدع والشركيات، كأعياد المواليد، وبدع الجنائز،
والبناء على القبور، ولا شك أن اتباع السَّنَن باب من أبواب الأهواء،
والبدع (1) ويزيد ذلك وضوحاً حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لَتتَّبِعُنَّ سَنَنَ من كان
قبلكم: شِبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراعٍ، حتى لو دخلوا في جحر ضبٍّ
لاتّبعتموهم)) قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن))؟ (2)،
قال الإمام النووي رحمه الله: ((السَّنَن، بفتح السين والنون: وهو
الطريق، والمراد بالشبر، والذراع، وجحر الضب: التمثيل بشدّة الموافقة في
المعاصي والمخالفات، لا في الكفر، وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله - صلى
الله عليه وسلم -،فقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -)) (3).
(1/37) فظهر أن
الشبر، والذراع، والطريق، ودخول الجحر تمثيل للاقتداء بهم في كل شيء مما
نهى الشرع عنه وذمّه (1)، وقد حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن
التشبّه بغير أهل الإسلام، فقال: ((بُعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى
يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذلُّ
والصغار على من خالف أمري، ومن تشبّه بقوم فهو منهم)) (2).
(1/38) ثم تتابع
الرسل عليهم الصلاة والسلام (1)، والغلوّ يكون: في الأشخاص، كتقديس
الأئمة، والأولياء، ورفعهم فوق منازلهم، ويصل ذلك في النهاية إلى
عبادتهم، ويكون الغلوّ في الدين، وذلك بالزيادة على ما شرعه الله، أو
التشدّد والتكفير بغير حق، والغلوّ في الحقيقة: هو مجاوزة الحد في
الاعتقادات، والأعمال، وذلك بأن يزاد في حمد الشيء، أو يُزاد في ذمّه على
ما يستحق (2)، وقد حذَّر الله عن الغلوّ فقال - عز وجل - لأهل الكتاب:
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} (3)، وحذّر النبي -
صلى الله عليه وسلم - من الغلوّ في الدين، فعن ابن عباس رضي الله عنهما
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إياكم والغلوّ في الدين،
فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدين)) (4)، فظهر أن الغلوّ في الدين
من أعظم أسباب الشرك، والبدع، والأهواء (5)؛ ولخطر الغلوّ في الدين حذّر
النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإطراء فقال: ((لا تطروني كما أطرت
النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله)) (6).
(1/39)
المطلب
الخامس: أقسام البدع
(1/40) لإحدى
الجهتين سنة لاستنادها إلى دليل، وبالنسبة إلى الجهة الأخرى بدعة لأنها
مستندة إلى شبهة لا إلى دليل، ولأنها مستندة إلى شيء، والفرق بينهما من
جهة المعنى أن الدليل عليها من جهة الأصل قائم، ومن جهة الكيفيات، أو
الأحوال، أو التفاصيل لم يقم عليها، مع أنها محتاجة إليه؛ لأن الغالب
وقوعها في التعبديات لا في العادات المحضة (1)، ومن أمثلة ذلك: الذكر
أدبار الصلوات، أو في أي وقت على هيئة الاجتماع بصوت واحد، أو يدعو
الإمام والناس يؤمِّنون أدبار الصلوات، فالذكر مشروع، ولكن أداءه على هذه
الكيفية غير مشروع، وبدعة مخالفة للسنة (2)، ومن ذلك تخصيص يوم النصف من
شعبان بصيام، وليلته بقيام، وصلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من رجب، وهذه
بدع منكرة، وهي بدعة إضافية؛ لأن عبادات الصلاة والصيام الأصل فيها
المشروعية، لكن يأتي الابتداع في تخصيص الزمان، أو المكان، أو الكيفية؛
فإن ذلك لم يأت في كتاب ولا سنة، فهي مشروعة باعتبار ذاتها، بدعة باعتبار
ما عَرَض لها (3).
(1/41) مُخترَعة،
تشبه الطريقة الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه
(1)، ومن أمثلة ذلك: الزيادة في شرع الله ما ليس منه، كمن يزيد في الصلاة
ركعة، أو يدخل في الدين ما ليس منه، أو يفعل العبادة على كيفية يخالف
فيها هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - (2)، أو يخصّص وقتاً للعبادة
المشروعة لم يخصصه الشرع: كتخصيص يوم النصف من شعبان بصيام وليلته بقيام
(3).
(1/42) للبصر،
وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)) (1)، وكذلك لو
ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس، وهذا كترك المشتبه حذراً من الوقوع
في الحرام، واستبراءً للدين والعرض.
(1/43) وقال آخر:
أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً،
فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا
وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له؛ لكني: أصوم وأفطر، وأصلي
وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) (1).
(1/44)
القسم
الثالث: البدعة القولية الاعتقادية، والبدعة العملية:
(1/45) الصيام
والقيام مشروع، ولكن تخصيصه بوقت من الأوقات يحتاج إلى دليل (1).
(1/46) الشاطبي
رحمه الله: أن إثم المبتدع ليس على رتبة واحدة، بل هو على مراتب مختلفة،
واختلافها يقع من جهات، على النحو الآتي:
(1/47)
القسم الأول:
كفر بواح (1).
(1/48) لقوله -
صلى الله عليه وسلم -: ((فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)) (1).
(1/49) دون الله
مدعوّاً، وذلك المدعو يبتغي إلى الله الوسيلة، ويرجو رحمته، ويخاف عذابه،
فكل من دعا مَيِّتاً، أو غائباً: من الأنبياء، والصالحين، سواء كان بلفظ
الاستغاثة، أو غيرها فقد فعل الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله إلا
بالتوبة منه، فكل من غلا في نبي، أو رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من العبادة
مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني، أو أعني، أو أغثني، أو ارزقني، أو أنا
في حسبك، ونحو هذه الأقوال، فكل هذا شرك وضلال يُستتاب صاحبه، فإن تاب
وإلا قُتل، فإن الله إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب ليُعبد وحده، ولا
يُجعل معه إله آخر.
(1/50) وهذا أمر
لم يشرعه الله، ولا رسوله، ولا فعله أحد من الصحابة، ولا التابعين ولا
أئمة المسلمين، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أجدبوا مرات،
ودهمتهم نوائب، ولم يجيئوا عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل خرج
عمر بالعباس فاستسقى بدعائه، وقد كان السلف ينهون عن الدعاء عند القبور،
فقد رأى علي بن الحسين رضي الله عنهما رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر
النبي - صلى الله عليه وسلم - فيدخل فيها فيدعو فيها، فقال: ألا أحدثكم
حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال:
((لا تجعلوا قبري عيداً، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليَّ، وسلّموا
حيثما كنتم، فسيبلغني سلامكم وصلاتكم)) (1)، ووجه الدلالة أن قبر النبي -
صلى الله عليه وسلم - أفضل قبر على وجه الأرض وقد نهى عن اتخاذه عيداً
فغيره أولى بالنهي كائناً ما كان (2).
(1/51) الرابع
الهجري، وقد بيّن العلماء قديماً وحديثاً بطلان هذه البدعة والرد على من
ابتدعها وعمل بها، فلا يجوز الاحتفال بالمولد، لأمور وبراهين منها:
(1/52) اليهود،
وقيل من المجوس، وقيل من الملاحدة (1)، وأولهم المعز لدين الله العبيدي
المغربي الذي خرج من المغرب إلى مصر في شوال سنة 361هـ، وقدم إلى مصر في
رمضان سنة 362هـ (2)، فهل لعاقل مسلم أن يقلد الرافضة، ويتّبع سنتهم
ويخالف هدي نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -؟.
(1/53) خامساً:
إحداث مثل هذه الموالد البدعية يُفهم منه أن الله تعالى لم يُكمل الدين
لهذه الأمة، فلا بد من تشريع ما يكمل به الدين! ويفهم منه أن الرسول -
صلى الله عليه وسلم - لم يُبلّغ ما ينبغي للأمة حتى جاء هؤلاء المبتدعون
المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به سبحانه، زاعمين أن ذلك
يقرّبهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله - عز وجل
-، وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والله - عز وجل - قد أكمل الدين،
وأتمّ على عباده نعمته.
(1/54) الله}
(1)، وقال - عز وجل -: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ
بِمُؤْمِنِينَ} (2)، وقال سبحانه: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ
الشَّكُورُ} (3).
(1/55) ويومٌ
بعثت، أو أُنزل عليَّ فيه)) (1)، فالمشرع التأسي بالنبي - صلى الله عليه
وسلم - في صيام يوم الإثنين، وعدم الاحتفال بالمولد.
(1/56)
3 - يحصل عمل
قبيح في الاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك يكون بقيام البعض عند ذكر ولادته - صلى الله
عليه وسلم - إكراماً له وتعظيماً، لاعتقادهم أن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - يحضر المولد في مجلس احتفالهم؛ ولهذا يقومون له محيِّين
ومرحبِّين، وهذا من أعظم الباطل، وأقبح الجهل؛ فإن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس،
ولا يحضر اجتماعهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى
عليين عند ربه في دار الكرامة (1)، كما قال الله - عز وجل -: {ثُمَّ
إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} (2)، وقال عليه الصلاة والسلام: ((أنا سيّد
ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشقّ عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفّع))
(3)، فهذه الآية، والحديث الشريف، وما جاء في هذا المعنى من الآيات
والأحاديث، كلّها تدلّ على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من
الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة.
(1/57) أبو بكر
الطرطوشي رحمه الله: أنه أخبره أبو محمد المقدسي فقال: ((وأما صلاة رجب
فلم تحدث عندنا في بيت المقدس إلا بعد سنة ثمانين وأربعمائة [480هـ]، وما
كُنَّا رأيناها، ولا سمعنا بها قبل ذلك)) (1).
(1/58) ركعة يقرأ
في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرةً، و {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ} ثلاثَ مراتٍ، و {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} اثنتي عشرة مرّةً،
يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، ثم ذكر كلاماً طويلاً في صفة التسبيح
والاستغفار، والسجود، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم بيّن
بأن هذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبيّن
أن من يصلِّيها يحتاج إلى أن يصوم، وربما كان النهار شديد الحر، فإذا صام
لم يتمكن من الأكل حتى يصلي المغرب، ثم يقف في صلاته، ويقع في ذلك
التسبيح الطويل، والسجود الطويل، فيتأذّى غاية الأذى، وقال: ((وإني لأغار
لرمضان ولصلاة التراويح كيف زوحم بهذه، بل هذه عند العوام أعظم وأجلّ؛
فإنه يحضرها من لا يحضر الجماعات)) (1).
(1/59) الرغائب
ومفاسدها، فقد بيَّن رحمه الله ذلك على النحو الآتي:
(1/60) عنه؛ فإنه
يلزم من الموافقة على ذلك مفاسد، هي:
(1/61)
الأمر الأول:
مخالفة لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة بسبب عدد السجدات،
وعدد التسبيحات، وعدد قراءة سورتي: ((القدر))،و ((الإخلاص)) في كل ركعة.
(1/62) على جميع
خلقه، قال - عز وجل -: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً
مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجدِ الأَقْصَى الَّذِي
بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
البَصِير} (1).
(1/63) أبو شامة
رحمه الله: ((وذكر عن بعض القُصَّاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل
التعديل والتجريح عين الكذب)) (1)، وذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن
ليلة الإسراء لا يُعرف أيّ ليلة كانت (2).
(1/64)
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (1)، وقال - سبحانه وتعالى -:
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن
بِهِ الله وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ
الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2).
(1/65) ولا يرى
لها فضلاً على ما سواها من الليالي)) (1).
(1/66) النميري
يقول: إن ليلة النصف من شعبان أجرها كأجر ليلة القدر، فقال ابن أبي
مليكة: ((لو سمعته منه وبيدي عصاً لضربته بها، وكان زيادٌ قاضياً)) (1).
(1/67) وغيرهم،
وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز، منهم: عطاء، وابن أبي مليكه،
ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب
مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة، واختلف علماء أهل الشام في صفة
إحيائها على قولين:
(1/68) قال
الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((وأما ما
اختاره الأوزاعي رحمه الله من استحباب قيامها للأفراد، واختيار الحافظ
ابن رجب لهذا القول فهو غريب وضعيف؛ لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية
كونه مشروعاً لم يجزْ للمسلم أن يحدثه في دين الله، سواء فعله مفرداً أو
جماعةً، وسواءً أسرّه أو أعلنه، لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (1)، وغيره من الأدلة الدالة على
إنكار البدع والتحذير منها)) (2).
(1/69) ويقال:
بارك الله الشيءَ، وبارك فيه، أو بارك عليه: أي وضع فيه البركة، وتبارك
لا يوصف به إلا الله تبارك وتعالى، فلا يُقال: تبارك فلان؛ لأن المعنى
عَظُمَ وهذه صفة لا تنبغي إلا الله - عز وجل -، واليُمْنُ: هو البركة:
فالبركة واليُمن لفظان مترادفان، وقد ظهر من معاني ألفاظ القرآن الكريم
أن المقصود بالبركة عدة أمور، منها:
(1/70) ودينه
يحمل اليسر والسماحة.
(1/71) الناس منه
والأنعام والدوابّ، وإنبات الثمار والأشجار، وشجرة الزيتون مباركة،
واللبن مبارك، والخيل مباركة، والغنم مباركة، والنخيل مباركة (1).
(1/72) وعن أنس -
رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى مِنىً، فأتى
الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: ((خذ))، وأشار
إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس))، وفي رواية: ((ثم دعا
أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر)) (1)، فقال:
((احلق)) فحلقه، فأعطاه أبا طلحة فقال: ((اقسمه بين الناس)) (2).
(1/73) فهو كان
خليفته، ولم يفعل به شيء من ذلك، ولا عمر - رضي الله عنه -، وهو كان أفضل
الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل
منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريقٍ صحيح معروف أن متبرّكاً
تبرّك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها)) (1)، ولا شكَّ أنَّ الانتفاع
بعلم العلماء، والاستماع إلى وعظهم، ودعائهم، والحصول على فضل مجالس
الذكر معهم فيها من الخير والبركة والنفع الشيء العظيم، ولكن لا يُتبرّك
بذواتهم، وإنما يُعمل بعلمهم الصحيح، ويُقتدى بأهل السنة منهم (2).
(1/74) 4 -
التبرّك بماء المطر، لا شك أن المطر مبارك لما جعل الله فيه من البركة:
من شرب الناس منه، والأنعام، والدوابّ، وإنبات الأشجار، والثمار، وأحيى
به الله كل شيء، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس -
رضي الله عنه -، قال: أصابنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
مطر. قال: فحسر (1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبه حتى أصابه من
المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: ((لأنه حديثُ عهدٍ بربه))
(2)، قال الإمام النووي رحمه الله: ((ومعنى حديث عهد بربه: أي بتكوين ربه
إياه، ومعناه أن المطر رحمة، وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها،
فيُتبرّك بها)) (3).
(1/75) والمسجد
الأقصى، والمسجد النبوي، وإنما تُستحب الزيارة لقبره لمن كان في المدينة،
أو زار المسجد ثم زار قبره، وصفة الزيارة: إذا دخل المسجد صلى تحية
المسجد، ثم يذهب إلى القبر ويقف بأدبٍ مستقبلاً الحجرة، فيقول بأدب وخفض
صوت: ((السلام عليك يا رسول الله))، وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يزيد
على ذلك، وإن زاد ((السلام عليك يارسول الله، يا خيرة الله من خلقه، أشهد
أنك رسول الله حقاً، وأنك قد بلَّغت الرسالة، وأدّيت الأمانة، وجاهدت في
الله حق جهاده، ونصحت الأمة))، فلا بأس بذلك لأن ذلك من صفاته (1)، ولا
يدعو عند القبر؛ لظنه أن الدعاء عنده مُستجاب، ولا يطلب منه الشفاعة، ولا
يتمسح بالقبر، ولا يقبّله، ولا شيء من جدرانه، ولا يتبرّك بالمواضع التي
جلس فيها أو صلى فيها، ولا بالطرق التي سار عليها، ولا بالمكان الذي أنزل
عليه فيه الوحي، ولا بمكان ولادته، ولا بليلة مولده، ولا بالليلة التي
أُسري به فيها، ولا بذكرى الهجرة، ولا غير ذلك مما لم يشرعه الله، ولا
رسوله - صلى الله عليه وسلم - (2).
(1/76) أو
ينفعون، أو يعطون أو يمنعون، أما من فعل ذلك يرجو البركة من الله بالتبرك
بهم فقد ابتدع بدعة نكراء، وعمل عملاً قبيحاً (1).
(1/77) ولا يجوز
التمسّح، ولا تقبيل مقام إبراهيم، ولا الحجر، ولا شيئاً من جدران المسجد،
ولا يُتبرّك بجبل حراء، ويُسمَّى جبل النور، ولا تشرع زيارته، ولا الصعود
إليه، ولا قصده للصلاة، ولا يُتبرّك بجبل ثور، ولا تُشرع زيارته، ولا جبل
عرفات، ولا جبل أبي قبيس، ولا جبل ثبير، ولا يُتبرّك بالدور: كدار الأرقم
ولا غيرها، ولا تشرع زيارة جبل الطور، ولا تُشدّ الرحال إليه، ولا
يُتبرّك بالأشجار والأحجار ونحوها (1).
(1/78) قال
العلامة السعدي رحمه الله في تعليقه على كتاب التوحيد: باب من تبرك بشجرة
أو حجرة أو نحوهما: ((أي فإن ذلك من الشرك، ومن أعمال المشركين؛ فإن
العلماء اتفقوا على أنه لا يشرع التبرك بشيء من الأشجار، والأحجار،
والبقع، والمشاهد وغيرها؛ فإن هذا التبرك غلوٌّ فيها، وذلك يتدرّج به إلى
دعائها وعبادتها وهذا هو الشرك الأكبر كما تقدم انطباق الحديث عليه، وهذا
عام في كل شيء حتى مقام إبراهيم، وحجرة النبي - صلى الله عليه وسلم -،
وصخرة بيت المقدس، وغيرها من البقع الفاضلة.
(1/79)
بِدِينِكُمْ وَالله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ
(1/80)
6 - البناء
على القبور: واتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها،
ودفن الأموات فيها، والصلاة إلى القبور، وزيارتها لأجل التبرّك بها،
والتوسّل بأصحابها، أو غيرهم من الموتى، والتبرك بالصلاة عند قبورهم، أو
الدعاء عندها، وزيارة النساء للقبور، واتّخاذ السّرُج عليها، كلّ ذلك من
البدع المنكرة القبيحة (1).
(1/81) قال: إنه
لا يقبل توبة مبتدع مطلقاً فقد غلط غلطاً منكراً)) (1)، فقد فسّر شيخ
الإسلام حديث حجب التوبة عن صاحب البدعة بكلامه هذا تفسيراً واضحاً ولله
الحمد، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: ((إن الله حجب التوبة عن صاحب كل بدعة)) (2)، وقد وضح المعنى
لهذا الحديث في كلام ابن تيمية رحمه الله آنفاً، ولا شك أن النصوص يُفسّر
بعضها بعضاً، والله - عز وجل - بيّن لعباده أنه يقبل توبة التائبين إذا
أقلعوا عن جرائمهم، وندموا وعزموا على أن لا يعودوا، وردّوا الحقوق إلى
أهلها إن وجدت، فقال سبحانه بعد أن ذكر المشركين، والقتلة، والزناة،
وتوعّدهم بالإهانة: {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا
فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله
غَفُورًا رَّحِيمًا} (3).
(1/82) غَفُورًا
رَّحِيمًا} (1).
(1/83) فقال -
سبحانه وتعالى -: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ *
لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}
(1).
(1/84) من
المعصية؛ فإن المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منها)) (1)، وهذا في
الغالب، والله - عز وجل - يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
(1/85) وقد حثَّ
النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأعمال الصالحة قبل وقوع الفتن فقال:
((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي
كافراً، أو يمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا)) (1).
(1/86) مثل آثام
من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)) (1).
(1/87) فيقال:
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)) (1).
(1/88) 15 -
المبتدعة يكتمون الحقّ، ويُخفونه على أتباعهم، وقد توعّد الله هؤلاء
وأمثالهم باللعنة، قال - عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا
أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ
لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ
الَّلاعِنُونَ} (1).
(1/89) الشرّ،
وإذا جاهر بفسقه، وبدعته، والتعريف (1)، وقد جمع بعضهم هذه الأمور الستة
في قوله:
(1/90)
|
|