العقيدة الصحيحة وما يضادها ونواقض الإسلام
الكتاب: العقيدة الصحيحة وما يضادها ونواقض الإسلام [المقدمة]
(/) بسم الله
الرحمن الرحيم
(1/3) وملائكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه فهذه الأمور الستة هي أصول
العقيدة الصحيحة التي نزل بها كتاب الله العزيز، وبعث الله بها رسوله
محمدًا عليه الصلاة والسلام، ويتفرع عن هذه الأصول كل ما يجب الإيمان به
من أمور الغيب، وجميع ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأدلة
هذه الأصول الستة في الكتاب والسنة كثيرة جدًا، فمن ذلك قول الله سبحانه:
{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177]
الآية، وقوله سبحانه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ
رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285] وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي
نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ
وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 136]
وقوله سبحانه: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70]
(1/4) أما
الأحاديث الصحيحة الدالة على هذه الأصول فكثيرة جدا منها الحديث الصحيح
المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن
الإيمان، فقال له: «الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه ورسله واليوم
الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» الحديث، وأخرجه الشيخان من حديث أبي
هريرة. وهذه الأصول الستة: يتفرع عنها جميع ما يجب على المسلم اعتقاده في
حق الله سبحانه وفي أمر المعاد وغير ذلك من أمور الغيب.
(1/5) وقال
سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ - الَّذِي جَعَلَ
لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ
فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:
21 - 22] وقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لبيان هذا الحق والدعوة إليه،
والتحذير مما يضاده كما قال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي
كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ
مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا
فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] وقال عز وجل: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ
ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ - أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا
اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} [هود: 1 - 2] وحقيقة
هذه العبادة في إفراد الله سبحانه بجميع ما تعبد العباد به من دعاء وخوف
ورجاء وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة على وجه الخضوع له
والرغبة والرهبة مع كمال الحب له سبحانه
(1/6) والذل
لعظمته، وغالب القرآن الكريم نزل في هذا الأصل العظيم، كقوله سبحانه:
{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ - أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ
الْخَالِصُ} [الزمر: 2 - 3] وقوله سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا
تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] وقوله عز وجل: {فَادْعُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر:
14] وفي الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا»
(1/7) معنى لا
إله إلا الله، فإن معناها لا معبود بحق إلا الله فكل ما عبد من دون الله
من بشر أو ملك أو جني أو غير ذلك فكله معبود بالباطل، والمعبود بالحق هو
الله وحده كما قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ
وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} [لقمان: 30] وقد سبق
بيان أن الله سبحانه خلق الثقلين لهذا الأصل الأصيل وأمرهم به، وأرسل به
رسله وأنزل به كتبه، فتأمل ذلك جيدا وتدبره كثيرا ليتضح لك ما وقع فيه
أكثر المسلمين من الجهل العظيم بهذا الأصل الأصيل حتى عبدوا مع الله
غيره، وصرفوا خالص حقه لسواه، فالله المستعان.
(1/8) في جميع
ذلك، كما قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62] وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ
حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ
أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]
(1/9) بإحسان،
وهي التي نقلها الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله في كتاب "المقالات عن
أصحاب الحديث وأهل السنة" ونقلها غيره من أهل العلم والإيمان.
(1/10) رجل سوء!
وأمر به فأخرج.
(1/11) والعقلية
والردّ على المخالفين بما يظهر الحق ويدمغ الباطل لكل من نظر في ذلك من
أهل العلم بقصد صالح ورغبة في معرفة الحق، وكل من خالف أهل السنّة فيما
اعتقدوا في باب الأسماء والصفات إنه يقع ولا بد في مخالفة الأدلّة
النقلية والعقلية مع التناقض الواضح في كل ما يثبته وينفيه.
(1/12) تفسيره
المشهور عند كلامه على قول الله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] الآية كلاما حسنا في هذا الباب
يحسن نقله ها هنا لعظم فائدته. قال رحمه الله ما نصه: للناس في هذا
المقام مقالات كثيرة جدا ليس هذا موضع بسطها وإنما نسلك في هذا المقام
مذهب السلف الصالح: مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد
وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما
جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر في أذهان
المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبه شيء من خلقه وليس كمثله شيء وهو
السميع البصير، بل الأمر كما قال الأئمة منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ
البخاري قال: من شبّه الله بخلقه كفر، ومن جحد مما وصف الله به نفسه فقد
كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبتَ لله تعالى
مما وردت به الآيات الصريحة والأخبار
(1/13) الصحيحة
على الوجه الذي يليق بجلال الله ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل
الهدى.
(1/14) سبحانه
أنزل كتبا على أنبيائه ورسله لبيان حقه والدعوة إليه، كما قال تعالى:
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ
الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]
الآية، وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ
الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا
فِيهِ} [البقرة: 213] الآية.
(1/15) وقال
تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ
جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ
وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] الآيات في هذا
المعنى كثيرة.
(1/16) وهود
وصالح وإبراهيم وغيرهم، عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
(1/17) من شؤونهم
لا يخفى عليه من ذلك شيء سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه: {أَنَّ اللَّهَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 231] وقال عز وجل: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]
(1/18) غيره ولا
رب سواه، كما قال سبحانه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ
يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى
تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3] فالإيمان بالقدر يشمل الإيمان بهذه الأمور الأربع
عند أهل السنة والجماعة خلافا لمن أنكر بعض ذلك من أهل البدع.
(1/19) [الحب
في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله]
(1/20) ويسبونهم
ويغلون في أهل البيت، ويرفعونهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله عز وجل،
كما يتبرؤون من طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل.
(1/21) فهم أصناف
كثيرة، فمنهم عباد الأصنام والأوثان والملائكة والأولياء والجن والأشجار
والأحجار وغيرها، فهؤلاء لم يستجيبوا لدعوة الرسل بل خالفوهم وعاندونهم
كما فعلت قريش وأصناف العرب مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا
يسألون معبوداتهم قضاء الحاجات وشفاء المرضى والنصر على الأعداء، ويذبحون
لهم وينذرون لهم، فلمّا أنكر عليهم رسول صلى الله عليه وسلم ذلك وأمرهم
بإخلاص العبادة لله وحده، استغربوا ذلك وأنكروه وقالوا: {أَجَعَلَ
الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5] فلم
يزل صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الله وينذرهم من الشرك، ويشرح لهم
حقيقة ما يدعون إليه حتى هدى الله منهم من هدى، ثم دخلوا بعد ذلك في دين
الله أفواجا، فظهر دين الله على سائر الأديان بعد دعوة متواصلة وجهاد
طويل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والتابعين
لهم بإحسان، ثم تغّيرت الأحوال وغلب الجهل على أكثر الخلق حتى عاد
الأكثرون إلى دين الجاهلية، بالغلو في الأنبياء والأولياء ودعائهم
والاستغاثة
(1/22) بهم وغير
ذلك من أنواع الشرك، ولم يعرفوا معنى لا إله إلا الله كما عرف معناها
كفار العرب فالله المستعان.
(1/23) فأبان
بذلك سبحانه أن عبادتهم لغيره بالدعاء والخوف والرجاء ونحو ذلك كفر به
سبحانه، وأكذبهم في قولهم إن آلهتهم تقربهم إليه زلفى.
(1/24) وبعض
المتصوفة من أن بعض من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير
ويتصرفون في شؤون العالم ويسمونهم بالأقطاب والأوتاد والأغواث وغير ذلك
من الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم، وهذا من أقبح الشرك في الربوبية وهو
شر من شرك جاهلية العرب، لأن كفار العرب لم يشركوا في الربوبية وإنما
أشركوا في العبادة، وكان شركهم في حال الرخاء، أما في حال الشدة فيخلصون
لله العبادة كما قال الله سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى
الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65] أما الربوبية فكانوا
معترفين بها له وحده كما قال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ
خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] وقال تعالى: {قُلْ مَنْ
يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ
وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ
اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس: 31] والآيات في هذا المعنى
كثيرة.
(1/25) إحداهما:
شرك بعضهم في الربوبية، والثانية: شركهم في الرخاء والشدّة، كما يعلم ذلك
من خالطهم وسبر أحوالهم، ورأى ما يفعلون عند قبر الحسين والبدوي وغيرهما
في مصر، وعند قبر العيدروس في عدن، والهادي في اليمن وابن عربي في الشام،
والشيخ عبد القادر الجيلاني في العراق، وغيرها من القبور المشهورة التي
غلت فيها العامة وصرفوا لها الكثير من حق الله عز وجلّ، وقل من ينكر
عليهم ذلك ويبين لهم حقيقة التوحيد الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه
وسلم، ومن قبله من الرسل عليهم الصلاة والسلام فإنا لله وإنا إليه
راجعون. ونسأله سبحانه أن يردهم إلى رشدهم وأن يكثر بينهم دعاة الهدى وأن
يوفق قادة المسلمين وعلماءهم لمحاربة هذا الشرك والقضاء عليه ووسائله إنه
سميع قريب.
(1/26) سبحانه من
صفات الكمال ووصفه عز وجل بصفة المعدومات والجمادات والمستحيلات تعالى
الله عن قولهم علوا كبيرا. ويدخل في ذلك من نفى بعض الصفات وأثبت بعضها
كالأشاعرة فإنه يلزمهم فيما أثبتوه من الصفات نظير ما فروا منه في الصفات
التي نفوها وتأولوا أدلتها فخالفوا بذلك الأدلة السمعية والعقلية،
وتناقضوا في ذلك تناقضا بينا، أمّا أهل السنّة والجماعة فقد أثبتوا لله
سبحانه ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من
الأسماء والصفات على وجه الكمال، ونزهوه عن مشابهة خالقه تنزيها بريئا من
شائبة التعطيل فعملوا بالأدلة كلها ولم يحرّفوا ولم يعطلوا، وسلموا من
التناقض الذي وقع فيه غيرهم- كما سبق بيان ذلك-، وهذا هو سبيل النجاة،
والسعادة في الدنيا والآخرة وهو الصراط المستقيم الذي سلكه سلف هذه الأمة
وأئمتها، ولن يصلح آخرهم إلا ما صلح به أولهم وهو اتباع الكتاب والسنة،
وترك ما خالفهما.
(1/27) [وجوب
عبادة الله وحده وبيان أسباب النصر على أعداء الله]
(1/28) أوامره
وترك نواهيه على ما دل عليه كتابه الكريم وسنّة رسوله الأمين عليه من ربه
أفضل الصلاة والتسليم، وقد أمر الله سبحانه جميع الثقلين بهذه العبادة
التي خلقوا لها وأرسل الرسل جميعا وأنزل الكتب لبيان هذه العبادة
وتفصيلها والدعوة إليها والأمر بإخلاصها لله وحده كما قال تعالى: {يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] وقال عز وجل:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] ومعنى قضى في هذه الآية أمر وأوصى. وقال
تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ
وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] والآيات في هذا المعنى في كتاب
الله كثيرة وقال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ} [الحشر: 7] وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]
(1/29) وقال عز
وجل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]
الآية.
(1/30)
والاستغاثة بهم واللجوء إليهم وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكروب وشفاء
المرضى والنصر على الأعداء إلى غير ذلك من أنواع الشرك الأكبر، وقد صح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق ما دل عليه كتاب الله عز وجل، ففي
الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:
«أتدري ما حق الله على العباد وحق العباد على الله؟ فقال معاذ: قلت الله
ورسوله أعلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حق الله على العباد أن
يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك
به شيئا» الحديث. وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار» وأخرج مسلم
في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لقي
الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار»
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وهذه المسألة هي من أهم المسائل وأعظمها
وقد بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى التوحيد
(1/31) والنهي عن
الشرك فقام بتبليغ ما بعثه الله به- عليه الصلاة والسلام- أكمل قيام،
وأوذي في الله أشد الأذى فصبر على ذلك، وصبر معه أصحابه رضي الله عنهم
على تبليغ الدعوة حتى أزال الله من الجزيرة العربية جميع الأصنام
والأوثان، ودخل الناس في دين الله أفواجًا وكسرت الأصنام التي حول الكعبة
وفي داخلها وهدمت اللات والعزى ومناة وكسرت جميع الأصنام التي في قبائل
العرب، وهدمت الأوثان التي لديهم وعلت كلمة الله وظهر الإسلام قي الجزيرة
العربية، ثم توجه المسلمون بالدعوة والجهاد إلى خارج الجزيرة، وهدى الله
بهم من سبقت له السعادة من العباد ونشر الله بهم الحق والعدل في غالب
أرجاء المعمورة، وصاروا بذلك أئمة الهدى وقادة الحق، ودعاة العدل
والإصلاح، وسار على سبيلهم من التابعين وأتباعهم بإحسان أئمة الهدى ودعاة
الحق ينشرون دين الله، ويدعون الناس إلى توحيد الله ويجاهدون في سبيل
الله بأنفسهم وأموالهم لا يخافون في الله لومة لائم، فأيدهم الله
(1/32) ونصرهم
وأظهرهم على من ناوأهم وَوَفّى لهم بما وعدهم به في قوله سبحانه: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ
وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7] وقوله عز وجل: {وَلَيَنْصُرَنَّ
اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ - الَّذِينَ
إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ
وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 40 - 41] ثم غير الناس بعد ذلك
وتفرقوا وتساهلوا بأمر الجهاد وآثروا الراحة واتباع الشهوات، وظهرت فيهم
المنكرات إلا من عصم الله سبحانه؛ فغير الله عليهم وسلط عليهم عدوهم جزاء
بما كسبوا وما ربك بظلام للعبيد قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ
يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا
مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53] فالواجب على جميع المسلمين حكومات
وشعوبا الرجوع إلى الله سبحانه وإخلاص العبادة له وحده والتوبة إليه مما
سلف من تقصيرهم وذنوبهم والبدار بأداء ما أوجب الله عليهم من الفرائض
والابتعاد عما حرم عليهم، والتواصي فيما بينهم بذلك والتعاون عليه.
(1/33) ومن أهم
ذلك إقامة الحدود الشرعية وتحكيم الشريعة بين الناس في كل شيء، والتحاكم
إليها وتعطيل القوانين الوضعية المخالفة لشرع الله، وعدم التحاكم إليها
وإلزام جميع الشعوب بحكم الشرع، كما يجب على العلماء تفقيه الناس في
دينهم ونشر التوعية الإسلامية بينهم والتواصي بالحق والصبر عليه والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشجيع الحكام على ذلك، كما يجب محاربة
المبادئ الهدامة من اشتراكية وبعثية وتعصب للقوميات وغيرها من المبادئ
والمذاهب المخالفة للشريعة، وبذلك يصلح الله للمسلمين ما كان فاسدا ويرد
لهم ما كان شاردا ويعيد لهم مجدهم السالف وينصرهم على أعدائهم، ويمكن لهم
في الأرض كما قال تعالى وهو أصدق القائلين: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا
نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47] وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]
(1/34) وقال
سبحانه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ - يَوْمَ لَا
يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ
سُوءُ الدَّارِ} [غافر: 51 - 52]
(1/35) [نواقض
الإسلام]
(1/36) الأول: من
النواقض العشرة: الشرك في عبادة الله، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ
يَشَاءُ} [النساء: 48] وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا
لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72] ومن ذلك دعاء الأموات
والاستغاثة بهم والنذر والذبح لهم.
(1/37) السادس:
من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر
والدليل قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ - لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66]
(1/38) التاسع:
من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو
كافر لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ
يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:
85]
(1/39) ويدخل في
القسم الرابع من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل من
شريعة الإسلام، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين، أو
أنه كان سببا في تخلف المسلمين، أو أنه يحصر في علاقة المرء بربه دون أن
يتدخل في شؤون الحياة الأخرى، ويدخل في الرابع أيضا من يرى أن إنفاذ حكم
الله في قطع يد السارق أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر،
ويدخل في ذلك أيضا كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في
المعاملات أو الحدود أو غيرهما وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة؛
لأنه بذلك يكون قد استباح ما حرم الله إجماعا، وكل من استباح ما حرم الله
مما هو معلوم من الدين بالضرورة كالزنا والخمر والربا والحكم بغير شريعة
الله فهو كافر بإجماع المسلمين. نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه
وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1/40)
|
|