حقيقة شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الكتاب: حقيقة شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة
شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(/) بسم الله
الرحمن الرحيم
(1/3)
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (1) وقوله
تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} (2) وقوله - عز وجل -:
{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} (3) {لَسْتَ عَلَيْهِمْ
بِمُسَيْطِرٍ} (4) إلى غير ذلك من الآيات.
(1/4) غربة
الإسلام، وبات المعروف فيها منكرا، والمنكر فيها معروفا، وقل من يرفع
رأسه بالحق ويظهره، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
(1/5) صفحة
فارغة
(1/6) تمهيد
(1/7) كبرا
وحسدا وبغيا، فكان عقابه أن طرد من رحمة الله، وحلت عليه لعنة الله، لكن
الخبيث ازداد بغيه، وعظم حقده على آدم وذريته، وطلب من الله الإنظار إلى
يوم القيامة، فأنظره الله، عند ذلك قال - كما قص الله خبره -: {قَالَ
فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}
(1) {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ
وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ
شَاكِرِينَ} (2)
(1/8) وقوله -
سبحانه -: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ
أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ
إِلَّا قَلِيلًا} (1) الآية
(1/9) إلى
مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد،
حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت، هذا ما قاله ابن عباس - رضي الله
عنهما - كما في البخاري
(1/10) لكن الله
- سبحانه - بحكمته وعلمه ورحمته بعباده لم يتركهم هملا يغويهم إبليس
وجنده، بل أرسل إليهم الرسل؛ لتبين لهم الدين الحق، وتحذرهم من الشرك
والضلال؛ رحمة منه بعباده، وإقامة للحجة عليهم: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ
عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} (1) ويقول - سبحانه
-: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ
عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا
حَكِيمًا} (2) ويقول - سبحانه -: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (3) {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (4)
(1/11) الفواحش
ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله - عز وجل -؛ ولذلك
مدح نفسه» وفي لفظ لمسلم: «من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل (1) » وفي
[الصحيحين] من حديث سعد بن عبادة - رضي الله عنه -: «ولا شخص أحب إليه
العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين (2) »
(1/12) إلى
الطعام والشراب والدواء، إذ قصارى نقص ذلك أو عدمه تلف الأبدان، أما
الرسالة ففيها حياة القلوب والأديان، بل الرسالة ضرورية في إصلاح العبد
في معاشه ومعاده، فكما أنه لا صلاح له في آخرته إلا باتباع الرسالة،
فكذلك لا صلاح له في معاشه ودنياه إلا باتباع الرسالة، كما قرر ذلك شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله (1)
(1/13)
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ} (1) وقال - سبحانه -: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ
إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (2)
(1/14) ؛ إذ هذا
مقتضى الرسالة، يقول - عز وجل -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا
لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (1)
(1/15) وبعد أن
رفع عيسى - عليه السلام -، وطال ببني آدم العهد قبل بعثة النبي - صلى
الله عليه وسلم - حمل إبليس بخيله ورجله على بني آدم، فأضلهم ضلالا
بعيدا، وأوقعهم في الكفر والشرك والضلال بصنوفه إلا قليلا منهم، وبلغ من
حالهم أن مقتهم الله - سبحانه - عربهم وعجمهم إلا القليل.
(1/16) إن ربي
أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبدا حلال،
وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم،
وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا.
وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل
الكتاب. وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله
الماء، تقرؤه نائما ويقظان» . . الحديث
(1/17) الرسل،
وهدى به من الضلال، وعلم به من الجهالة وفتح برسالته أعينا عميا، وآذانا
صما، وقلوبا غلفا، فأشرقت الأرض بعد ظلماتها، وتألفت به القلوب بعد
شتاتها، فأقام به الملة العوجاء، وأوضح به المحجة البيضاء، ورفع الله
الآصار والأغلال، وجعل رسالته عامة للإنس والجان: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} (1) {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي
رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (2)
(1/18) وأوضح به
الطريق، وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وأبصر به العمى، وأرشد به
من الغي، وفرق به ما بين الأبرار والفجار، وجعل الهدى والفلاح في اتباعه
وموافقته، والضلال والشقاء في معصيته ومخالفته، رؤوف رحيم بالمؤمنين،
حريص على هداية الخلق أجمعين، عزيز عليه عنادهم وتعنتهم: {لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (1)
(1/19) الشرائع
والكتب الناسخ لها: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ
وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (1) ويقول - عز وجل
-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا
بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (2)
(1/20) من دون
الله، (إلا الله) مثبتا العبادة لله وحده لا شريك له.
(1/21) فصل
(1/22) وفي
[الصحيحين] (1) من حديث أبي سفيان - - رضي الله عنه -، وقصته مع هرقل،
وسؤال هرقل له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان فيما سأله أن
قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. . . إلى أن قال هرقل لأبي
سفيان: سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب
قومها. هذا لفظ البخاري.
(1/23) فيه،
وعدنان من ولد إسماعيل نبي الله - عليه السلام -، وإسماعيل هو ابن
إبراهيم عليه السلام.
(1/24) فصل
(1/25) فصل
(1/26) مني
الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية
حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني
فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
(1) {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} (2) {اقْرَأْ وَرَبُّكَ
الْأَكْرَمُ} (3) فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده،
فدخل على خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - فقال: " زملوني زملوني "
فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: لخديجة وأخبرها الخبر: " لقد خشيت على
نفسي ". فقالت خديجة: كلا، والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم،
وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت
به خديجة، حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة،
وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية، وكان
(1/27) يكتب
الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان
شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال له
ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني
فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " أومخرجي هم؟ ! " قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا
عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر
الوحي» . أخرجه البخاري
(1/28) فصل
(1/29) وقد نعى
الله - سبحانه - إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أجله حين أنزل الله
عليه سورة النصر، ففي [صحيح البخاري] عن ابن عباس - رضي الله عنهما -
قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم
تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حيث علمتم. فدعاه ذات
يوم فأدخله معهم، فما رئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم، قال: ما تقولون
في قول الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} (1) ؟ فقال
بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم
يقل شيئا، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ ! فقلت: لا، قال: فما تقول؟
قلت: هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه له، قال: {إِذَا
جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} (2) وذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} (3)
(1/30) فقال عمر:
ما أعلم منها إلا ما تقول (1)
(1/31) لا يبقين
في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر» متفق عليه
(1/32) ونحري،
وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل علي عبد الرحمن وبيده السواك
وأنا مسندة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرأيته ينظر إليه، وعرفت
أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم، فتناولته، فاشتد
عليه، وقلت: ألينه لك، فأشار برأسه: أن نعم، فلينته وبين يديه ركوة أو
علبة - يشك عمر - فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه،
يقول: " لا إله إلا الله، إن للموت سكرات " ثم نصب يده، فجعل يقول: " في
الرفيق الأعلى " حتى قبض ومالت يده» . أخرجه البخاري
(1/33) وفي السنة
الحادية عشرة من الهجرة باتفاق، وفي شهر ربيع الأول، قال ابن هشام في
[السيرة النبوية] له: قالوا كلهم: وفي ربيع الأول. غير أنهم قالوا، أو
قال أكثرهم: في الثاني عشر من ربيع، ولا يصح أن يكون توفي - صلى الله
عليه وسلم - إلا في الثاني من الشهر، أو الثالث عشر، أو الرابع عشر، أو
الخامس عشر؛ لإجماع المسلمين على أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم
الجمعة، وهو التاسع من ذي الحجة، فدخل ذو الحجة يوم الخميس، فكان المحرم
إما الجمعة وإما السبت، فإن كان الجمعة فقد كان صفر إما السبت وإما
الأحد، فإن كان السبت فقد كان ربيع الأحد أو الإثنين، وكيفما دارت الحال
على هذا الحساب، فلم يكن الثاني عشر من ربيع يوم الإثنين بوجه إلخ.
(1/34) وكان عمره
- صلى الله عليه وسلم - يوم وفاته ثلاثا وستين سنة، كما صح ذلك عن جمع من
الصحابة - رضي الله عنهم -، كعائشة (1) - رضي الله عنها -، وابن عباس (2)
- رضي الله عنهما - وغيرهما.
(1/35) على كل
الملل والطوائف، وأهله المحققون له هم الغالبون {وَلَقَدْ سَبَقَتْ
كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} (1) {إِنَّهُمْ لَهُمُ
الْمَنْصُورُونَ} (2) {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (3)
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (4)
(1/36) ولو ذهبنا
نذكر شيئا يسيرا من بعض جوانب سيرة هذا النبي العظيم - صلى الله عليه
وسلم - لاحتمل المقام أسفارا عظيمة، ولما وفينا المقام حقه، لكنا قصدنا
بهذه الرسالة اللطيفة التنبيه على أهم المهمات في حقيقة شهادة أن محمدا
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مما لا بد لكل مسلم ومسلمة من معرفته
وتحقيقه وتطبيقه؛ لينجو من عذاب الله.
(1/37) فصل
(1/38) وهو أجل
أسمائه - صلى الله عليه وسلم -، يقول حسان بن ثابت - رضي الله عنه -:
(1/39) عبد الله
بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - في ذكر صفة النبي - صلى الله عليه
وسلم - في التوراة، حيث جاء فيه «وأنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل (1) »
. . . الحديث. أخرجه البخاري، وسيأتي
(1/40) والحاشر،
ونبي التوبة، ونبي الرحمة» أخرجه مسلم.
(1/41) وأما
الماحي والحاشر والعاقب فقد جاءت مفسرة في حديث جبير بن مطعم - رضي الله
عنه - المتقدم.
(1/42) فصل
(1/43) والأخلاق
السنية. وهذا مشعر بأنه أفضل منهم في الدارين، أما في الدنيا فلما اتصف
به من الأخلاق العظيمة، وأما في الآخرة فلأن الجزاء مرتب على الأخلاق
والأوصاف، فإذا فضلهم في الدنيا في المناقب والصفات، فضلهم في الآخرة في
المراتب والدرجات.
(1/44) فمن دونه؛
لقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول
من تنشق عنه الأرض، وأول شافع ومشفع، بيدي لواء الحمد، تحتي آدم فمن دونه
(1) »
(1/45) فعن عبد
الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، أنه سمع النبي - صلى الله عليه
وسلم - يقول: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه
من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها
منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو،
فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة (1) » أخرجه مسلم
(1/46)
{يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي} (1) {يَامُوسَى إِنِّي
أَنَا اللَّهُ} (2) {يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ} (3) {يَاإِبْرَاهِيمُ
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} (4) {يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} (5)
{يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ} (6) {يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ
خَلِيفَةً} (7) {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} (8)
(1/47) ومن
خصائصه - صلى الله عليه وسلم -: أن معجزات كل نبي تصرمت وانقرضت، ومعجزة
سيد الأولين والآخرين ـ وهي القرآن الكريم ـ باقية إلى يوم القيامة، يقول
النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من
الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أتيت وحيا أوحى الله إلي،
فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة (1) »
(1/48) الله عنه
(1/49) فصل
(1/50) فقد تزوج
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ولد له»
(1/51) وقد نوه
الله بأنواع من كريم أخلاقه وسجاياه - صلى الله عليه وسلم -، فقال -
سبحانه -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} (1) وقال - عز
وجل -: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى
الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (2) ، وقال - سبحانه -: {لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (3) وقال - عز وجل
-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (4)
(1/52) القرآن:
يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وحرزا للأميين، أنت عبدي
ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع
بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة
العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله. ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما،
وقلوبا غلفا»
(1/53) فخدمته -
أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفر والحضر، ما قال لي لشيء
صنعته: لم صنعت هذا هكذا، ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا»
(1/54) فصل
(1/55) ستة
وأربعين جزءا من النبوة»
(1/56) قلت ما
أشكل العين؟ قال: طويل شق العين، قال: قلت: ما منهوس العقب؟ قال: قليل
لحم العقب) » أخرجه مسلم.
(1/57) كأنما
يمشي في صعد - قال حسن: تكفأ - وإذا التفت التفت جميعا) » أخرجه الإمام
أحمد.
(1/58) والصب: ما
انحدر من الأرض. والصعد، قال في [النهاية] : (كأنما ينحط في صعد) هكذا
جاء في رواية، يعني: موضعا عاليا يصعد فيه وينحط. . . إلى أن قال: والصعد
- بضمتين -: جمع صعود، وهو خلاف الهبوط (1)
(1/59) فصل
(1/60) «والذي
نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت
ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» رواه مسلم (1)
(1/61)
والمرسلين، وأن كتابه القرآن الكريم هو آخر الكتب المنزلة المهيمن عليها،
وشريعته الناسخة للشرائع قبلها، يقول - عز وجل -: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ
أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ
النَّبِيِّينَ} (1) الآية، ويقول - عز وجل -: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا
عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ
وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ
وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (2) ويقول - سبحانه -:
{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ
وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3)
(1/62) العقائد
الثابتة بيقين، والإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - قد جاءت به
الآيات صريحة قاطعة للمعذرة، يقول الله - عز وجل -: {يَاأَيُّهَا
النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا
خَيْرًا لَكُمْ} (1) ويقول - سبحانه -: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ
إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ} (2) ويقول - سبحانه -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى
رَسُولِهِ} (3)
(1/63) إلا
اتباعه، يقول الله - عز وجل -: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ
النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ
وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ
إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ
الشَّاهِدِينَ} (1) {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ} (2)
(1/64)
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (1)
(1/65) {وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1)
(1/66) {فَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ
جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} (1) وقال في
سورة المدثر فيمن كذب خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به من
القرآن - يقول الله - عز وجل -: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} (2)
{وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا} (3) {وَبَنِينَ شُهُودًا} (4)
{وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا} (5) {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ} (6)
{كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا} (7) {سَأُرْهِقُهُ
صَعُودًا} (8) {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} (9) {فَقُتِلَ كَيْفَ
قَدَّرَ} (10) {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} (11) {ثُمَّ نَظَرَ} (12)
{ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} (13) {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ} (14)
{فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} (15) {إِنْ هَذَا إِلَّا
قَوْلُ الْبَشَرِ} (16) {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} (17)
(1/67) {ثُمَّ
أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا
كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ
فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} (1)
(1/68) ومن حقيقة
شهادة أن محمدا رسول الله: محبته - صلى الله عليه وسلم - ونصرته وموالاته
وتعظيمه، وبعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - تكون النصرة لسنته صلى الله
عليه وسلم.
(1/69) على محبة
الله ورسوله، فقال - سبحانه -: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ
وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا
وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ
بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (1)
(1/70) ودليل
النصرة والتعظيم قوله تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ
وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1) وقال - سبحانه -: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ
شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (2) {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلًا} (3) ويقول - سبحانه -: {ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ
لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} (4)
(1/71) {إِلَّا
تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} (1) ويقول - سبحانه -: {لَا
تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}
(2)
(1/72) والدليل
قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ
أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ
الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ
أَجْرًا عَظِيمًا} (1)
(1/73) وقال -
سبحانه - أيضا فاضحا أمرهم، مشددا في ترك طريقهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا
أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ
وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ
يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} (1) {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا
إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ
يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} (2)
(1/74) متحتم، لا
محيد عنه لمؤمن مسلم، بل هو من حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله، وأن
محمدا رسول الله.
(1/75) سورة آل
عمران، وهي قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (1)
(1/76) قال ابن
عباس - رضي الله عنهما -: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال
رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟ !
(1/77) وقال -
سبحانه -: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ
يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1)
ويقول - عز وجل -: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ
الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} (2)
(1/78) فصل
(1/79) ومنها
أيضا: الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -، وهي في الصلاة واجبة،
بل عدها بعض العلماء ركنا لا تصح الصلاة إلا بها.
(1/80) فصل
(1/81) يقول:
فأقبل أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فطرق عليه الباب،
فاستخرجه، فلما ظهر له، قال له أبو بكر: يا أبا القاسم، ما الذي بلغني
عنك؟ قال: " وما بلغك عني يا أبا بكر؟ ! " قال: بلغني أنك تدعو لتوحيد
الله، وزعمك أنك رسول الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " نعم يا
أبا بكر، إن ربي - عز وجل - جعلني بشيرا ونذيرا، وجعلني دعوة إبراهيم،
وأرسلني إلى الناس جميعا ". قال له أبو بكر: والله ما جربت عليك كذبا،
وإنك لخليق بالرسالة؛ لعظم أمانتك، وصلتك لرحمك، وحسن فعالك، مد يدك،
فأنا أبايعك، فمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده، فبايعه أبو بكر
وصدقه وأقر أن ما جاء به الحق، فوالله ما تلعثم أبو بكر حيث دعاه رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام» اهـ.
(1/82) وأخرج
الحاكم في [مستدركه] من حديث عائشة - رضي الله عنها - قال: «لما أسري
بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك،
فارتد ناس ممن كان آمنوا به وصدقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكر - رضي الله
عنه -، فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟
قال: أوقال ذلك؟ ! قالوا: نعم. قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا:
أوتصدقه إنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ ! قال: نعم،
إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة.
فلذلك سمي أبو بكر الصديق (1) » قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم
يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(1/83) يأتي على
النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا يأتي فيه بيت أبي بكر أحد طرفي النهار،
فلما أذن له في الخروج إلى المدينة لم يرعنا إلا وقد أتانا ظهرا، فخبر به
أبو بكر، فقال: ما جاءنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الساعة إلا
لأمر حديث، فلما دخل عليه، قال لأبي بكر: " أخرج من عندك " قال: يا رسول
الله، إنما هي ابنتاي - يعني عائشة وأسماء - قال: أشعرت أنه قد أذن لي في
الخروج، قال: الصحبة يا رسول الله، قال: " الصحبة ". قال: يا رسول الله،
إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج، فخذ إحداهما، قال: أخذتها بالثمن»
(1/84) وهي في
[مسند إسحاق بن راهويه] بزيادة: (لقد رأيت أبا بكر يبكي من الفرح) بعد
قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نعم، الصحبة (1) »
(1/85) ومنها:
حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خطب النبي - صلى الله عليه
وسلم - فقال: «إن الله - سبحانه - خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده،
فاختار ما عند الله " فبكى أبو بكر - رضي الله عنه -، فقلت في نفسي: ما
يبكي هذا الشيخ؟ إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما
عند الله، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو العبد، وكان أبو بكر
أعلمنا، قال: " يا أبا بكر، لا تبك، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو
بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام
ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا
(1/86) سد، إلا
باب أبي بكر»
(1/87) لهؤلاء
قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم
فهزموهم، وقتلوهم، ورجعوا سالمين، فثبتوا على الإسلام
(1/88) الله عنه
- قال: ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الذي تسمونه: الفضيخ، فإني لقائم
أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا، إذ جاء رجل، فقال: وهل بلغكم الخبر؟
فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرمت الخمر، قالوا: أهرق هذه القلال يا أنس، قال:
فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل (1)
(1/89) على ماذا
أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول
الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم
على الله» أخرجه بهذا اللفظ مسلم، وأصله في البخاري.
(1/90) أصواتهم
عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له» . . . الحديث، أخرجه البخاري في
صحيحه (1)
(1/91) فصل
(1/92) {وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (1) ويقول
- سبحانه وتعالى -: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (2) ويقول - سبحانه -: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ
لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ
وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (3)
(1/93) فقسم
منهم: بالغ في الغلو فيه - صلى الله عليه وسلم -، وجعله نورا أزليا ينتقل
في الأنبياء، حتى جاء - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم من يزعم أنه مظهر
يتجلى الله فيهن والعياذ بالله.
(1/94) يقول الله
- عز وجل -: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ
أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ
رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ
رَبِّهِ أَحَدًا} (1) وقال - عز وجل -: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ
كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} (2) وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما
أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون (3) »
(1/95) وقسم
منهم: غلا فيه أيضا، بأن صرف له - صلى الله عليه وسلم - أنواعا من
العبادة، مثل: الدعاء، والخشوع، والصلاة إلى قبره، ونحو ذلك مما هو من
خالص حق الله عز وجل.
(1/96) وقال -
سبحانه - لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}
(1) وقال أيضا - عز وجل - آمرا نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ إِنَّ
صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
(2)
(1/97) يحذر ما
صنعوا قالت عائشة - رضي الله عنها -: فلولا ذاك أبرز قبره، غير أنه خشي
أن يتخذ مسجدا»
(1/98)
الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلث من ناحية الشمال حتى لا
يتمكن أحد من استقبال قبره. اهـ (1)
(1/99) وقسم:
غلوا فيه - صلى الله عليه وسلم -، وزعموا أنه يعلم الغيب ويعلم أحوالهم
وما هم عليه، بل وصل بعضهم أن زعم أنه يشاهده ويجتمع به يقظة لا مناما.
(1/100) ويقول -
عز وجل - آمرا نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ لَا أَمْلِكُ
لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ
أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ
السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (1)
(1/101) وقسم من
الناس: جفا في حق النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وسنته الصحيحة،
فأخذوا ينكرون طائفة من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، تارة بدعوى
أن العقل لا يقبلها، فلما تعارض فهم عقولهم مع ما صح سنده من سنة المصطفى
- صلى الله عليه وسلم - نبذوا السنة وراء ظهورهم؛ تقديما منهم للعقل على
النقل، وما علموا أن العقل الصريح لا يمكن أن يعارض النقل الصحيح، ومتى
توهم هذا التعارض فإن المتهم في ذلك عقل من توهم التعارض، وإلا فالنص
الصحيح مقدم بكل حال.
(1/102) الشرعية
بتحليل أو تحريم من ليس أهلا لها، وهذا من أعظم الجرم.
(1/103) يقول -
صلى الله عليه وسلم -: «من حلف بغير الله فقد كفر، أو أشرك (1) » وفي
الحديث الآخر: «لا تحلفوا بآبائكم (2) »
(1/104) فصل
(1/105) قصد
الخير؛ لذا جاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: (وكم من مريد
للخير لن يصبه) . قاله لأقوام يسبحون ويكبرون ويهللون ويحمدون، ويعدون
ذلك بالحصى، ولما نهاهم قالوا: (ما أردنا إلا الخير)
(1/106) ويقول -
صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة - رضي الله عنها - الذي عده أهل
العلم ميزان العمل الظاهر - يقول - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملا
ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » وفي رواية: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس
منه فهو رد (2) »
(1/107) وإلى سنة
رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ونحن إذا رجعنا لكتاب الله لم نجد لهذه
المسألة أصلا يعتمد عليه، وبتتبع سيرته وسنته - صلى الله عليه وسلم - لم
ينقل لنا أنه أمر بالاحتفال بمولده، أو أنه احتفل - صلى الله عليه وسلم -
بمولده، أو أن أحدا احتفل بمولده في عهده - صلى الله عليه وسلم - فأقره،
مع أنه - صلى الله عليه وسلم - قد عاش ثلاثا وستين سنة، وقد صحبه وآمن به
رجال هم أشد الناس محبة له وتوقيرا وتعظيما وفهما لمراد الله والرسول، بل
بذلوا أرواحهم دفاعا عنه - صلى الله عليه وسلم - وذبا عن دينه - صلى الله
عليه وسلم -، وحرصوا على متابعته في كل صغيرة وكبيرة، ونقلوا لنا سنته -
صلى الله عليه وسلم - ولم يخلوا بشيء منها، حتى نقلوا لنا اضطراب لحيته
في الصلاة إذا استفتح، فلا يمكن أن يكون الاحتفال بالمولد قد عمل في زمنه
- صلى الله عليه وسلم -، ولم ينقل مع تعاقب السنين وتوافر الهمم والدواعي
لنقله.
(1/108) - رضي
الله عنه -، ولا عثمان ذو النورين - رضي الله عنه -، ولا على بن أبي طالب
صهر النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عمه وأبو سبطيه - رضي الله عنهم
-، ولا غيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم -، بل ولا التابعين ومن تبعهم
بإحسان لا في المائة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة، مع قيام المقتضي -
الذي يذكره أهل العصر الآن - وانتفاء المانع الحسي من ذلك.
(1/109) المولد
اتفق عليه علماء المسلمين ممن يرى إقامة المولد ومن لا يراه.
(1/110) ثم إن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الحديث الصحيح عنه - صلى الله
عليه وسلم -: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير
ما يعلمه لهم (1) »
(1/111) الأول،
وقيل غير ذلك. فكيف يتم لكم الاحتفال؟ أم هل ترى ولادته قد تكررت؟
(1/112) جليا أنها
تلبيس إبليس، وذلك من أمور:
(1/113) فإن من
جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
(1/114) فابتدعوا
بدعة، وعملوا بها ثم كفروا من لم يتابعهم، ومن أنكر عليهم نصحا لهم
ليردوهم إلى دين الله القويم، وهذا من شؤم البدع والمعاصي؛ إذ لا تزال
بصاحبها حتى ترديه، والعياذ بالله.
(1/115) واستدل.
(1/116) البعثة
والإرسال والنبوة، ولم يثبت فيما نعلم وصف مولده بالرحمة، فلا يتم له
الاستدلال بالآية.
(1/117) عبد
الرزاق - رحمه الله - بعد أن ذكر الحديث في [مصنفه] : (إنما تركوا ابن
محرر لهذا الحديث) ، ذكر ذلك ابن القيم في [تحفة المودود]
(1/118) وكذلك حكم
النووي - رحمه الله - على الحديث بالبطلان، وبهذا يتبين سقوط الاستدلال
به لما عرفت من حاله.
(1/119) قبلكم
شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»
(1/120)
الخاتمة
(1/121) المعروفين
باتباع الحق والعمل به؛ امتثالا لأمر ربكم - عز وجل -، حيث يقول - سبحانه
-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1)
(1/122) وقال -
سبحانه - في شأن من لم يرفع بالعلم رأسا: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ
الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ
الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} (1) {وَلَوْ شِئْنَا
لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ
هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ
أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (2)
(1/123) ولا
يصدنكم عن الحق وبيانه كثرة من ضل، فإن الكثرة لا تدل على أن الحق في
جانبهم، بل إن الله قد ذم الكثرة في مواضع:
(1/124) وغير ذلك
من الآيات.
(1/125) مسئول عن
رعيته، والإمام راع ومسئول عن رعيته»
(1/126)
|
|