عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن
الكتاب: عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن عقيدة أهل
الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن
(/) بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(مقدمة/2) عقيدة أهل
الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن
(مقدمة/3) حقوق
الطبع محفوظة للمؤلف
(مقدمة/4) بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(مقدمة/5) الثالث
تذييل الكتاب بواب العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه
الله عن حديث الصورة. وهو مع اختصاره مفيد جداً ومطابق لجواب شيخ الإسلام
ابن تيمية عن حديث الصورة فليراجع. الرابع ما ذكر في التعليق على جواب
الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله أنه قد طبع مرتين ضمن
الأجوبة النجدية بأمر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله
وعلى نفقته. وأن دار الإفتاء في المملكة العربية السعودية طبعته مرتين
أولاهما بأمر الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله، وكانت دار
الإفتاء حينذاك تحت رئاسة العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه
الله. وفي التعليق أيضاً ذكر من قرظ الأجوبة النجدية من أكابر العلماء في
القرن الرابع عشر من الهجرة. فليراجع التعليق المشار إليه فإنه مهم جداً
والله الموفق ..
(مقدمة/6) بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(مقدمة/7) ومن تأمل
ما كتبه أخونا العلامة الشيخ حمود التويجري في هذا الكتاب وما نقله عن
الأئمة اتضح له ما ذكرنا فجزاه الله خيرا وزاده من العلم والإيمان وجعلنا
وإياه وسائر إخواننا من أنصار السنة والقرآن إنه ولي ذلك والقادر عليه.
(مقدمة/8) عقيدة أهل
الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن
(/) بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1/5) والقول
بأن الضمير فيه عائد إلى غير الله تعالى هو قول الجهمية ومن تبعهم على
قولهم الباطل من علماء أهل السنة في المائة الثالثة فما بعدها. وقد ذهب
إليه كثير من الأكابر المشهورين وأصحاب المصنفات الكثيرة في أنواع
العلوم. وقانا الله وسائر المسلمين من اتباع زلاتهم. ولا يزال القول
بمذهب الجهمية مستمرا إلى زماننا. وقد رأيت ذلك في بعض مؤلفات المعاصرين
وتعليقاتهم الخاطئة. وذكر لي عن بعض المنتسبين إلى العلم أنه ألقى ذلك
على الطلبة في بعض المعاهد الكبار في مدينة الرياض. ولما ذكر له بعض
الطلبة قول أهل السنة أعرض عنه وأصر على قول الجهمية. عافانا الله وسائر
المسلمين مما ابتلاه به.
(1/6) أحمد
والبخاري ومسلم وابن خزيمة في كتاب «التوحيد» كلهم من طريق عبد الرزاق.
(1/7) حدثنا
همام عن قتادة عن أبي أيوب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه - قال ابن مهدي- فإن الله
عز وجل خلق آدم على صورته» إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم. وقد رواه
مسلم وابن خزيمة في كتاب «التوحيد» عن نصر بن علي الجهضمي عن أبيه عن
المثنى بن سعيد عن قتادة عن أبي أيوب عن أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه
مسلم أيضاً عن محمد بن حاتم عن عبد الرحمن بن مهدي عن المثنى بن سعيد عن
قتادة عن أبي أيوب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على
صورته».
(1/8) له مسلم
في المتابعات ووثقه ابن عيينة وأحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم
والنسائي والعجلي. ولحديثه هذا شواهد مما تقدم وبهذا يرتقي إلى درجة
الصحيح. وقد رواه ابن أبي عاصم وعبد الله بن الإمام أحمد في كتابي
«السنة» لهما وابن خزيمة في كتاب «التوحيد» والدارقطني في كتاب «الصفات»
وأبو بكر الآجري في كتاب «الشريعة» والبيهقي في كتاب «الأسماء والصفات»
كلهم من طريق يحيى بن سعيد عن ابن عجلان. ورواه ابن أبي عاصم وابن خزيمة
أيضاً من طريق الليث عن ابن عجلان.
(1/9) عن أبي
هريرة، ورواه شعيب وابن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة،
ورواه معمر عن همام عن أبي هريرة، ورواه جماعة كالليث بن سعد وغيره عن
ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة. ورواه شعيب أيضاً وغيره عن أبي
الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبي هريرة، ورواه جماعة عن ابن لهيعة عن
الأعرج وأبي يونس عن أبي هريرة، ورواه جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي
ثابت عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وله طرق أخر. وهو مخرج في
الصحاح. وأبو الزناد فعمدة في الدين وابن عجلان صدوق من علماء المدينة
وأجلائهم ومفتيهم. وغيره أحفظ منه. أما معنى حديث الصورة فنرد علمه إلى
الله ورسوله ونسكت كما سكت السلف مع الجزم بأن الله ليس كمثله شيء انتهى.
(1/10) رسول الله
صلى الله عليه وسلم والإلحاد فيه، وقد روى مسلم في مقدمة صحيحه عن عبد
الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا
تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة» ومن أعظم الفتن صرف النصوص الواردة في
الصفات عن ظاهرها وحملها على ما يوافق أقوال المعطلة. وقد وقع في هذا
الباب كثير من الأكابر المرموقين وأهل المصنفات الكبار، وهو معدود من
زلاتهم التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاف منها على أمته والتي قال
فيها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنها تهدم الإسلام، وقد
جاء في ذلك أحاديث كثيرة، منها ما رواه الطبراني في الكبير عن أبي
الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخاف على
أمتي ثلاثاً زلة عالم وجدال منافق بالقرآن والتكذيب بالقدر».
(1/11) ومنها ما
رواه الدارمي في سننه وأبو نعيم في الحلية عن زياد بن حدير قال، قال لي
عمر رضي الله عنه: هل تعرف ما يهدم الإسلام، قال قلت: لا. قال: «يهدمه
زلة عالم وجدال المنافق بالكتاب وحكم الأئمة المضلين». وهذه الأحاديث يشد
بعضها بعضاً، وفيها أبلغ تحذير من الاغترار بزلات العلماء والأخذ بها.
(1/12) وسلامه
عليه الذي وجوه بنيه شبيهة بوجه أبيهم. فتفهموا رحمكم الله. معنى الخبر
لا تغلطوا ولا تغالطوا فتضلوا عن سواء السبيل وتحملوا على القول بالتشبيه
الذي هو ضلال.
(1/13) السنة أبي
القاسم إسماعيل بن محمد التيمي صاحب «كتاب الترغيب والترهيب» قال سمعته
يقول: أخطأ محمد بن إسحاق بن خزيمة في حديث الصورة. ولا يطعن عليه بذلك
بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب. قال أبو موسى أشار بذلك إلى أنه قل من إمام إلا
وله زلة فإذا ترك ذلك الإمام لأجل زلته ترك كثير من الأئمة، وهذا لا
ينبغي أن يفعل. انتهى.
(1/14) النبي صلى
الله عليه وسلم: «خلق الله آدم على صورته» يعود على المضروب ونص على أن
هذا قول الجهمية.
(1/15) إن الله
تعالى خلق آدم على صورة عنده، وهذا لا يجوز لأن الله عز وجل لا يخلق
شيئاً من خلقه على مثال.
(1/16) موسى صلى
الله عليه وسلم ضرب الحجر لبني إسرائيل فتفجر وقال: «اشربوا يا حمير»
فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: «عمدت إلى خلق من خلقي خلقتهم على صورتي
فشبهتهم بالحمير» فما برح حتى عوتب، هذا معنى الحديث.
(1/17) نسلم
الخبر كما جاء. قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في
رده على الرازي: فأخبر أحمد أن هذا جهمي كما أن من قال على صورة الأرحام
فهو جهمي لأن الجهمية هم الذين ينكرون الصفات ويتأولون ما ورد في ذلك من
الأخبار والآيات انتهى. وقال القاضي أبو الحسين في «طبقات الحنابلة» في
ترجمة عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق - وهو من أصحاب الإمام أحمد- قال
محمد بن جعفر: سألت عبد الوهاب عن أبي ثور فقال: أتدين فيه بما حدثني به
أبو طالب عن أبي عبد الله أنه سأله عنه فقال: يجفى ويجفى من أفتى برأيه.
وقال زكريا بن الفرج سألت عبد الوهاب غير مرة عن أبي ثور فأخبرني أن أبا
ثور جهمي، وذلك أنه قطع بقول أبي يعقوب الشعراني، حكى أنه سأل أبا ثور عن
خلق آدم فقال: إنما هو على صورة آدم ليس هو على صورة الرحمن.
(1/18) في كتاب
«السنة» وحمدان بن الهيثم يزعم أن أحمد قال: صور الله صورة آدم قبل خلقه،
وأبو الشيخ فوثقه في «كتاب الطبقات» ويدل على بطلان روايته ما رواه حمدان
بن علي الوراق الذي هو أشهر من حمدان بن الهيثم وأقدم أنه سمع أحمد بن
حنبل وسأله رجل عن حديث خلق آدم على صورته على صورة آدم فقال أحمد: فأين
الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورة الرحمن،
ثم قال أحمد: وأي صورة لآدم قبل أن يخلق - ثم ذكر الذهبي ما رواه
الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه، وتقدم ذكره في آخر الكلام في رد
القول الأول - قال الذهبي وقيل إن أبا عمر بن عبد الوهاب هجر أبا الشيخ
لمكان حكاية حمدان وقال: إن أردت أن أسلم عليك فأخرج من كتابك حكاية
حمدان بن الهيثم.
(1/19) والجماعة،
قال القاضي أبو الحسين في: «طبقات الحنابلة» في ترجمة أبي جعفر محمد بن
عوف بن سفيان الطائي الحمصي، نقلت من خط أحمد الشنجي بإسناده قال سمعت
محمد بن عوف يقول، أملى علي أحمد بن حنبل -فذكر جملة من المسائل التي
أملاها عليه مما يعتقده أهل السنة والجماعة، ومنها وأن آدم صلى الله عليه
خلق على صورة الرحمن كما جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه
ابن عمر عن سول الله صلى الله عليه وسلم.
(1/20) ثقات. أبو
محمد عبد الله بن صالح البخاري قال فيه أبو علي الحافظ ثقة مأمون، وقال
أبو بكر الإسماعيلي ثقة ثبت، وقال أبو الحسين ابن المنادي هو أحد الثقات
وأهل الصلاح والفهم لما يحدث به، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(1/21) الثوري
ولم يقل عن ابن عمر، والثانية أن الأعمش مدلس لم يذكر أنه سمعه من حبيب
بن أبي ثابت، والثالثة أن حبيب بن أبي ثابت أيضاً مدلس لم يعلم أنه سمعه
من عطاء، وقد تبعه الألباني على تعليل الحديث بهذه العلل الثلاث.
(1/22) بمراتب
الموصوفين بالتدليس» وذكر أن أهل هذه المرتبة قد احتمل الأئمة تدليسهم
وأخرجوا لهم في الصحيح لإمامتهم وقلة تدليسهم في جنب ما رووا. وأيضاً فإن
موافقة الثوري للأعمش في رواية الحديث عن حبيب بن أبي ثابت تدل على أن
الأعمش لم يدلس في روايته عنه.
(1/23) أنه سمع
أحمد وسأله رجل عن حديث «خلق آدم على صورته» على صورة آدم فقال أحمد:
فأين الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله خلق آدم على صورة
الرحمن».
(1/24) وذكر
الخلال في «كتاب السنة» ما ذكره إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله
المشهورة عن أحمد وإسحاق أنه قال لأحمد: «لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق
آدم على صورته» قال أحمد: صحيح وقال إسحاق: صحيح ولا يدعه إلا مبتدع أو
ضعيف الرأي.
(1/25) والآجري
قد رووا حديث ابن عمر رضي الله عنهما وأمروه كما جاء ولم يتعرضوا
لتضعيفه، ولو كان في إسناده علة قادحة لما سكتوا عن بيانها، وخصوصاً
الدارقطني فإنه من أئمة الجرح والتعديل وأهل العلم بعلل الأحاديث، وهو
أعلم بالأسانيد وعلل الأحاديث من كثير من الذين كانوا قبل زمانه، ومع هذا
فلم يتكلم في إسناد حديث ابن عمر رضي الله عنهما بشيء. فدل ذلك على صحته
عنده، وفي إمرار هؤلاء الأئمة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما كما جاء أبلغ
رد على من تكلم في إسناده بمجرد التعليلات الواهية.
(1/26) أبي مريم
-يعني سعيد بن الحكم المصري- حدثنا بن لهيعة عن أبي يونس سليم بن جبير عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قاتل
فليجتنب الوجه فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن» عمر بن الخطاب
السجستاني ذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث وقال الحافظ ابن
حجر في: «التقريب» صدوق، وأما ابن أبي مريم فهو ثقة ثبت فقيه وأما ابن
لهيعة فقد ضعفه بعض الأئمة ووثقه أحمد بن صالح ووثقه أيضاً أحمد محمد
شاكر وجعل روايته من قبيل الصحيح. وقال الحافظ ابن حجر في «التقريب» صدوق
خلط بعد احتراق كتبه. وحسن ابن عدي وابن كثير والهيثمي حديثه وقد روى له
مسلم وابن خزيمة مقروناً بغيره، وروى له البخاري في عدة مواضع من صحيحه
مقروناً بغيره ولكنه لم يسمه. قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب». وهو ابن
لهيعة لا شك فيه. وعلى هذا فأوسط الأقوال في حديثه أن يكون من قبيل
الحسن.
(1/27) والبيهقي
في «الأسماء والصفات» وتابعه همام حدثنا قتادة به سنداً ولفظاً، أخرجه
مسلم وأحمد، فهذا هو المحفوظ عن قتادة إسناداً ومتناً.
(1/28) مردودة
بتصحيح الألباني لإسناد حديث أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه،
ومردودة أيضاً بثناء أئمة الجرح والتعديل على سعيد بن أبي عروبة دون
المثنى بن سعيد قال ابن أبي حاتم أخبرنا علي بن الحسين بن الجنيد أخبرنا
المعلى بن مهدي قال: قال لي أبو عوانة ما كان عندنا في ذلك الزمان أحد
أحفظ من سعيد بن أبي عروبة. وروى ابن أبي حاتم أيضاً عن أبي داود -يعني
الطيالسي- قال كان سعيد بن أبي عروبة أحفظ أصحاب قتادة، وروى أيضاً عن
ابن أبي خيثمة قال: سمعت يحيى بن معين يقول أثبت الناس في قتادة ابن أبي
عروبة وهشام الدستوائي وشعبة فمن حدثك من هؤلاء الثلاثة الحديث فلا تبال
أن لا تسمعه من غيره. وقال أيضاً: سمعت أبي يقول سعيد بن أبي عروبة قبل
أن يختلط ثقة وكان أعلم الناس بحديث قتادة، وقال أيضاً: سئل أبو زرعة عن
سعيد بن أبي عروبة فقال ثقة مأمون، وقال أيضاً قلت لأبي زرعة سعيد بن أبي
عروبة أحفظ أو أبان العطار فقال سعيد أحفظ، وأثبت أصحاب قتادة هشام
وسعيد، وروى أيضاً عن يحيى بن معين أنه قال سعيد بن أبي عروبة ثقة.
(1/29) منه قبل
الاختلاط صحيح حجة فضلاً عن تقديم رواية الموصوف بالخطأ على رواية
الموصوف بالصفات الحميدة.
(1/30) قريباً ما
ذكره ابن قتيبة في كتابه الذي سماه «تأويل مختلف الحديث» أنه قرأ في
التوراة «أن الله جل وعز لما خلق السماء والأرض قال نخلق بشراً بصورتنا
فخلق آدم من أدمة الأرض ونفخ في وجهه نسمة الحياة» وذكر أيضاً هذا النص
من التوراة في أول كتابه الذي سماه «المعارف» وهذا النص من التوراة مطابق
للنص الذي جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيما رواه أبو يونس
الدوسي وأبو رافع الصائغ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى خلق آدم على صورة الرحمن» وفي حديث
أبي رافع «على صورة وجهه» والذي أنزل التوراة على موسى عليه الصلاة
والسلام هو الذي أنزل الكتاب والحكمة على محمد صلى الله عليه وسلم وأمره
أن يبين للناس ما نزل إليهم.
(1/31) رضي الله
عنهما إنما قاله توقيفاً من النبي صلى الله عليه وسلم. وسيأتي كلامه على
هذا الأثر في ضمن كلامه المنقول من كتابه المسمى «نقض أساس التقديس» إن
شاء الله تعالى.
(1/32) وسفيان بن
سعيد وسفيان بن عيينة ومعمر بن راشد في الأحاديث في الصفات أنهم كلهم
قالوا أمروها كما جاءت نحو حديث النزول وحديث «أن الله خلق آدم على
صورته» وأنه يدخل قدمه في جهنم وما كان مثل هذه الأحاديث. قال أبو عمر بن
عبد البر: رواها السلف وسكتوا عنها وهم كانوا أعمق الناس علماً وأوسعهم
فهماً وأقلهم تكلفاً، ولم يكن سكوتهم على عي، فمن لم يسعه ما وسعهم فقد
خاب وخسر انتهى.
(1/33) أمروا
لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة. وحينئذ فلا تكون قد
أمرت كما جاءت ولا يقال حينئذ بلا كيف، إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو
من القول انتهى.
(1/34) والتأويل
ما هو أشهر من أن يوصف. وقد كان في الزمان الذي ظهرت فيه الفتن والأهواء،
وقد أخبر أنه ما أدرك أحداً من العلماء يفسرها أي تفسير الجهمية انتهى
كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
(1/35) عز وجل
خلق آدم على صورته بلا كيف» ثم روى في الباب عدة أحاديث، منها حديث سفيان
عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله تعالى خلق
آدم على صورته».
(1/36) أبو عبد
الله: حدثوا بها فقد تلقتها العلماء بالقبول. وقال أبو عبد الله تسلم
الأخبار كما جاءت.
(1/37) موصولاً
فإن في الخبر عللاً ثلاثاً - ثم ذكر العلل وقد تقدم ذكرها والجواب عنها
فليراجع (1) - قال فإن صح هذا الخبر مسنداً. بأن يكون الأعمش قد سمعه من
حبيب بن أبي ثابت وحبيب قد سمعه من عطاء بن أبي رباح. وصح أنه عن ابن عمر
على ما رواه الأعمش فمعنى هذا الخبر عندنا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في
هذا الخبر إنما هو من إضافة الخلق إليه لأن الخلق يضاف إلى الرحمن إذ
الله خلقه. وكذلك الصورة تضاف إلى الرحمن لأن الله صورها، ألم تسمع قول
الله عز وجل: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ
مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11]، فأضاف الله الخلق إلى نفسه إذ الله تولى
خلقه، وكذلك قوله عز وجل: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} [هود:
64]، فأضاف الله الناقة إلى نفسه وقال: {تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ}
[هود: 64]، وقال: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا
فِيهَا} [النساء: 97]، وقال: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه} [الأعراف: 128]، فأضاف الله الأرض إلى نفسه إذ
الله تولى خلقها وبسطها، وقال: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ
النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، فأضاف الفطرة إلى نفسه إذ الله فطر
الناس عليها، فما أضاف الله إلى نفسه على مضافين إحداهما (2) إضافة الذات
والأخرى (3) إضافة الخلق. فتفهموا هذين المعنيين لا تغالطوا.
(1/38) الزناد عن
موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: «خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعاً» حدثنا عبد الرحمن بن
بشر بن الحكم قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا همام بن منبه قال: هذا ما
حدثنا به أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث،
وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلق الله آدم على صورته وطوله
ستون ذراعاً فلما خلقه، قال: اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من
الملائكة جلوس فاسمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال: فذهب فقال:
السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله قال: فكل
من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص حتى
الآن».
(1/39) الحديث
والحكم بثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صححه أيضاً شيخ الإسلام
أبو العباس ابن تيمية والحافظ الذهبي. وقال ابن حجر رجاله ثقات. وكفى
بهؤلاء الحفاظ قدوة في تصحيح الحديث، وفي تصحيح هؤلاء الأئمة النقاد له
أبلغ رد على من علله بالعلل الواهية.
(1/40) فإن الله
تعالى خلق آدم على صورة وجهه» وهذا نص صريح في خلق آدم على صورة وجه الله
تعالى، وهذا النص لا يحتمل التأويل، وفي هذه الأحاديث الأربعة أبلغ رد
على من تأول حديث ابن عمر رضي الله عنهما على غير تأويله ونفى إضافة
الصورة إلى الرحمن وزعم أنها من إضافة الخلق والتصوير إلى الله تعالى.
(1/41) في حديث
ابن عمر رضي الله عنهما إنما هو من إضافة الخلق والتصوير إلى الله تعالى
فقد صرف الحديث عن ظاهره وأفسد معناه، وعلى هذا التأويل المستكره لا يكون
لآدم مزية على غيره من المخلوقات ولا يكون بينه وبينها فرق مؤثر لأن الله
تعالى هو الذي خلق المخلوقات كلها وصورها ولكنه قد خص آدم من بينها
بخصائص عظيمة امتاز بها على سائر المخلوقات. منها أنه خلقه بيديه، ومنها
أنه خلقه على صورته، ومنها أنه نفخ فيه من روحه، ومنها أنه علمه الأسماء
كلها، ومنها أنه أمر الملائكة بالسجود له، فمن أنكر شيئاً من هذه الخصائص
فقد بخس آدم حقه وجحد الفضيلة العظيمة التي خصه الله بها وفضله بها على
سائر المخلوقات، وهذا من أعظم العقوق لآدم.
(1/42)
فصل
(1/43) مكاننا
حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله تعالى في صورته التي
يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه» الحديث وفي آخره ذكر
آخر أهل الجنة دخولاً وأنه إذا دخلها «قال الله له تمنه فيسأل ربه ويتمنى
حتى إن الله ليذكره من كذا وكذا حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله
تعالى ذلك لك ومثله معه» قال عطاء بن يزيد: وأبو سعيد الخدري مع أبي
هريرة لا يرد عليه من حديثه شيئاً حتى إذا حدث أبو هريرة أن الله قال
لذلك الرجل ومثله معه قال أبو سعيد وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة، قال
أبو هريرة ما حفظت إلا قوله: «ذلك لك ومثله معه» قال أبو سعيد أشهد أني
حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «ذلك لك وعشرة أمثاله».
(1/44) صورة»
الحديث. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح سألت محمد بن إسماعيل - يعني
البخاري- عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح.
(1/45) على
الجهمية» روي هذا الحديث عن عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
ونقلها عنهم أئمة البلاد من أهل الشرق والغرب انتهى.
(1/46) لهم من
الاحتمالات والتأويلات المستكرهة، وقد تقدم قول ابن عبد البر أن السلف
رووا أحاديث الصفات وسكتوا عنها وهم كانوا أعمق الناس علماً وأوسعهم
فهماً وأقلهم تكلفا. ولم يكن سكوتهم على عي، فمن لم يسعه ما وسعهم فقد
خاب وخسر انتهى.
(1/47) ونفي
الفضائل المذكورة قبلها عنه، وهذا من أعظم المحادة لله تعالى ولرسوله صلى
الله عليه وسلم ومن أعظم العقوق لآدم حيث قد جعله الدارونيون منفصلاً من
القردة التي هي من أخبث الحيوانات طبعاً وأشدها قبحاً وتشويهاً في
الخلقة، فقاتل الله من قال بهذه المقالة الخبيثة ومن تلقاها بالقبول
وقدمها على ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم عن ابتداء خلق آدم
عليه الصلاة والسلام.
(1/48) قدس الله
روحه ونور ضريحه في كتاب الذي سماه «نقض أساس التقديس» بكلام مفصل مبسوط
واضح بيّن لا يوجد مثله في كلام غيره من العلماء (1). ولعظم فائدته رأيت
أن أذكر ملخصه في هذه النبذة لعل الله تعالى أن ينفع به من قرأه ومن سمعه
ويكون سبباً لإطراح أقوال أهل الكلام الباطل وتأويلاتهم المستكرهة في
حديث الصورة.
(1/49) ويحتمل أن
يكون عائداً إلى آدم عليه السلام ويحتمل أن يكون عائداً إلى الله، فهذه
طرق ثلاثة.
(1/50) صلى الله
عليه وسلم: «إن الله خلق آدم على صورته» معناه خلق آدم على هذه الصورة
التي هي الآن باقية من غير وقوع المبدل فيها. والفرق بين هذا الجواب وبين
الذي قبله أن المقصود من هذا بيان أنه صلى الله عليه وسلم كان مصوناً عن
المسخ، والجواب الأول ليس فيه إلا بيان أن هذه الصورة الموجودة ليس هي
إلا التي كانت موجودة قبل من غير تعرض لبيان أنه جعل مصوناً عن المسخ
بسبب زلته، مع أن غيره صار ممسوخاً.
(1/51) كل هذه
المواضع الصفة. فقوله: «إن الله خلق آدم على صورته» أي على جملة صفاته
وأحواله. وذلك لأن الإنسان حين يحدث يكون في غاية الجهل والعجز ثم لا
يزال يزداد علمه وقدرته إلى أن يصل إلى حد الكمال. فبين النبي صلى الله
عليه وسلم أن آدم خلق من أول الأمر كاملاً تاماً في علمه وقدرته. وقوله:
«خلق الله آدم على صورته» معناه أنه خلقه في أول الأمر على صفته التي
كانت حاصلة له في آخر الأمر. وأيضاً فلا يبعد أن يدخل في لفظ الصورة كونه
سعيداً أو شقياً كما قال صلى الله عليه وسلم: «السعيد من سعد في بطن أمه
والشقي من شقي في بطن أمه» فقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم
على صورته» أي على جميع صفاته من كونه سعيداً أو عارفاً أو تائباً أو
مقبولاً من عند الله.
(1/52) إضافتها
إلى الخالق والموجود فيكون الغرض من هذه الإضافة الدلالة على أن هذه
الصورة ممتازة عن سائر الصور بمزيد الكرامة والجلالة.
(1/53) رافع:
«على صورته» وروى البخاري من حديث أبي سعيد المقبري ويحيى (1) بن همام
أيضاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم
فليجتنب الوجه» ورواه مسلم من حديث المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد
عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قاتل
أحدكم فليجتنب الوجه» ومن حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد بهذا
الإسناد وقال: «إذا ضرب أحدكم» ومن حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه»
ومن حديث أبي أيوب يحيى بن مالك الخزاعي (2) عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمن الوجه» وفي
رواية محمد بن حاتم فيه قال: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق
آدم على صورته» وليسِ ليحيى بن مالك عن أبي هريرة في الصحيحين غيره.
(1/54) قال:
«حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله»
وإن كان (1) مع ذلك لا يرون كتمان ما جاء به الرسول مطلقاً بل لا بد أن
يبلغوه حيث يصلح ذلك. ولهذا اتفقت الأمة على تبليغه وتصديقه، وإنما دخلت
الشبهة في الحديث لتفريق ألفاظه، فإن من ألفاظه المشهورة: «إذا قاتل
أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» «ولا يقل أحدكم قبح الله
وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته» وهذا فيه حكم عملي
يحتاج إليه الفقهاء وفيه الجملة الثانية الخبرية المتعلقة بلا. فكثير من
الفقهاء روى الجملة الأولى فقط وهي قوله: «فإذا قاتل أحدكم فليجتنب
الوجه» ولم يذكر الثانية، وعامة أهل الأصول والكلام إنما يروون الجملة
الثانية وهي قوله: «خلق الله آدم على صورته» ولا يذكرون الجملة الطلبية،
فصار الحديث متواتراً بين الطائفتين وصاروا متفقين على تصديقه. لكن مع
تفريق بعضه عن بعض، وإن كان هو محفوظاً عند آخرين من علماء الحديث
وغيرهم، وقد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً في إخباره بخلق آدم
في ضمن حديث طويل (2)
(1/55) وذكر عوده
إلى آدم، وتأول عوده إلى الله على إضافة الخلق فقال: باب ذكر أخبار رويت
عن النبي صلى الله عليه وسلم تأولها بعض من لم يتحر العلم على غير
تأويلها ففتن عالماً من أهل الجهل والعناد حملهم الجهل بمعنى الخبر على
القول بالتشبيه جل عز عن أن يكون وجه خلق من خلقه مثل وجهه والذي وصفه
بالجلال والإكرام ونفى الهلاك عنه، حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال
حدثنا شعيب يعني بن الليث حدثنا الليث عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي
سعيد المقبري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا
يقولن أحدكم لأحد قبح الله وجهك ووجهاً أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على
صورته»، حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان
عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ضرب أحدكم
فليجتنب الوجه ولا يقل قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم
على صورته» وحدثنا بندار حدثنا يحيى بن سعيد حدثني ابن عجلان قال: حدثني
سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه».
(1/56) الله قال:
حدثنا ابن هب حدثني مالك بن أنس قال: وأخبرني ابن فلان عن سعيد المقبري
عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال البخاري: وحدثني
محمد (1) قال: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه» وقد روى
البخاري ومسلم الحديث في خلق آدم بطوله (2).
(1/57) آدم خلق
على صورة الرحمن» قال: وروى الثوري هذا الخبر مرسلاً غير مسند حدثنا أبو
موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان عن
حبيب بن أبي ثابت عن عطاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا
يقبح الوجه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن».
(1/58) قال فإن
صح هذا الخبر مسنداً بأن يكون الأعمش قد سمعه من حبيب بن أبي ثابت وحبيب
بن أبي ثابت قد سمعه من عطاء بن أبي رباح وصح أنه عن ابن عمر على ما رواه
الأعمش فمعنى هذا الخبر عندنا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر
إنما هو من إضافة الخلق إليه لأن الخلق مضاف إلى الرحمن إذ الله خلقه،
وكذلك الصورة تضاف إلى الرحمن لأن الله صورها، ألم تسمع قوله عز وجل:
{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}
[لقمان: 11]، فأضاف الله الخلق إلى نفسه إذ الله تولى خلقه، وكذلك قوله
تعالى: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} [هود: 64]، فأضاف الله
الناقة إلى نفسه وقال: {تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} [هود: 64]، وقال:
{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء:
97]، وقال: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ
عِبَادِه} [الأعراف: 128]، فأضاف الأرض إلى نفسه إذ الله تولى خلقها
وبسطها، وقال: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}
[الروم: 30]، فما أضاف الله إلى نفسه على معنيين. أحدهما: إضافة الذات.
والآخر: إضافة الخلق. فتفهموا هذين المعنيين لا تغالطوا.
(1/59) وقال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً
فلما خلقه قال له: اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس
فاستمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال: فذهب فقال: السلام عليكم
فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله قال: فكل من يدخل
الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن».
(1/60) قال الشيخ
أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الشافعي في كتابه الذي سماه: «الفصول
في الأصول، عن الأئمة الفحول، إلزاماً لذوي البدع والفضول». فأما تأويل
من لم يتابعه عليه الأئمة فغير مقبول وإن صدر ذلك التأويل عن إمام معروف
غير مجهول نحو ما ينسب إلى أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة تأويل الحديث
«خلق آدم على صورته» فإنه يفسر ذلك بذلك التأويل ولم يتابعه عليه من قبله
من أئمة الحديث لما روينا عن أحمد رحمه الله تعالى. ولما يتابعه أيضاً من
بعده، حتى رأيت في «كتاب الفقهاء» للعبادي الفقيه أنه ذكر الفقهاء وذكر
عن كل واحد منهم مسألة تفرد بها، فذكر الإمام ابن خزيمة وأنه تفرد بتأويل
هذا الحديث «خلق آدم على صورته» على أني سمعت عدة من المشايخ رووا أن ذلك
التأويل مزور مربوط على ابن خزيمة وإفك مفترى عليه. فهذا وأمثال ذلك من
التأويل لا نقبله ولا نلتفت إليه بل نوافق ونتابع ما اتفق الجمهور عليه.
قال شيخ الإسلام أبو العباس وقد ذكر الحافظ أبو موسى المديني فيما جمعه
من مناقب الإمام الملقب بقوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي
صاحب «كتاب الترغيب والترهيب» قال سمعته يقول: أخطأ محمد بن إسحاق بن
خزيمة في حديث الصورة. ولا يطعن عليه بذلك بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب. قال
أبو موسى أشار بذلك إلى أنه قل من إمام إلا وله زلة فإذا ترك ذلك الإمام
لأجل زلته ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل. قال شيخ الإسلام
أبو العباس وقد ذكر أبو بكر الخلال في «كتاب السنة» ما ذكره إسحاق بن
منصور الكوسج في مسائله المشهورة عن أحمد وإسحاق أنه قال لأحمد: «لا
تقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» أليس تقول بهذه الأحاديث، قال
أحمد: صحيح وقال إسحاق: صحيح ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي، وذكر
أيضاً عن يعقوب بن بختان أن أبا
(1/61) عبد الله
أحمد بن حنبل سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم «خلق الله آدم على
صورته» فقال: لا نفسره.
(1/62) وقال
الخلال أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني قال: سمعت إسحاق يعني بن راهويه
يقول: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نطق به. قال إسحاق: حدثنا
جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عمر عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: «لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن»
فقد صحح إسحاق حديث ابن عمر مسنداً خلاف ما ذكره ابن خزيمة.
(1/63) كَانَ
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي
إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10]، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي
زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ
يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ (197)} [الشعراء: 196 - 197]،
وقال تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي
أَنزلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ
الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنزلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا
تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [الأنعام: 114]، وقال تعالى: {الَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 20]،
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا
أُنزلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} [الرعد:
36]، بل قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه
(1/64) على
صورته» ليس فيه ذكر أحد يصلح عود الضمير إليه، وقوله في التأويل أراد صلى
الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب الذي أمر الضارب
باجتناب وجهه بالضرب والذي قبح وجهه فزجر صلى الله عليه وسلم أن يقول
ووجه من أشبه وجهك.
(1/65) الخامس:
أن ذرية آدم خلقوا على صورة آدم لم يخلق آدم على صورهم فإن مثل هذا
الخطاب إنما يقال فيه خلق الثاني المتأخر في الوجود على صورة الأول
المتقدم وجوده، لا يقال إنه خلق الأول على صورة الثاني المتأخر في الوجود
كما يقال خلق الخلق على غير مثال أو نسج هذا على منوال هذا ونحو ذلك فإنه
في جميع هذا إنما يكون المصنوع المقيس متأخراً في الذكر عن المقيس عليه.
وإذا قيل خلق الولد على صورة أبيه أو على خلق أبيه كان كلاماً سديداً،
وإذا قيل خلق الوالد على صورة ولده أو على خلقه كان كلاماً فاسداً بخلاف
ما إذا ذكر التشبيه بغير لفظ الخلق وما يقوم مقامه، مثل أن يقال الوالد
يشبه ولده فإن هذا سائغ لأن قوله خلق إخبار عن تكوينه وإبداعه على مثال
غيره ومن الممتنع أن الأول يكون على مثال ما لم يكن بعد وإنما يكون على
مثال ما قد كان.
(1/66) توجب سقوط
العقوبة عنه فإن الإنسان لو كان يشبه نبياً من الأنبياء أعظم من مشابهة
الذرية لأبيهم في مطلق الصورة والوجه ثم وجبت على ذلك الشبيه بالنبي
عقوبة لم تسقط عقوبته لهذا الشبه باتفاق المسلمين فكيف يجوز تعليل تحريم
العقوبة بمجرد المشابهة المطلقة لآدم.
(1/67) يقول إن
آدم كان على صورة أخرى مثل ما يقال إنه كان عظيم الجثة طويل القامة وأن
النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى إنسان معين وقال: «إن الله خلق آدم
على صورته». أي كان شكل آدم مثل شكل هذا الإنسان من غير تفاوت البتة.
يقال لهم الحديث المتفق عليه في الصحيحين مناقض لهذا التأويل مصرح فيه
بأن خلق آدم أعظم من صور بنيه بشيء كثير وأنه لم يكن على شكل أحد من
أبناء الزمان كما في الصحيحين عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً ثم قال
اذهب فسلم على أولئك الملائكة فاستمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك
فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل
من يدخل الجنة على صورة آدم قال فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن» قال في
رواية يحيى بن جعفر ومحمد بن رافع «على صورته» فهذا الحديث الذي هو أشهر
الأحاديث التي فيها أن الله خلق آدم على صورته، ذكر فيه أن طوله ستون
ذراعاً وأن الخلق لم يزل ينقص حتى الآن وأن أهل الجنة يدخلون الجنة على
صورة آدم، ولم يقل إن آدم على صورتهم، بل قال هم على صورة آدم. وقد روي
أن عرض أحدهم سبعة أذرع. فهل في تبديل كلام الله ورسوله أبلغ من هذا أن
يجعل ما أثبته النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر به وأوجب التصديق به قد
نفاه وأبطله وأوجب تكذيبه وإبطاله.
(1/68)
فصل
(1/69) قوله: «إن
الله خلق آدم على صورته» مفرداً، أما مع أداء الحديث على وجهه فإن عود
الضمير إلى آدم يمتنع فيه، وذلك أن خلق آدم على صورة آدم سواء كان فيه
تشريف لآدم أو كان فيه إخبار مجرد بالواقع فلا يناسب هذا الحكم.
(1/70) إذ هم لم
يخلقوا كما خلق آدم على صورهم التي هم عليها بل نقلوا من نطفة إلى علقة
إلى مضغة.
(1/71) قبل صورته
التي خلقها الله.
(1/72) الصورة
التي هي عليها ونحو ذلك مما هو معلوم ببديهة العقل ومعلوم أن بيان هذا
وإيضاحه قبيح جداً.
(1/73) وأيضاً
فلو قدر أن عطاء لم يذكره إلا مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن
المعلوم أن عطاء من أجل التابعين قدراً فإنه هو وسعيد بن المسيب وإبراهيم
النخعي والحسن البصري أئمة التابعين في زمانهم، وقد ذكر المصنف لهذا
الحديث كابن خزيمة أن الأخبار في مثل هذا الجنس التي توجب العلم هي أعظم
من الأخبار التي توجب العمل، ومعلوم أن مثل عطاء لو أفتى في مسألة فقه
بموجب خبر أرسله لكان ذلك يقتضي ثبوته عنده، ولهذا يجعل الفقهاء احتجاج
المرسل بالخبر الذي أرسله دليلاً على ثبوته عنده، فإذا كان عطاء قد جزم
بهذا الخبر العلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الباب العظيم
(1) يستجيز ذلك من غير أن يكون ثابتاً عنده أن يكون قد سمعه (2) من مجهول
لا يعرف أو كذاب أو سيء الحفظ.
(1/74) وأيضاً
فإن الله قد وصف هذه الأمة بأنها خير أمة أخرجت للناس وأنها تأمر
بالمعروف وتنهى عن المنكر فمن الممتنع أن يكون في عصر التابعين يتكلم
أئمة ذلك العصر بما هو كفر وضلال ولا ينكر عليهم أحد، فلو كان قوله خلق
آدم على صورة الرحمن باطلاً لكانوا كذلك.
(1/75) وسلم. ففي
صحيح البخاري عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس قال:
«كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله
عليه وسلم أحدث تقرءونه محضاً لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب
الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به
ثمناً قليلاً ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم لا والله ما رأينا
منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم» وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة
قال: «كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل
الإسلام» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا
تكذبوهم وقولوا: {آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم» الآية.
فمعلوم مع هذا أن ابن عباس لا يكون مستنداً فيما يذكره من صفات الرب أنه
يأخذ ذلك عن أهل الكتاب فلم يبق إلا أن يكون أخذه من الصحابة الذين أخذوه
من النبي صلى الله عليه وسلم.
(1/76) فيه ولا
نكذبهم، ثم إن هذا مما لا غرض لأهل الكتاب في افترائه على الأنبياء، بل
المعروف من حالهم كراهة وجود ذلك في كتبهم وتأويله وكتمانه كما قد رأيت
ذلك مما شاء الله من علمائهم، ومع هذا الحال يمتنع أن يكذبوا كلاماً
يثبتونه في ضمن التوراة وغيرها وهم يكرهون وجوده عندهم.
(1/77) ينهون عن
المنكر، فإنه لا يقال: خلق هؤلاء على صورهم، بل يقال: أبقاهم على صورهم،
وأبقى صورهم، أو لم يمسخهم، وهذا لما تقدم من أن هذا اللفظ لا يقال إلا
فيما تقدمت الصورة على خلقه لا فيما تأخرت.
(1/78) الأمرين
وإلا فهو لا ينفي لا هذا ولا هذا، وهذا التخطيط إنما وقع لكون الصورة
التي خلق عليها جعلوها متأخرة عن الخلق وهو خلاف مدلول اللفظ.
(1/79) المنجمون
من الأخبار وتارة أمراً بما يأمر به السحرة المشركون من عبادتها، فقد جعل
كلام الله ورسوله متناقضاً حيث أثبت ذلك ونفاه، ثم إنه في جانب الإثبات
يغلو حتى يأمر بما هو محرم بل كفر بإجماع المسلمين، وفي جانب النفي يغلو
حتى يمنع كونها أسباباً كسائر الأسباب، وهذا من أعظم التناقض فيما جاء به
الرسول ومن جهة المعقول.
(1/80) العقلاء
على عقله بما جحده من الحسيات والمعقولات وألحد في آيات الله بما افتراه
من التأويلات وأخبر عن الرسول أنه أخبر بجحد الموجودات مع أن لفظه صلى
الله عليه وسلم من أبعد شيء عن هذه الترهات.
(1/81) من العلم
بالشيء يسمى مثلاً له وصفة فالصورة الذهنية هي المثل الذي يسمى أيضاً صفة
ومثلاً، ولهذا يقال تصورت الشيء وتمثلت الشيء وتخيلته إذا صار في نفسك
صورته ومثاله وخياله كما يسمى مثاله الخارج صورة كما قال النبي صلى الله
عليه وسلم: «لعن الله المصورين» وقال: «من صور صورة كلف أن ينفخ فيها
الروح وليس بنافخ» وقال: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة» كما يسمى ذلك
تمثالاً في مثل قول علي: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن
لا أدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته».
(1/82) فلان يراد
بها مجرد الصفات القائمة من العلم والقدرة ونحو ذلك بل هذا من البهتان
على اللغة وأهلها.
(1/83) الثبوتات
والقياسات الشرعيات والعقليات، وكان قدماء الجهمية أعلم بما جاء به
الرسول وأحسن تأويلاً من هؤلاء كما تقدم فيما ذكره المروذي عن أحمد أنه
ذكر له عن بعض المحدثين بالبصرة أنه قال قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«خلق آدم على صورته» قال: صورة الطين، قال: هذا جهمي وقال: نسلم الخبر
كما جاء، فأخبر أحمد أن هذا جهمي كما أن من قال على صورة الأرحام فهو
جهمي لأن الجهمية هم الذين ينكرون الصفات ويتأولون ما ورد في ذلك من
الأخبار والآيات، وهذا التأويل أجود مما تقدم فإن قوله: على صورة آدم
يقتضي أن يكون لآدم صورة خلق عليها وتلك هي صورة الطين فإن الله صور آدم
طيناً حتى يبس فصار صلصالاً ثم نفخ فيه الروح، ومراد هؤلاء أنه خلقه على
تلك الصورة المصنوعة من الطين، لكن هذا أيضاً فاسد، فإن قول القائل خلق
على تلك الصورة يقتضي أن تكون له صورة أخرى خلقت على تلك الصورة. وآدم
بعينه تلك الصورة التي خلق فيها الروح، بل تصويره هو خلقه من تراب ثم من
طين كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ}
[الأعراف: 11]، فقدم الخلق على التصوير فكيف تكون الصورة لآدم سابقة على
الخلق حتى يقال خلق آدم على تلك الصورة.
(1/84) وأيضاً
فإنه لا يصلح أن يقول، لا تقبحوا الوجه ولا يقولن أحدكم قبح الله وجهك
ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على ما قدره فإن الوجه وسائر الأعضاء
بل وسائر المخلوقات خلقها على ذلك فينبغي أن لا يصلح تقبيح شيء من
الأشياء البتة لعموم العلة.
(1/85)
فصل
(1/86) والأجسام
بالعلم والقدرة إن أراد به امتيازه عن بنيه فليس كذلك، وان أراد به
امتيازه عن الملائكة والجن فهو لم يتميز بنفس العلم والقدرة فإن الملائكة
قد تعلم ما لا يعلمه آدم كما أنها تقدر على ما لا يقدر عليه، وان كان هو
أيضاً علمه الله ما لم تكن الملائكة تعلمه لاسيما عند جهور الجهمية من
المعتزلة والمتفلسفة ونحوهم، الذين يزعمون أن الملائكة أفضل من الأنبياء
وهو أحد أقوال المؤسس (1)، وسواء كان الأنبياء أفضل أو الملائكة فلا ريب
أنه لم يتميز أحدهما عن الآخر بجنس العلم والقدرة لكن بعلم خاص وقدرة
خاصة.
(1/87) الإطلاق
صح أن يقال إن الله خلق كل ملك من الملائكة على صورته. بل خلق كل حي على
صورته، بل ما من شيء من الأشياء إلا وهو يشاركه في بعض اللوازم البعيدة
ولو أنه بالقيام بالنفس وحمل الصفات، فيصح في كل جسم وجوهر أن الله خلقه
على صورته على هذا التقدير.
(1/88) العلم
والقدرة أعظم من المشابهة والمشاركة في مجرد مسمى الوجه - إلى أن قال-:
ومعلوم أن هذا الذي جاءت به السنة من ثبوت هذا الشبه من بعض الوجوه،
والله هو الذي خلق آدم على صورته هو خير مما ذكره المؤسس (1) فاستشهد
عليه بما ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله: «تخلقوا بأخلاق
الله»، فإن هذا من جنس ما يقوله المتفلسفة الصابئون ومن سلك مسلكهم من
الإسلاميين من قولهم إن الفلسفة هي التشبه بحسب الطاقة فيثبتون أن العبد
يصير شبيهاً بالله تعالى بفعل نفسه ويحتج من اتبعهم على ذلك كأبي حامد
وغيره بقوله: تخلقوا بأخلاق الله وهذا اللفظ لا يعرف عن النبي صلى الله
عليه وسلم في شيء من كتب الحديث ولا هو معروف عن أحد من أهل العلم، بل هو
من باب الموضوعات عندهم. وإن كان قد يفسر بمعنى صحيح يوافق الكتاب
والسنة، فإن الشارع قد ذكر أنه يجب اتصاف العبد بمعاني أسماء الله تعالى
كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل يحب الجمال» «إنه وتر يحب
الوتر» «إنه طيب لا يقبل إلا طيبا» «الراحمون يرحمهم الرحمن» «إنك عفو
تحب العفو فاعف عني» «إن الله نظيف يحب النظافة» (2)
(1/89) المناسبة
المشابهة لمعاني أسمائه التي يحبها فهي مما أمر به، وهو سبحانه له الخلق
والأمر.
(1/90) محذور وإن
لم يكن ذلك مقتضيا لكون صفات العبد من صفات الرب بحيث تكون الحقيقة من
جنس الحقيقة مع كون هذا عالما وهذا عالماً وهذا حيا وهذا حيا وهذا قادرا
وهذا قادرا. هذا سميعا بصيرا وهذا سميعا بصيرا، بل هذا موجودا وهذا
موجودا مع كون الحقيقتين والعلم والقدرة متشابهات، وكذلك لا يجب إذا كان
لهذا وجه وصورة ولهذا وجه وصورة أن تكون الحقيقة من جنس الحقيقة مع تشابه
الحقيقتين.
(1/91) شاء الله
طائفة من النصوص التي فيها إثبات صورة الله تعالى كقوله: «فيأتيهم الله
في صورته التي يعرفون» ونحو ذلك مما هو من الأحاديث التي اتفق العلماء
على صحتها وثبوتها، فأما لفظ الوجه فلا يمكن استقصاء النصوص المثبتة له.
(1/92) يقدر هذا
القدر. وهذا من المعلوم بالضرورة من العقل والدين.
(1/93) ذلك،
ولهذا كان بعض المحدثين الذين يريدون أن لا يحدثوا بعض الناس بهذا المعنى
يقولون خلق آدم طوله ستون ذراعاً، فإن كان هذا في بيان مقدار صورة آدم
خلقه الله عليها لا يقال في مثل ذلك خلق آدم على صورة آدم.
(1/94) بغيرها
مثل العلم والقدرة والكلام والمشيئة إذا أضيفت كانت إضافة صفة إلى موصوف،
وهذا هو الفرق بين البابين وإلا التبست الإضافة التي هي إضافة صفة إلى
موصوف والتي هي إضافة مملوك ومخلوق إلى المالك والخالق وذلك هو ظاهر
الخطاب في الموضعين لأن الأعيان القائمة بنفسها قد علم المخاطبون أنها لا
تكون قائمة بذات الله فيعلمون أنها ليست إضافة صفة، وأما الصفات القائمة
بغيرها فيعلمون أنه لا بد لها من موصوف تقوم به وتضاف إليه، فإذا أضيفت
علم أنها أضيفت إلى الموصوف التي هي قائمة به، وإذا كان كذلك فالصورة
قائمة بالشيء المصور، فصورة الله لوجه الله ويد الله وعلم الله وقدرة
الله ومشيئة الله وكلام الله، ويمتنع أن تقوم بغيره.
(1/95)
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً}
[الفرقان: 63]، هو إضافة إليهم (1) لأنهم عبدوه لا لعموم كونه عبّدهم
بخلقه لهم فإن هذا يشركهم فيه جميع الناس وهو قد خصهم بقوله: {إِنَّ
عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42]، وقوله:
{يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6]، ونحو ذلك. كذلك الناقة
فيها اختصاص بكون الله جعلها آية ففيها معنى الإضافة إلى إلهيته، وأما
قوله: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ
فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56]، وقوله: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ
اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97]، ففي الإضافة
تخصيص للأرض التي هي باقية على ما خلقها الله تعالى فلم يستول عليها
الكفار والفجار من عباده ومنعوا باستيلائهم عليها من عبادة الله عليها،
ولهذا لم تدخل أرض الحرب في هذا العموم، وقد يقال الإضافة لعموم الخلق
لأن الأرض واحدة لم تتعدد الأرض كما تعددت النوق والبيوت والعبيد.
(1/96) يضرب شيء
من الأعضاء لأن إضافته إلى خلق الله وملكه كإضافة الوجه سواء.
(1/97) والصورة
التي خلق عليها آدم، فلا بد من إثبات هذه الثلاثة، ولو أريد الصورة
المخلوقة لم يكن إلا صورة فقط هي الصورة المضروبة المشتومة، وصورة آدم
فقط فيقال خلق هؤلاء أو هذا أو الذرية على صورته.
(1/98) وإن كان
مؤثراً فيه بالتصرف والتدبير.
(1/99) الرحمن.
فلو كان المراد إبداع روحه مدبراً لجسده من غير حلول فيه كما أن الله
تعالى مدبر للعالم من غير حلول فيه لم يكن هذا متنا ولا للوجه فإن الوجه
من الجسد الذي تدبره الروح فيكون مشابهاً لبعض العالم الذي يدبره الله
تعالى ولا يكون داخلا في الروح التي خلقها الله تعالى على صورته، وإذا
كان كذلك لم يصلح أن يعلل النهي عن ضربه بعلة لا تتناوله.
(1/100) الوجه
وتقبيح ما يشبهه لأن الله خلق آدم على صورته، فلو كان المخلوق على الصورة
إنما هو الروح لم يصح هذا التشبيه فإن الله لا يشبه وجه الإنسان وإنما
يشبه روحه.
(1/101) آدم
وإبراهيم وموسى ونحوهم فإنه في مثله يقال المذكور هي الأرواح للعلم بأن
أجسادهم في قبورهم.
(1/102) يقول على
صفة الحياة والعلم والقدرة. وقد تقدم بطلان قول من حمل لفظ الصورة على
هذه الصفات ما (1) فيه كفاية وذلك كله دليل على بطلان هذا بطريق الأولى،
وهذه (2) الوجوه المذكورة في الصفة كلها.
(1/103) يكون
سائغا أو لا يكون فإن لم يكن سائغاً بطل تشبيه الله بالروح المدبرة
للبدن، وإن كان سائغا فلا حاجة إلى تحريف الحديث، والمقصود أنهم في
تأويلهم مثبتون لنظير ما فروا منه، فإنهم فروا من التشبيه ولم يتأولوه
إلا على التشبيه، وإن قالوا بثبوت التشبيه من وجه دون وجه كان كلام
منازعيهم في النفي والإثبات أقوى من كلامهم كما تقدم لاسيما على هذا
القول.
(1/104) وأيضا فإن
الروح تفارق الدنيا ما شاء الله من الزمان، وعلى زعم المتفلسفة مفارقتها
له أكثر من مقارنتها فإنها عندهم لا تقارنه بعد المفارقة أبدا، فيلزم أن
يكون تخلي الله عن تدبير العالم أعظم من تدبير العالم أضعاف أضعاف تدبيره
له على تقدير صحة التشبيه.
(1/105) بجسم ولا
جسماني وأنها ليست في البدن وأن تعلقها بالبدن إنما هو تعلق التدبير فقط
وأن الباري ليس بجسم وأن تعلقه بالعالم تعلق التدبير.
(1/106) فقول
القائل: ليست بجسم وليست في البدن مضادة لقول الرسول فكيف يجوز أن يحمل
عليه ألفاظ الرسول حتى يجعل متشابه كلامه مناقضا لنصوصه ومحكمه.
(1/107)
وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر: 42]، فأخبر أنه
يتوفاها وهو قبضها وأخذها واستيفاؤها وأخبر أن ذلك التوفي يكون حال الموت
ويكون في المنام وأن المتوفاة في المنام منها ما تمسك وهي التي يقضى
عليها بالموت في المنام ومنها ما يرسل فالإمساك لها والإرسال لها وتوفيها
كل ذلك يتضمن نقيض ما يذكرونه من عدم اتصافها بجنس هذه الصفات.
(1/108) وافقه أن
المراد صورة الملك والتدبير، بل ومن الاستيلاء على جنس الحيوان حتى طائره
وسابحه ما يشبه به استيلاء الرب على العالم بالتدبير والتصريف، بل وعلى
سائر الأجسام الجامدة، وهذا وإن كان ابن عقيل يذكره في موضع فإنه في موضع
آخر يتأوله على الصورة المخلوقة كما تقدم ذلك، فإن هؤلاء لا يثبت أحدهم
على مقام، بل هم كثيرو الاضطراب، وما من شيء يقوله المؤسس (1) وأمثاله
إلا وقد يقوله ابن عقيل ونحوه في بعض الأوقات والمصنفات وإن كان قد يرجع
عن ذلك كما يرجع غيره، قال في: «كفايته».
(1/109) الذات،
وكانت الفائدة في ذلك تشريفها بالإضافة إليه كتشريف بنية الكعبة بتسميته
بيتاً له وإن كان لا يسكنه، كذلك تشريف صورة آدم بالإضافة إليه وإن كانت
لا تشبهه، قال وقوله: «رأيت ربي في أحسن صورة» يحتمل أن يكون رآه في أحسن
صورة، ويحتمل أن يكون في أحسن حال من الإكرام والتبجيل. قال: وإنما دعانا
إلى ذلك أن إطلاق الصورة عليه سبحانه تصريح بتكذيب القرآن وكفى بذلك
محوجاً إلى التأويل، وليس هذا مما يمكننا أن نقول فيه صورة لا كالصور
لأنه عزاها إلى صورة محسوسة هي صورة آدم، فلو كان على صورة الله في نفسه
لكان كل آدمي على صورة الله والله سبحانه وتعالى على صورته، وقد أكذب
الله من قال ذلك وأطلقه عليه بقوله سبحانه: {ليس كمثله شيء} وآدم شيء فلا
يكون مثلاً لله تعالى.
(1/110) فيها ولكن
المردود من ذلك قول أحدهم أن قوله: «خلق آدم على صورته» أي على صورة
العالم فإن الإنسان على صورة العالم وهي صورة الله. إما الصورة المخلوقة
المملوكة كما يقوله من يقر بالرب المتميز عن العالم، وإما أن يجعلوا نفس
العالم هو صورة الله ووجوده لا حقيقة له وراء ذلك كما يزعمه الاتحادية
مثل صاحب الفصوص ومتبعيه فهذه ثلاث تأويلات.
(1/111) الحق. فإن
خطأ النظار فيما كذبوا به ونفوه أكبر من خطئهم فيما صدقوا به وعلموه.
(1/112) وتقبيحه
عام في جميع الآدميين وصفة الملك والسؤدد ليست عامة علم أنها ليست هي
المراد بقوله: «على صورته».
(1/113) وأما قول
القائل على: صورته التي هي العالم فإن الإنسان مختصر العالم، فلا حاجة
إلى المنازعة في كون الإنسان مختصر العالم ونسخة العالم، ولا في كون هذا
المعنى قد يكون من لوازم خلقه على صورة الرحمن، كما لا ينازع في كونه
عالماً وقادراً وحياً ولكن هذا لا يجوز أن يكون هو مقصود الحديث لوجوه.
(1/114) خلق وملك
لا إضافة ذاتية، وقد تقدمت الوجوه المبطلة لهذا فهي تبطل هذا التأويل.
(1/115) جاز
تقبيحها ومنع الشارع من تقبيح الوجه لأن الله خلق آدم على صورته، ولا فرق
في ذلك بين وجه البر والفاجر علم أن المانع ليس مشابهة العالم.
(1/116)
{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ
فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ
الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ} [الأعراف: 74]، وقال في
خطاب موسى لقومه: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ
وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}
[الأعراف: 129]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من جهز غازياً فقد غزا
ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا» وقال: «أو كلما نفرنا في سبيل الله خلف
أحدهم» وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا
الْكِتَابَ} [الأعراف: 169]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ
خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ
الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ
الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً} [فاطر: 39]، وقال تعالى:
{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ
أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة: 93]،
وقال: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ
فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً
وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ
أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} [التوبة: 83]، ولهذا
قيل للصديق: يا خليفة الله فقال: لست بخليفة الله ولكن خليفة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وحسبي ذاك، ولكن الله سبحانه يوصف بأنه خليفة وبأنه
خلف من غيره كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «أنت
الصاحب في السفر وأنت الخليفة في الأهل اللهم اصحبنا في سفرنا هذا خيراً
واخلفنا في أهلنا» ويقال في الوداع: خليفتي عليك الله، وفي التعزية التي
ذكر الشافعي في مسنده أن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعوا صوت
معز عزاهم بها، يا أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الله عزاء
من كل
(1/117) لكل شيء،
فالآدميون يموتون ويغيبون فيكون من يخلفهم، والله حي قيوم لا يغيب فلا
يكون له من يخلفه، بل هو سبحانه يخلف من يغيب أو يموت كما يكون خليفة
المؤمن في أهله إذا سافر ويكون خليفة له إذا مات، فيكفي أولئك الذين كان
المؤمن يكفيهم في هدايتهم ورزقهم ونصرهم، يبين ذلك أن الإنسان إذا آتاه
ملكاً أو لم يؤته إما أن يكون عند الله عاملاً بطاعته وطاعة رسله أو لا
يكون، فإن كان من القسم الأول كان من عباد الله كالنبيين والصديقين
والشهداء والصالحين، وهؤلاء هم الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ
عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42]، وقال إبليس:
{فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ
مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)} [صّ: 82 - 83]، ونحو ذلك، والعبد العامل
بأمر الله هو عابد لربه متوكل عليه. لم يخالف ربه في أمر من الأمور كما
أن الملائكة الذين لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون، يسبحون الليل
والنهار لا يفترون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
(1/118) بأمره
مصرف بمشيئته مدبر بقدرته منظم بحكمته، والله غني عن جميع ذلك، وكل ذلك
فقير إليه، وليس الصغير أفقر إليه من الكبير ولا المسبب بأفقر إليه من
السبب، بل الجميع فقراء إليه وهو رب الجميع ومليكه وهو سبحانه ليس كمثله
شيء في شيء من تدبيره كما قال سبحانه: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ
فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ
لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً
يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 9 - 11]، يبين ذلك أن كل من خلف غيره في شيء
فإنه يكون معيناً له فيما يعجز عنه المخلوف، إما لعدم لعلمه به وإما لعدم
قدرته، فالخالف شريك المخلوف وكفؤ له كالأمير
(1/119) وسلم أنه
قال: «يقول الله تعالى العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحداً
منهما عذبته» فيكون مختالاً يتخيل في نفسه أنه عظيم كبير وأن أمره ونهيه
وفعله بالنسبة إلى الله تعالى من جنس أمر الخليفة النائب عن غيره ومن جنس
نهيه وفعله، وهذا شرك وكذب وضلال وكبرياء واختيال، وذلك أن الخليفة عن
غيره يأمر وينهى ويفعل أموراً لم يدر بها المستخلف ولم يقدر عليها ولا
يكون أمر بها ونهى، بل يكون أمر هذا من جنس أمر الأول كالوكيل مع موكله
وكالوصي مع الموصي، وهؤلاء بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر، ولهذا جاءت
الشريعة بذلك فجعل الفقهاء الشركة في التصرف مبنية
(1/120) هم مبلغون
أمره ونهيه لا يأمرون إلا بما أمر.
(1/121) فعله، وهو
مبطل في ذلك، نعم لو قال نائب رسول الله أو خليفة رسول الله لكان هذا
صحيحاً، ولهذا لما قالوا للصديق: يا خليفة الله قال: لست بخليفة الله
ولكن خليفة رسول الله وحسبي ذلك. فلا يطلق على أحد أنه نائب عن الله ولا
خليفة عنه أصلاً، بخلاف الرسول فإنه قد روي في وصف خلفاء الرسل أنهم
الذين يحيون سنتهم ويعلمونها الناس، ولهذا تجب طاعتهم كما في الصحيحين عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع
أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني» وذلك
لأنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بما أمر الله به فالمطيع له مطيع
لله، وكذلك أميره الذي يستخلفه على بعض أمته كأمراء السرايا الذي أوجب
طاعته إنما أوجبها إذا كان يأمر بما أمر الرسول به كما قال صلى الله عليه
وسلم: «إنما الطاعة في المعروف» وكما قال: «لا طاعة في معصية الله»
فقوله: «من أطاع أميري» قد بين أن معناه طاعة الطاعة وهو ما كان من
الأفعال التي يأمر الله ورسوله بها فيكون هذا الأمر منفذاً لذلك الأمر
كما كان عمر بن عبد العزيز يقول: أيها الناس. لا كتاب بعد كتابكم ولا نبي
بعد نبيكم، كتابكم آخر الكتب ونبيكم آخر الأنبياء وإنما أنا متبع ولست
بمبتدع وإنما أنا منفذ ولست بقاض، فقد بيّن أن هذه الدعاوي في الخلافة عن
الله ونحو ذلك إنما هي من دعاوي المتكبرين الجبارين المشركين الذين
يريدون العلو في الأرض كفرعون وهؤلاء الاتحادية الموافقين لفرعون المدعين
أنهم مضاهون لله تعالى وأنه يحتاج إلى عباده كما يحتاج عباده إليه،
سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
(1/122) تعالى:
{فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ
وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا
ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)
كَلَّا} [الفجر: 15 - 16]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ
مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ
الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ
بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)} [يونس: 13 - 14]، وقال
تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ
بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ
إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}
[الأنعام: 165]، فبين أنه جعلهم خلائف ورفع بعضهم فوق بعض درجات كما يرفع
درجة ذي الملك والسلطان ليبلوهم فيما آتاهم، وإذا كان كذلك فمن كان منهم
عاملاً بطاعة الله غير عامل بمعصيته كان من أولياء الله وعباده الصالحين،
ومن كان منهم عاملاً بمعصية الله مريداً للعلو في الأرض والفساد متخيلاً
متكبراً جباراً كان من أعداء الله وممن سخط الله عليه ولعنه، قال بعض
السلف أظنه مجاهداً في قوله تعالى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ
جَبَّارِينَ} [الشعراء: 130]، قال: هو السوط والسب والغضب في غير طاعة
الله (1)،
(1/123) عن الله
لأنه من الجنس المسلطين على غيرهم من أجناس الحيوان وعلى أنواع من
التدبير، ولا يفرقون بين من أطاع الله ومن عصاه، بل يجعلون الذين آمنوا
وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ويجعلون المتقين كالفجار، وهذا كله
من الإشراك والجمع لما فرق الله بينه، ولهذا شرع الاتحادية كل شرك في
العالم.
(1/124)
والاستكبار والاختيال الموجود في العباد كله مناف لدين الإسلام الذي بعث
الله به رسله وأنزل به كتبه، وكلا النوعين يتضمن من تعظيم الخلق وجعلهم
أنداداً لله ومن التفريط في جنب الله وتضييع حقوقه لما هو من أعظم الجهل
والظلم.
(1/125) والمشتوم
والقاتل والمقتول والناكح والمنكوح فلا يتصور عندهم أن يختص شيء بعينه
بالنهي عن التقبيح لكونه على صورة الله إذ ليس في الوجود مقبح وغير مقبح
إلا ما هو من صورة الله عندهم.
(1/126) يقوله من
يقول من طواغيتهم إن قولنا: هو قول فرعون، لكن فرعون كان ينكر وجود الحق
بالكلية وهؤلاء أقروا به قالوا: هو الوجود الذي اعترف به فرعون وهو وجود
المخلوقات فخالفوا فرعون في اعتقادهم وقصدهم حيث اعتقدوا أنهم مقرون
بالله عابدون له من بعض الوجوه إن كان العابد والمعبود والمقر بالله هو
الله عندهم لا غيره انتهى المقصود من كلام شيخ الإسلام أبي العباس ابن
تيمية رحمه الله تعالى في رده على تأويلات المتأولين لحديث: «إن الله خلق
آدم على صورته» وحديث: «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن» وينبغي للذين
وقع في قلوبهم شيء من شبهات أهل الكلام الباطل والتأويل المستكره أن
يقرءوا كلام شيخ الإسلام لعل الله تعالى أن يرزقهم البصيرة ويزيل عن
قلوبهم ما علق بها من الشبه المخالفة لطريقة أهل السنة
(1/127) معنى
وتأويل غير ذلك أجيبوا أدام الله النفع بعلومكم وابسطوا الجواب أثابكم
الله الجنة بمنه وكرمه.
(1/128) وقال في
رواية أبي طالب من قال إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي وأي صورة
كانت لآدم قبل أن يخلقه؟ وعن عبد الله ابن الإمام أحمد قال: قال رجل لأبي
إن فلاناً يقول في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم
على صورته» فقال على صورة الرجل فقال أبي كذب، هذا قول الجهمية وأي فائدة
في هذا.
(1/129) والرضى
بما جاء به القرآن والحديث ولا نستوحش أن نقول كما قال القرآن والحديث
وقال ابن قتيبة الذي عندي والله أعلم أن الصورة ليست بأعجب من اليدين
والأصابع والعين.
(1/130) فليتأمله
الذين فتنوا بتأويل حديث الصورة وعلقت بقلوبهم شبهات أهل الكلام الباطل
وأقوالهم المنحرفة في تأويل الحديث بما يوافق
(1/131) أقوال
الجهمية. وكان الواجب عليهم أن يقابلوا الحديث بالرضا والتسليم وأن يمروه
كما جاء من غير تأويل مع اعتقاد أن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في
صفاته ولا في أفعاله. فهذه طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين
وتابعيهم بإحسان في هذا الحديث وفي غيره من آيات الصفات وأحاديث الصفات.
ولقد أحسن الراجز حيث يقول:
(1/132) وقد كان
الفراغ من كتابة هذا الكتاب في يوم الخميس الموافق لليوم الرابع عشر من
شهر ربيع الثاني سنة 1406 هـ على يد كاتبه الفقير إلى الله تعالى حمود بن
عبد الله بن حمود التويجري غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات.
(1/133)
|
|